الإبداع الأصيل عبارة عن خلجات نفسية تنبعث من شغاف القلب طافحة بالصدق والأمانة، وانعكاس لسلسلة من الخيبات تعكسها العيون، وهي بمثابة ترجمان للروح المثخنة بالجراح، وما تجيش يه من لواعج وعواطف وآلام، وهي البلسم الشافي الذي يضمد جراحات الذات الغائرة، ويريحها من عذاباتها وأوصابها،
وأسقامها المبرحة، ومن هذا القلب الكسير الذي ينوء بأثقاله، وبعيونه الرحيمة اليقظة تنظر القاصة المغربية ليلى مهيدرة التي تكتب الشعر والرواية والمقالة أيضا إلى العالم من خلال إضمامتها القصصية الاولى [عيون القلب](1)، وهو عنوان القصة التاسعة، ويتناص ضمنيا مع الأغنية الشهيرة للفنانة الكبيرة نجاة الصغير، وأشعار الخال عبدالرحمن الأبنودي وتلحين محمد الموجي، والأغنية شجية وحزينة، تتكلم عن الفراق، والسهر والمعاناة، وصدى الذكريات تستغلها القاصة لسرد لقائها مع مواطن فلسطيني فنان يحمل هموم القضية والوطن، يدوزن عوده ليغنيها القصيدة، ومن خلال الحوار والمونولوغ والشعر، والنظرات والإعجاب والانبهار تتعرض لعدالة القضية العربية الأولى، وتحرير الأراضي الفلسطينية، وتوثر المفاوضات، وتعثر جهود السلام، وتداعيات كل ذلك على المنطقة، وهذه الموتيفات بمعناها الإسقاطي والتناصي مع أغنية نجاة الصغيرة، يضفي على المجموعة جوا من الحميمية والرقة، والصدق، ويأتي عنوانا للقصة التاسعة التي تحاول من خلالها القاصة السفر بالقارئ الى تداعيات القضية الفلسطينية، معتمدة مقطعا قصيرا من الأغنية كلازمة تكررها مرتين، كما تتكرر في القصة كلمة العيون واللواحط اضافة الى العنوان اربع مرات، ويطرح هذا العنوان المتعالق مع الاغنية أكثر من تساؤل حول المغزى من العنونة “عيون القلب”، وما تحتمله من أحاسيس جياشة، ذلك أن المتبقي من النصوص تطفح بكميات هائلة من الألم والحزن، والدموع، والمعاناة والترقب وكلها مشاعر إنسانية مستوحاة من صميم الواقع، ومبثوثة من صميم القلب، وما يعج به من آلام وأوصاب، لان العنوان أو التسمية بحسب جان ربكاردوهو: [علامة دالة على النص](2)، والمدخل الموازي للنص الذي يعطينا انطباعا أوليا ورؤية بانورامية حول مضمون الكتاب. إنه [عبارة عن علامة لسانية وسيميولوجية غالبا ما تكون في بداية النص، لها وظيفة تعيينية ومدلولية، ووظيفة تأشيرية أثناء تلقي النص والتلذذ به تقبلا وتفاعل] (3)، وهو بمتابة نجمة القطب التي نستدل على هديها لاستكشاف خبايا العمل الابداعي، وقد اعتبره البعض بلا اهمية، فيما أولاه جان جبينيت أهمية كبرى وأفرد له كتابا بعنوان “عتبات” حاول من خلاله تبيان مافة العناصر النصيية والميتا-نصية للعنوان وما إليه، ذلك أن اختيار العنوان ليس عملاً شكلياً معزولا عن الفضاء العام للنصوص، بل هو دلالة ايقونية منتزعة من الجو العام للنصوص، فهو وان كان يقدم نفسه بصفته عتبة للنص كما يعرف ذلك السيميائيون، فانه بالمقابل لا يمكننا باية حال الولوج إلى عالم النص دون اجتياز هذه العتبة، والوقوف عليها واستشراف معالمها، وغير خاف على احد بان الأدباء من الأجيال المتقدمة كانوا أشد عناية وعلى أتم وعي بقيمة العنوان والشكل والخط في العمل الإبداعي، فحينما نتطرق للعنوان أو مسألة الشكل الظاهري للكتاب لا ننسى الإشارة إلى أن الشعراء منذ القديم اهتموا بإعطاء عناوين رنانة وموحية لمؤلفاتهم مثل اسم المعلقات والمذهبات والمسمطات والمفضليات والأصمعيات، فيما اكتفى البعض بالمطلع معنوان في بعض القصائد، بعكس الذين انتهجوا طريقة عنونة أشعارهم ومصنفاتهم بطريقة جذابة وتفننوا في اختيار عناوين مموسقة ومسجوعة في بعض الأحيان. وتحبيرها بخط من الذهب بديع لرغبتهم في تمييز مصنفاتهم عن باقي الكتب والإصدارات لشد انتباه المتلقي، وإغرائه بصورة أو أخرى لقراءة الكتاب واقتنائه وقد اشتغلت القاصة في المجموعة القصصية على عدة ثيمات ومحاور اجتماعية متنوعة، مستوحية السرد المباشر الواصف لحالات ولوحات اجتماعية، والرمز، والقضايا السياسية، والخاطرة، مستغلة إمكانياتها وموهبتها في كتابة الشعر، إذ كان لا بد من أن تلجأ لهذه التقنيات الاسلوبية لإضفاء جمالية وشفافية على النصوص، ومنحها بعدا شاعريا وإنسانيا يتماشى ضمنيا مع واقع الحال، ونوعية الموضوع، وتفسية البطل، مما أحالها الى تحفة ادبية وفنية زاهية تفيض بصدق المشاعر، وقوة العاطفة في مستهل المجموعة تهدي القاصة عملها لشخوصها البائسين الذين يعلنون نفوسهم جهرا، ويتقاسمون آلامهم سرا، ويبتسمون ويرتسمون حين يشتد عليهم صقيع الواقع، ثم يموتون قهرا وهذا الوصف التصويري له دلالته القصوى حول هوياتهم وحيواتهم، ومعاناتهم في الحياة، يقول حميد ركاطة في تقديمه المسهب والمركز واصفا المجموعة بقوله: [لقد رصدت الكاتبة من خلال مجموعتها العلاقات الإنسانية في لحظاتها المنفلتة من عقال زمن هارب، لتتحول إلى نسيج من الأحداث القصصية التي تحمل في طياتها أحاسيس متضاربة: من حب، وحزن، وفرح، وجنون، وقلق، الأمر الذي عرى عن عمق الانهزام الإنساني أمام إكراهات الواقع المرير.] ص6(4)
تتكون المجموعة من سبعة وعشرين نص سردي، وتتألف من 102 صفحات، ورأت النور سنة 2013، يمقدمة لحميد ركاطة. ص5، خطة التراجع عن قرار التراجع، ص9، الدولاب، ص13، قلم أحمر ص17، انسلاخات ص21، المصارحة ص25، هواجس ص 29، خطوط عمودية ص 33، تخيلات ص 35، عيون القلب ص39، الوثيقة الوهمية ص43، ضيفة العيد ص 47، رصاصة الرحمة ص53، غرفة الصمت ص 55، الخريف الأخير
ص 57، الانصهار ص 59، طبل الحرية ص63، بلاغ عن طفلة ضائعة ص 65، طفل صغير ص 69، إحساس الأمومة ص 71، العودة إلى الماضي ص 77، الفائز بالشهادة ص79، ولدي ص 81، فدائي ص 85، أنا وشريكتي ص 87، مملكة الأحلام ص 93، القرار الصعب ص 97، غرفة الانتظار ص 99 تستهل القاصة مجموعتها بقصة
– خطة التراجع عن قرار التراجع
تطمح هذه القصة أن تبعث من خلال هذا العنوان المخاتل عدة رسائل مشفرة عن الواقع العربي والسياسي المصاب بداء الخذلان والخيانات والدسائس،
والمؤامرات، والعمالة، التي سببها الحكام وأصحاب القرار تقول القاصة في تصديرها للقصة: [التراجع لم يعد استراتيجية حربية بقدر ما صار طريقة للعيش حتى أصبحنا نتراجع دون أن ندري لم في نفس الوقت الذي نكون فيه مقتنعين بالعكس] ص9 (5)، هذه الجملة المكثفة تعكس حال الجندي (حسام) الذي يستمد اسمه من السيف البتار، لما يرمز اليه من قيم الشهامة، والبسالة والشجاعة، وإلى كل ضمير عربي حي وحر لا يرضى بالهزيمة مهما كانت الخسارات، ويجسد الانكسارات النفسية وخيبة الأمال الجسيمة إزاء قرارات التراجع في الميدان، ووقف اطلاق النار، وما لهذه القرارات الانهزامية من أثر على نفوسهم، وما تسببه من خسارات للوطن الذي ضحى بالعديد من الارواح والاموال، والارض أيضا بسبب قرار طائش، ولعل احتجاج الجندي البطل يعكس هول المهزلة: [لم نكن مهزومين فلم نتراجع؟، ظل يرددها حتى أسكته صوت القائد: يبدو انك كبرت في السن وتحتاج للراحة مقدم حسام] ص9 (6)، وهو قرار يعكس انعدام الضمير الوطني، ولنا في تاريخ الحروب بقصصه الحزينة والمأساوية، عدة نماذج عكستها روايات الألماني إريك ماريا ريماك، ونفسية البطل المقهور والمحبط في قصص زكريا تامر
– الدولاب
هناك في الحياة أشياء عديدة لا يمكن التملص منها، أو التفريط فيها أو الاستغناء عنها، حاصة تلك التي تذكرنا بالسعادة أو بالخيبات، هكذا يتعلق الأمر بعلاقة بطل هذه القصة بالدولاب الذي اقتناه من طرف سمسار الخرذة بثمن باهض، ليختزن فيه ذكرياته واماله، ووحدته وبؤسه، ويبني عليه أحلامه، ويعقد معها ألفة، فالقصة تبتدئ من النهاية، حين ببيع البطل كل متاعه، لكن لا يستطيع التخلي عن الدولاب الذي اختزن فيه أحلامه وآماله، ونلاحظ ان ما بين البداية والنهاية تكمن قصة حياة كاملة، [فتح عينيه في تثاقل شديد ومد بصره في كل أنحاء الغرفة بدأ من السقف الذي غطت خيوط العنكبوت الرمادية بقايا الجير فيه ، ووصولا إلى الدولاب القديم ، كاد أن يبتسم وهو ينظر إليه، أحس أنه انتصاره الوحيد الذي قد يخلفه إن مات] ص 13(7)، فهذا الدولاب يستطيع أن يروي حكايته حين يعود غاضبا، ويركل بابه حتى ترتعد ضلوعه، وترتج جنبات الغرفة الشبه فارغة الا من هذا الدولاب، أو حين يقف أمامه لساعات طوال ليختار [بين بذلتيه اليتيمتين إن كان على موعد ما، وغالبا ما يكون مع أحد مديري الشركات ممن تعود الاستقبال الحار والابتسامة العريضة وكلمة اعتذار على طلب الوظيفة الذي تقدم به] ص13(8)، وتمضي [سنوات بعد ذلك وأزمات اضطر إلى بيع أشياء كثيرة، إلا هذا الدولاب – لا أحد يبيع نفسه .. قالها وتنهد وعاد إلى غفوته] ص 15(9) إن ما يختزنه هذا الدولاب الأثير من أسرار وذكريات سارة وكئيبة تربطه بمصير البطل، اضحى جزءا لا يتجزأ من حياته البائسة، وهذا المصير يذكرنا ببطل قصة المعطف للروائي العظيم نيكولاي غوغول
– قلم أحمر
بعكس سيزيف مع صخرته وعناده، واصراره لدحرجتها لقمة الجيل، فبطلنا [قدره أن يحمل الجبل بين أصابعه] ص 17(10)، كناية عن ما يكتسبه القلم من مسئولية جسيمة، وأمانة كالجبل سواء بسواء الجاثم على الروح، ولما تطرحه القصة من قضايا إشكالية، تواجه الانسان الايجابي والمثقف العضوي الذي يجابه العديد من الاكراهات، والاماني بتغيير الواقع، وإرضاء ضميره، وترسيم عالم مثالي، والحلم بمدن فاضلة، [فليس هناك أبشع من أن تدافع على فكرك، كما بكر تدافع على شرفها والناس ترجمها بعيونهم وترميها بالعهر] ص18 (11)، لتنتهي هذه الاماني بتخلي رفاق الأمس عن أحلامهم، والقمع او الانتهاء ببعضهم في السجن والاغتيال، أو بمارستان الأمراض العقلية، المصير الذي آل إليه العم إبراهيم في نهاية القصة.. لأن عبارة كل شيء هراء التي يتردد صداها في متن النص تلخص كل المأساة
– انسلاخات
من خلال كلمة العنوان “انسلاخات” التي تتردد أربع مرات، يجري نهر القصة راسما مساره على وثيرة القلق والضجر والانتظار. حيث تلج البطلة المصحة في انتظار الذي يأتي ولا يأتي.. حين [توقفت السيارة فجأة أمام الباب الزجاجي لتعلن انتهاء مسار سفر طويل .. مسارا من الألم وربما من العمر أيضا] ص21(12)، لتفقد كل بوصلة لها بالنجاة في سلخاتنا العربية الداخل اليها مفقود والخارج مولود، مرددة في دخيلتها بالنهاية، [وبعد خروجي من هنا ومهما كانت طريقة مغادرتي للمكان فإن كان خيرا فهو رحمة من ربي، وإن كان غير ذلك فهو خطأ طبي لا أكثر…] ص 24 (13)
– المصارحة
حوار ضمني بين الكاتب وبطله، وهي من نوع السرود التي تسعى لعقد ميثاق صلح بين السارد والمسرود، حيث ينحرك البطل ويشرئب برأسه من بين أكوام الورق على مكتب السارد، ويرمقه بفضول، وربما بجسارة، متحديا إياه في نوع من الثورة على المواقف التي يحشره فيها رغما عن ارادته.. فالبائس يتمرد ضد بؤسه، والعجوز تنتفض ضد الهيئة والصورة التي وضعها فيها، [رمقني بنظرة فاحصة كأنما يكتب صك تحرره مني ويلغي بالتالي قراري حتى لا أعلن انتصاري عليه يوما، قهقه عاليا لتتحول ضحكته إلى نار تلتهمني قبل أن تلتهمه والأوراق] ص28(14)
– هواجس
تتعالق هذه القصة مع قصص “المصارحة”، و”قلم أحمر”، و”خطوط عمودبة” وتستدعيها من حيث علاقتها مع معاناة الكاتب الصحفي، والمؤلف االمسرحي، والفنان الرسام، فالشخوص هما تثور أيضا، وتعلن تبرمها من مواقف الكاتب، فبطل المسرحية يحتج ويمزق الاوراق ويدوسها بقدمية متلفا اياها تحت فورة غضبه، [مزق الأوراق بعنف وغضب، ووقف يرنو إليها كأنما ينتظر أن تنبعث من جديد، توقف لبرهة ثم عاد يدهسها بقدميه، ويستهزئ بها وبالشخوص التي
احتوتها] ص29 (15)، ثم [استجمع قوته، وبعضا من غضبه، واستدار ليواجه الطيف الزائر، لم يجد إلا الدخان المنبعث من سيجارته المترامية والتي زادت التهابا بعد أن لامست الورق الممزق لتحرقه والباقي من الأمل.] ص32 (16)
– خطوط عمودية
تلتقي هذه القصة مع القصتين السابقتين “المصارحة، وهواجس” في نفس المحتوى الدرامي والمنحى المأساوي حيث يتصاعد الحكي ليناقش مشكلة الابداع، فالقصة الاولى تطرج قضية كاتب مع القلم، والثانية تعالج مشكلة مسرحي مع شخوصه الثائرة والمنتفضة، وهذه القصة تتمحور حول رسام مجنون يرسم لوحة من وحي خياله.. ليؤكد لنا بان الفنون جنون وحالات سيكوباثية، وأن اي شخص فيه نوازع فنية مطمورة، يفشل في اظهارها و تحقيقها، [لمحته من بعيد، كان
يحاول رسم شيء ما في الفضاء. اقتربت منه أكثر لم ينتبه لي ولا للمارة الذين عادة ما يمتلئ بهم الشارع في مثل هذا الوقت.كان غارقا في تحديد ملامح لوحة ما كان يراها سواه] ص33(17)، لتنغمس الساردة مع البطل المجنون ملتحمة معه في مصيره [تساءلت مع نفسي.. من المجنون فينا؟، أكملت سيري محاولة عدم زعزعة مرسمه؛ فربما قد يعود إليه يوما ما.] ص 34(18)
– تخيلات
في قصة “تخيلات” هناك نصيب وافر للخيال، تلاقي من خلاله بطلة القصة زائرا مفترضا، او طيفا هلاميا ممن يسكنون الأمكنة.. ويحمونها ويحتضنونها ويكلؤونها بعين العناية، هذا الطيف اللامرئي تتخيله بطلة القصة، ويحسبه القارئ أنه الإله “بوسيدون” إله البحر في تلك المدينة الشاطئية الهادئة، وتهب لملاقاته بشوق مكين، تمسك كفه، تحتضنها بين أناملها، تنتعش بدفئها، تسير معه حيث يهيم بين شرايين المدينة، مكتشفا جنباتها، [كانت المسافة بينها وبينه أكبر من أن يدركه االبصر، لكنها كانت تراه خيالا يتقدم نحوها. وقفت متجبرة القدمين وأنفاسها تكاد لا تحدث صوتها المعتاد حتى لا تستيقظ من حلمها، الذي صار أشبه بجرعة تلجأ إليها كلما اشتاقت لطيفه] ص35(19)، ليقف باندهاش ازاء ساعة المدينة الحائطية التي لم يعهد وجودها في سالف الأزمان، [توقف أمام مبنى الساعة العملاق الذي يتوسط المدينة ورفع رأسه قائلا
– كم يحس الإنسان بضآلته أمام معلمة تاريخية مثل هذه] ص36(20)
وفي غمرة فرحتها وسعادتها بساعة اللقاء، [ودون أن تشعر قبلت ظهر يده، أدرك ساعتها فقط أن هناك إحساس أسمى من أية علاقة حب.] ص 37(21)
– الوثيقة الوهمية
تتمحور هذه الأقصوصة حول الوهم الذي يحمل بصيصا من الامل للنفوس اليائسة.. ويمنحها قدرا من الدهشة والانتعاش، ولو الى حين، [جلسِ يقلب في أوراقه بحثا عن وثيقة ما، هو يعرف مسبقا أن لا وجود لها إلا في مخيلته لعله يوهم زوجته أنه على حق في دعواه] ص43(22)، في انتظار العثور على الضالة، والرخصة لفتح نافذة لتهوية البيت، وعودة الابن المهاجر، وتعقل الابن المجنون، وربح القضية ضد السي صالح، وهي أمنيات لن تتم، وأوهام من سراب لن تتحقق
– ضيفة العيد
ما أمر مذاق العيد حين تنغصه الاحزان، في هذه القصة التي تفيض عاطفة والما، وما أقسى أحزان الأم، وآلامها وهي تتكسر على شاطئ الضياع، والتيه، والخذلان، خذلان الابناء لابائهم، وعاطفة الام لا ضفاف لها ولا تخطئها العين، فبرغم غضبها وبكائها الا أن عاطفة الأمومة تخذلها، وتناديها، وتلح عليها، ثم تدفعها للعودة والصفح وتجرع مرارة القسوة والغبن
– رصاصة الرحمة
تلتقي هذه القصة مع نص “انسلاخات”، لتحكي عن المرض والالام الجانبية التي يتركها في النفس لدرجة يتمنى فيها المرء الموت ليرتاح ويستريح، [لا أدري لَم أحسست أن السماء قريبة اليوم، ربما لني ظُلمت كثيرا، وربما لأنه اقررت أن تنطبق علي هي الأخرى لتريحني من عذاباتي.] ص 53(23)، إنه القضة التي يتعلق بها كل ذي سقم والم رجيم، [من إحساسي بأنني أشبه بخيل الحكومة الذي تحتاج لرصاصة رحمة كمكافأة على نهاية الخدمة] ص 54(24)
عموما تنماز أحداث القصص بكثير من المواقف السلبية، والنهايات المغلقة التي تضع الشخوص في طريق مسدود، ومصائر معتمة، حيث نجدهم كلهم مصابين بخيبة الأمل، يجترون حالات من الخوف والإحباط الدائم، دون محاولة ايجاد حل مناسب وناجع لتغيير وضعهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وانتشالهم من دوامة البؤس والوهم، والعدمية، والضياع والمطبات ومظاهر القهروالبؤس، والانكسار، والاستلاب الذي يعيشون في مستنقعه، هكذا تناقش المجموعة
القصصية عيون القلب عدة ثيمات اجتماعية، ونلمس في قصص المجموعة وعلى طول مائة واثنين صفحة، وعرض سبع وعشرين قصة لا أثر للبطل الايجابي، كما تتعالق النصوص مع بعضها البعض في عرض مواضيع معينة، وتتفق في عكس هموم موحدة أهمها:
* مسألة الأمومة، والمرض، والمشاكل الصحية في قصص:
– انسلاخات ص 21 -رصاصة الرحمة ص 53 – غرفة الصمت ص 55 – طبل الحرية ص 63 – احساس الامومة ص 71
– غرفة الانتظار ص 99
– قصص تناقش المعاناة والمشاكل التي تجابه المبدعين: قلم أحمر ص 17
-المصارحة ص 25
– هواجس ص 29 – خطوط عمودية ص33
– موضوع فلسطين والعدوان الصهيوني والعمل الفدائي: عيون القلب ص39
– الفائز بالشهادة ص79 – فدائي ص 85 – الخذلان والخيبات: خطة التراجع عن قرار التراجع ص9
– الدولاب ص13 – الوثيقة الوهمية ص 43 – قضايا الطفولة: بلاغ عن طفلة ضائعة ص 65
– طفل صغير ص 69 – ولدي ص 81
– الخيال والتهيؤات والتخاطر: تخيلات ص 35 – أنا وشريكتي ص 87 – مملكة الاحلام ص 93
– الضجر والقلق واليأس: خريف الأخير ص 57 – الانصهار ص 59 – القرار الصعب 97
– العاطفة: ضبفة العيد ص 47 – العودة الى الماضي ص 77
وعطفا على عنوان المجموعة القصصية للقاصة ليلى مهيدرة فإن للقلب عيونا تبعا لكلمات الأغنية الرقيقة، بدل الأذن، والكبد، والعقل التي يضفيها البعض على هذا القلب ويحفل الشعر العربي بالعديد من النماذج التي تتغنى بالقلب وعلاقته الحسية بالأعضاء الأخرى، فالقلب يبكي حينما تتوجع الكبد، وهو يأسى أو يبتهج حينما تتأثر الاذن، وطيبة وصفاء القلب ومظاهر الخير والمحبة تتجلى في العيون، كما يتجلى آثار الغدر والحقد والحسد، والشر، فالشاعر إلياس أبو شبكة يقول في هذا المعنى:
[ما لي أَرى القَلبَ في عَينَيكِ يَلتَهِبُ = أَلَيسَ لِلنّارِ يا أُختَ الشَقا سَبَبُ
بَعضُ القُلوبِ ثِمارٌ ما يَزالُ بِها = عَرفُ الجنانِ وَلكِن بَعضُها حَطَب] (25)ُ
[إذا تَوَجّسَ كانَ القَلْبُ نَاظِرَهُ = والقلب ينظر ما لا ينظر البصر] (26)
لكن بعض الشعراء يرون أن للقلب علاقة بالأذن، فالشاعر بشار بن برد بربط
القلب بالأذن لأنه كفيف، ويقول في بعض أبيات له:
[قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم = الأذن كالعين توفي القلب ما كانا
ما كنت أول مشغوف بجارية = يلقى بلقيانها روحًا وريحانا
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة = والأذن تعشق قبل العين أحيان](27)ا
ثم يقول أيضا
[فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى = فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحب
فما تبصر العينان في موضع الهوى = ولا تسمع الأذنان إلا من القلب](28)
ذلك أننا لو اخذنا صورتي أذنين، وقابلناها فستعطيان صورة قلب، كما ان للقلب أذينين.
لسنا هنا بصدد المفاضلة بين العين والأذن بقدر ما نخوض في علاقة الحواس بالقلب، وما تثيره فيه من عواطف جياشة، وما تحركه فيه من أوجاع وجوى
هوامش:
1- عيون القلب – ليلى مهيدرة، 102ص، 2013، مطبعة سفي غراف – آسفي
جان ريكاردو -2
Jean Ricardou :(Naissance d’une fiction), in Nouveau Roman : hier,
aujourd’hui.2. Pratiques، Paris, V.G.E, 10-18, 1972
3- د. جميل حمداوي، صورة العنوان في الرواية العربية
https://www.arabicnadwah.com/articles/unwan
4- عيون القلب، مجموعة قصصية، ليلى مهيدرة، ص5، مطبعة سفي غراف – آسفي
5- نفس المصدر، ص9
6- نفس المصدر، ص 9
7- نفس المصدر، ص 13
8- نفس المصدر، ص 13
9- نفس المصدر ص 15
10- نفس المصدر ص 17
11- نفس المصدر، ص 18
12- نفس المصدر، ص 21
13- نفس المصدر، ص 24
14- نفس المصدر، ص 28
15- نفس المصدر، ص 29
16- نفس المصدر، ص 32
17- نفس المصدر، ص 33
18- نفس المصدر، ص34
19- نفس المصدر، 35
20- نفس المصدر، ص 36
21- نفس المصدر، ص 37
22- نفس المصدر، ص 43
23- نفس المصدر، ص 53
24- نفس المصدر، ص 54
25- إلياس أبو شبكة
26- الشريف الرضي
27 بشار بن برد
28- بشار ابن برد