خلف الحديثي جوازه دبلوسي مختوم من عالم العروض حين يدخل حدود الشعر.
ففي قصيدة (لها احن) نجد خيمة الشعر الموزون.. تصهل في عشق الشاعر لبلد الاحتضان حين تقطعت به سبل بلده أبان اضطراب احداثه سنة ٢٠٠٣
فهو يتغنى للشام ويدع بردى تسمع، وياء المتكلم تصدح في تأطير (الأنا) لدى الشاعر ليبرز لنا سر تعلقه بالشام، فتكرار ياء المتكلم في البيت الشعري لخلف الحديثي أدى إلى تضخيم الذات المسلوبة بحبها للشام.
شيء من الماء في كفي لاروائي
يمشي وراء فمي المسكون باللاء
ولانلحظ بيت من أبيات (لها احن) إلا وياء المتكلم مسيدة ومسيطرة عليه (بابي. حنائي. قدحي. قبعتي…….) وغيرها الكثير، والجميل أن نجد الفعل ومصدره في شطر من بيت شعري ليؤكد قدرة الشاعر في التماهي اللغوي (يصغي، اصغائي، يرضي، ارضائي) مع هذا التماهي ايضا بياء الذات المعذبة بالحنين، فكلما عاد الشاعر من منفى يلاحقه منفى آخر ليسرق منه الأمل.
فكلما عدت من منفى يلاحقني
منفى، يسرق من عيني اضوائي
وهاهي سوريا يكتبها التأريخ رغم تهميش الخوف والرعب الذي اصابها فهي البلد (الحضن) للشاعر.
ماكنت إلا أنا ماشاب لي وطر
والضوء مازال يمشي بين افيائي
فهو يخاطب سوريا ك(الانثى) المحببة لنفسه فهي البنفسج الذي لايغريها نفح الطيب من الآخر، فحنينه للشام كالحرق في الجلد بمرور الزمن يصبح وشما
احن للشام يوهي شوقها جلدي
ويستفز تباريحي وحمائي
كم حنت الروح أن تلقى شوارعها
وان تنام على حلم باغفاء
ليس بالغريب أن تكون المدن هي (الانثى. الوطن) للشعراء فهي السكن والهوية.
فتاة روحي أراك الآن في جسدي
كونا يداعب في الاغراء اغرائي
كيف لا؟ وهي تزن فافيته ومتنفس روحه.
فانت صمت دمي بل نزف قافيتي
وأنت ياانت بي انفاس اجزائي
جاعلا من سوريا واسمها دواء لكل داء.. والغريب أن الشاعر في بيت شعري واحد من قصيدته كسر افق التوقع والتخيل لدى المتلقي أن القصيدة ليس المقصود منها أنثى معينة، حين تحرر من تضخم ياء المتكلم وتكلم بصيغة الجماعة مؤكدا بهذا الوحدة العربية (الحلم) فلم يقل،(خاطري) بل قال (خواطرنا) وان كان يقصد امرأة معينة فمن المستحيل أن يجعل إسمها متاح للجموع، فلو قصد انثى معينة لكتب (خاطري).
من دون أسمك عرجاء خواطرنا
ودون عينيك لاشعري ولايائي
فبوح الشاعر بوحا خالدا لايفنى للحضن الذي احتضنه آواه في ازمته فلا نبالغ أن كتبنا وقلنا (لها احن) معلقة.