المعنى الفني لأي عمل لا يفسر وإنما يتم تحليله تأملياً بحيث ننتج المعنى الفني بوعي بنائي ، لذا وجب علينا أن تكون قراءتنا لأي نص حس وتذوق للنص.
ففي قصيدة ( حوّاء ) نجد افتتاحية القصيدة بالإقرار والاعتراف بأن حوّاء هي السكن والوطن
حوّاءُ أنتِ الودُّ والسكنُ والأهلُ أنتِ وحضنكِ الوطنُ
فانعكاس الذات الانثوية جلية بوضوح رغم انكسار التاء من ( أنتِ ) إلّا أنه انكسارا جميلاً ورغم ثبوت القاعدة النحوية إلّا ( أنتِ ) استطاعت الاقرار والاعتراف بأنّ حوّاء هي الوجود ومما دعم هذا العطاء والاعتراف بديمومة حوّاء هو الفعل المضارع وتراصه في بيت شعري واحد ( يرتوي) ، (تبكي)
لا يرتوي ظمأ المسير ولا تبكي السّماء فعينكِ المزنُ
فهي رمز الحياة ودوحة العشق والعشاق وكيف لا تكون هي المزن المتهاطل من سماء الرب؟
وتبدع شاعرتنا بالقفز الجميل من الوصف الحسيّ والغزل الشفيف بقفزة دينية ذكية فهي أم خير الورى رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلّم ) ولسيدتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فهي الطهر وفي الأخلاق ذروتها ثم تقرُّ بأنهنَّ مثال حوّاء التي تؤتمن من الصبورات الجلدات مستمدات الصبر من صبر سيدتنا زينب الحوراء ( عليها السلام ) فهي أخت وضعت ( الكافور والكفن ) رمزا لعشقهم للاستشهاد فالخافض في موجة الفرح ثم تفتخر بالنسب العراقي والشاعرة كانت موفقة في اختيار ( النون ) للقافية كون حرف النون هو الأقرب والملائم للمدح والمفاخرة والتفاخر والقصيدة عبارة عن فخر بالمرأة فاختيارها للقافية ( النون والفعل المضارع وياء النسب ) زاد من حدة المدح والفخر والتفاخر وكأنّ القصيدة معلّقة من معلّقات الجاهلية فكانت موفقة جدا باختيار القافية والنون والفعل المضارع الذي أمدّ القصيدة بالاستمرارية والديمومية بالفخر والتفاخر مع ياء النسب المنفردة ثقة بكبرياء المدح والثقة بالنفس
ثم نجد في قصيدة ( الحشد والنصر ) وإن صحَّ تسميتها بالمعلّقة والسبب دون علو أو مبالغة قافيتها ( حـــَ ، ا ) الألف الممدودة علواً مسبوقاً بحرف الحاء المفتوح فالتزام الشاعر بقافية المتحرك بين ساكنين جعلها ذات توقع حماسي والقصيدة بعنوانها هي كرامة ديمومة النصر والبقاء آجال كثيرة فحضارة النصر مستمرة لا محال فكان العنوان ك (( مرآة ينعكس فيها ما يسير عليه الناطقون ))
م / اللغة والمجتمع
علي عبد الواحد وافي
ص / 15
قافية الألف الممدودة المفتوحة دلالة لانتصارات الحشد غير المتناهية ( وقاحا ، نجاحا ، فلاحا ) وكذا بقية أبيات القصيدة و ما استخدام الشاعرة للفعل المضارع بكثرة بل هو المهين للزمن الفعلي ( يطاعُ ، ترتديه ، يكن ، يسجدُ ) وغيره الكثير ما هو إلّا دليلاً على استمرارية وديمومة الحدث ( النصر والانتصار ) وإلحاق الهزيمة بجرذان داعش
فالحشدُ نصرٌ رفرفت راياته والنصرُ حشدً لا يكون وقاحا
وتستمر هيمنة زمن الحاضر ( المضارع ) في ( تسائلني ) حيث تقول :
مازالَ هذا الشك يشتعلُ وبما يقولُ حجاك يا رجلُ
فالشك يشتعل كما يشتعل الرأس شيباً والجميل الذي يدل على مقدرة لغوية هي مصاحبة الشاعرة لـــ ( ما زالَ يشتعلُ ) يقول في شطري البيت الشعري ( فما زالَ ) دعم الفعل الحاضر الآتي ( يشتعل ، يقول ) في استمرارية الشك إنّ حوّاء لا علل بها فالقلب فرحاً طرباً من سؤال زينب فهي من تسكن وتطمئن الروح من سؤالها فذكرها نطقت بها الرسل والذكر الحكيم فهي كالرجال بل تعلو قدرا فوق قدر الرجولة ثم تعمد الشاعرة إلى المناداة بحرف الياء ( يا ) حيث تقول :
يا أنتِ يا قمر الليالي المظلماتِ يا فيض أحلامي ونسكي في صلاتي
هنا النداء موجه إلى الأنثى تحت نداء مفتوح الأصل في تراتيله انكسار تأمل وتحقيق أحلام فهي فيض في الليالي المظلمات ثم تبدأ متسلسلة المدح فهي الجمال وسمة الشطين ، سحر النّدى ، فهي المحاسن لا تجارى صفاتها فهي الدعاء الوضاء للشاعرة حيث يشتد فيه الغربة ومرارتها
في التيه تلهو غربتي تبكي اللقا لا أرتدي في السير يا خير الهداةِ
والسؤال لا يغيب عن ربيع ماكتبته ( إيمان عبد الستار بدير )
( أيّنا يتألمُ ) حيث تصيغ القصيدة بألم التساؤل
قل لي بربّك أيّنا يتألمُ إنّي وأنت وبالهوى متوهّمُ
فكلاهما ( هي ، هو ) متوهم في الحب والهوى فيسبب الحزن تحت أضلاع ( هي ) فضجيج الألم يظهر جلياً حيث تسبح عيناها بجروح الدموع ثم تشبه حالة اليأس المتجذرة في كيان روحها بــــ ( العجوز المتهالك في يأسه من الحياة بل هذا العجوز ( ابكم ) لا يستطيع التعبير عن يأسه وحزمه وهذا قمة الوجع الذي قد يمر به أي انسان ثم المقابل الآخر لا يبالي بحزنها بدليل رسالته يؤكد فيها أن كل العاشقين يجب عليهم الكفاح
و لا أخفي حزني ودموعي المتناثرة على الورقة حيث قرأت ( أورام خبثٍ ) إذ هي قصتي جملةً وتفصيلاً معاناتي بورم الثدي ، آه من دهر حين يلح باضطرام المرض والحزن في صدورنا من دهر لا يجيد إلّا الصراخ ويصبح معنا الآلام حيث نهد جبال الصبر فينا قمة الألم والوجع حيث تقول:
صدرٌ يعجُّ بأورامٍ بها خبثٌ والجسمُ مأكله بالموتِ يختتمُ
ويصر عن الوجع في
ما حال أنثى ترى بالعين مصرعها تنعى الأنوثة في أحشائها ألمُ
ولا يحس بوجع المشرط إلّا من عايش زحمة الأضواء وضيق جهاز التنفس ( الأوكسجين ) في غرفة صاحب المشرط
أمّا في قصيدة إلى الزهراء ( عليها السلام ) مع أنها نذرت نفسها في خدمة فاطمة الزهراء ( عليها السلام )
إنّي نذرتُ إلى الرحمن أمنيتي أن أكتبَ الشّعرَ في ريحانِ روضتها
وأزهر الديوان والقصيدة أزهرت في ( نحيب الوجع )
حتّى متى عمري نحيب وبلوعتي إنّي الغريب
حيث العمر عبارة نحيب وبعد تحقيق الأماني حيث يكون الاغتراب أقسى أنواع العذابات ، ففي بعض الأحاسيس الشعور بالعجز بفتح عوالم أخرى غايتها ووظيفتها التمرد على الآخرين التمرد على الوجع التمرد على حزن الحاضر في رميه وعدم الالتفات إليه
ففي ديوان ( إيمان عبد الستار بدير) نجد طاقة النجيلة وهي التي تخلق نظاماً تعويضياً داخل النص ، دائماً ما تكون التقنية الغالبة في أغلب قصائدها ( الاتكاء ، القفز على الواقع ، تجاوز نقطة البداية للاستشراق على ما يحصل من أحداث قادمة من خلال إذابة ثوابت وإحلال أخرى بدلها
*الفعل الساكن المرتبط بفاعله المتصل كشرط أساس للوصول إلى حلمها.
* أحياناً تكون القصيدة تعويضياً للفراغ أو الحقيقة المغيبة أو الغياب أيضا تلحظ إدراك مكثف للحقيقة.