الهايكو شكل شعري قديم ظهر في اليابان منذ قرون،وهذا الشكل التقليدي له تاريخ طويل، ونشطت كتاباته مع الشاعر المرموق باشو ، وهو وصف الطبيعة أو رسم الحياة.
وتتمثل ميزته الأساسية أنه قول لحظة بلحظة في زمان ومكان محددين، كما أنه أيضا تعبير عن الحياة السريعة الزوال، لغتة تتسم بالإيجاز ، وينجز عادة بـ 17مقطعا تكتب على ثلاثة خطوط(5/7/5 مقاطع).
يعتمد جملا ناقصة، جمل اسمية معززة بمصدر وقليلا ما نجد به جملا فعلية. يوظف الهايكو الحواس كإدراكات مادية من الواقع الملموس وليس كاستدعاءات عقلية.
وتعد هذه المجموعة الشعرية التي عنونتها الشاعرة زبيدة أوبحو ب:(وجع الصدى) مساهمة مغربية في إغناء الحقلين المغربي والعربي وانفتاحه على تجارب شعرية مختلفة.
يبدو أن أي عمل إبداعي، كيفما كان نوعه، شعرا أم نثرا، يحتاج إلى عنوان مناسب يختاره صاحبه،وهذا العنوان لا يتم وضعه بطريقة اعتباطية أو عشوائية، بقدر ما يجهد المبدع نفسه في صياغة عنوان معبر عن الدلالات والمضامين والقضايا التي يطرحها منتوجه الإبداعي. ومن ثم، يعتبر العنوان بمثابة عتبة لأي إنتاج فكري أو فني،يستوجب الوقوف عنده، لتحقيق قراءة عميقة تمكن من النفاذ إلى العالم الخاص للمنتوج المقروء.
وعلى هذا الأساس، نرى من الضروري. أن نقف، بدورنا على العنوان الذي اختارته الأستاذة زبيدة أوبحو لمجموعتها الشعرية (وجع الصدى) لتشريحه ورصد الدلالات العامة التي يوحي بها.
جاء العنوان مركبا إضافيا من كلمتين وجع :مبتدأ مرفوع وهو مضاف الصدى :مضاف إليه. والخبر محذوف نفترض تقديرا له: (مؤلم أو موجع ).
والوجع كما ورد في المعجم: الألم أما الصدى: ما يجيبك من صوت الجبل ونحو بمثل صوتك .
ويبدو من خلال العنوان أن الشاعرة أسندت الوجع وأمالته للصدى بما تقتضيه دلالة الإضافة.
وقد نفترض أن العنوان أصوات استرجاعية استذكارية تركز على التجارب الحياتية للشاعرة! ما يضعنا أمام محكيات أوتوبيوغرافية في قالب شعري أنيق السبك،وفي ثناياه تعلن الشاعرة عن ألألم باعتباره الغرض le thème الجوهري الذي يحدد البنية الموضوعاتية للديوان تقول الشاعرة:
كل الأوراق تئن
تحت أقدام الخريف
مخاض
ليت الطريق يغفو
لأحضن خطوي وأنام
العنكبوت
في شباكه نحل
الملكة وحيدة
كل الليالي الباردة
طويلة الأمد
عذاباتي
فنجان قهوتي
كل غروب
يرسم دموعا سوداء
نقار الخشب
ليته يتوقف
عذاب الضمير
يبدو أن أصوات الماضي تطارد الشاعرة ، تؤرقها. والمجموعة الشعرية ليست سوى بوح للشاعرة بما يعتصرها من آلام تخللت جميع مناحي حياتها مذ كانت فراشة يانعة تستكشف الوجود وتستطيبه، إلى تلميذة تنمو بنمو الأنصاب ، وتتولد في قلبها العواطف على غير معرفة منها ، مثلما يتولد العطر في أعماق الزهرة ، وتنتابها الأحلام والهواجس مثلما تتناول القطعان مجاري المياه.
صبية ذات فكرة تشابه تربة جيدة عذراء لم تلق بها المعرفة بذورا ولا مشت عليها أقدام الاختبار.
تقول :
فرحة بريئة
كطفلة
أجري خلف الفراشات
عاطفي بلوري
دموع وابتسامات
قلب حبيبي
تستهويني لعبة نسيانك
أغش في اللعب أتذكرك.
لا شيء يجعلنا عظماء سوى ألم عظيم.
هذا ما نطقت به يوما حكمة ولد الرومنسية المزعج وشاعر الآلام الكبيرة ألفريد ده موسيه.
وهذه أطروحة مقتضاها أن وراء كل عظيم ألم . والهدف من إثارة هذا الأمر لفت الانتباه إلى أن الأعمال والمنجزات العظيمة في الأدب والفن، في الشعر والرواية، في القصة والمسر ح في الفكر كما في الحضارة عموما ، تأتي نتيجة الاكتواء بنار ألم لا نظير له، وهذا الألم تنغرس جذور داليته في التجارب التي جعلت من الشاعرة ما هي عليه.
تلك الأصوات الممزوجة بصور الماضي عالقة في ذاكرة الشاعرة ، بل ومنها ما يدمي قلبها، و هذا الديوان هو صور ومرايا استعارية ورمزية للذات، تصور لنا الأنا التي ظلت حاضرة في أعماق الروح من ذلك الزمن البعيد إلى اليوم.