أنا قادمةٌ…
لي اِفتحْ ذِراعيْكَ واِبتسِمْ…
أنا قادمةٌ على خُطَى ثِقتي بِكَ
علَى عَجَلٍ أنا قادمةٌ…
أوربّما آتِيك على مَهلٍ
لكً نَصيبٌ من مُفاجآتي…
حَلاوةُ الحُلم الجميلِ…
ومُرُّ مَا مَرّ بِعمرِي…
وأشْياءُ أخْرى خبَّأتُها للآتِي
معِي كلَّ أسرارِ هَواكَ اِقْتسِمْ
أيُّها الحُلمُ الجميلُ
زَيَّنتَ ضفائرَ أفراحِي بِأشْرِطةِ
الأمْنياتِ
فَلبِسْتُ فُسْتاني الطَّوٍيلَ
وعلَى جِيدِ اِنتظَارِي
وَضعْتُ أحْلَى مُجَوهرَاتي
كطائرِ الفينيقِ نَفضتُ رَمادي
يَعلو صوتْ لَهفتِي…
ومِن بَعيدٍ عليْكَ يُنادِي
لستُ مِمّنْ يُؤمِنُ بالعَدمِ
فقَلبي من طينٍ وماءٍ ونَغمِ
أسَامِرُ كلَّ مساءٍ عيونَ اللّيلِ
أمْسحُ كُحْلًها
أتوَعّدُ أحزانَها بالوَيلِ
علَى مَسْمعٍ من فجرِ البِداياتِ
أُؤدِّي القَسَمَ
أشْهدُ ألَّا أحزانَ تكسرُعُودِي
وألّا سَقم
أشهدُ أنِّي امرأةٌ ككلِّ أنثَى
ترعرعت في بطنٍ
خرجَت مِن رَحِمٍ
أقْسِمُ
أنّي امرأةٌ
أقلقُ جدًّا…
أحْزَنُ جِدٍّا…
أعْشقْ جِدّا…
ولا أعترفُ بالنَّدمِ
لكنّنِي لستُ كَغيرِي
فَبِي لمَّا أغْضبُ فورةُ الحِمَمِ
وفي النَّائباتِ تعْترِي كَرَامَتي
نخوةُ الأمَمِ
أنا مثْلُ الرِّيحِ…
أنا كَجبلٍ عال أشمَّ
أنا أوّلُ مَن تُقبّلُ خيوطَ الشّمسِ
لمَّا تُطِلُّ
وآخرُ مَن بتوديعِه تَهُمُّ
أنا سليلةُ الأنوارِ والعطورِ
وما في كونِ اللهِ من نِعَمِ
لي افتحْ ذراعَيْك…
بمَا مضَى…رَجاءً لا تهتَمّ
استهلت الشاعرة منيره الحاج يوسف قصيدتها بالتوكيد الشرطي الذاتي ، وباستخدام سيميائي ما بين بسط الذراعين والابتسامة ، ومنح الاستهلال لمسة رومانسية تزيد من ميل المتلقي للنص الشعري . توظف التكرار اللفظي للتوكيد على ثقتها بذاتها ،فضلا عن زيادة الحس الموسيقي للقصيدة . تغذي الشاعرة قصيدتها بالفاظ بلاغية تبث الحس الروحي للقصيدة من خلال تقابل اللفظتين -عجل ، مهل – وتمنح الذات الاخرى حق الاختيار لاحد الامر ، هذه المقابلة تشدد من قوة النص الشعري . اعرضت الشاعرة في نهاية كل نسق عن مساحة تركت للمتلقي ليملئها ، فضلا عن انها تمثل عالما للتأمل والخيال لمواصلة بناء النص الشعري . تستخدم الشاعرة طباقا لفظيا مابين – الحلاوة ، المر ، فهي ارادت ان تظهر ما هو خافي في مخيلتها من احاسيس ومشاعر تفاجىء بها الآخر ، وعلى مد من الماضي ، الحاضر والمستقبل ، ليبقى الآخر على تواصل وشوق لسماع ماهو ساكن في صورتها الذهنية . تعاود وتكرر لفظة – الحلم الجميل – لتؤكد وصفها وعمق العلاقة العشقية ، وتفاؤلها بهذا الجمال ، فما بين العلن والسر يتوطن حوارها ، في البوح والاخفاء ، وهذا ما يعمل على تفعيل الحس الداخلي في قراءة المكشوف من اسرارها . تعمل الشاعرة على حالات الجذب الخطابي للآخر ، وتظهر قدرتها على قراءة هواها بخطوات موثوقة ومرسومة. تستخدم الشاعرة الضفائر كدلالة رمزية تعبر عن تعشيق العاشقين . تتخذ من الشرائط دلالة رمزية تعبر عن جمالية العشق ، فضلا عن الدلالات السيميائية لكل لون من الاشرطة ؛ هنا تتزاوج اللغة التعبيرية واللغة السيميائية :الدال والمدلول، اللون والمفهوم الذهني. اتخذت من الفستان والمجوهرات دلالة جمالية تعكس حالة الفرح والطهر . شبهت نفسها كطائر (الفينيق) وهو طائر عجيب يجدد نفسه ذاتيا بشكل متكرر ، ويولد من رماد احتراق جسده ، ويحمل هذا الطير دلالة الخلود والسلام والمحبة ، وهو طائر اسطوري يحيي نفسه من رماده . تمكنت الشاعرة ان تزين قصيدتها بلمسات تاريخية اسطورية تحيي بها صورها الشعرية . تميل الشاعرة الى التحول والانبعاث، وهذا ما يضفي للنص ايقاعات معنوية تفيض وتغرق القارىء . ارادت الشاعرة ان تجعل من ذاتها سيرورة وصيرورة تحمل التحول الزمني والتغيير المادي . تستمر الشاعرة بالخطاب العاطفي صوب من تهواه ؛ فمن شهيقها وزفيرها يولد صوت لهفتها ، ومن منصة البعد تناديه ؛ وهذا ما يجسد ثنائية البعد والقرب والتي يولد منها دلالة جديد – الشوق – . ترفض الشاعرة العدم – نفي الشيء ،اللامكان واللازمان – اي انها جسدت ثنائية الوجود والعدم/ اللاوجود . تؤكد الشاعر وجودها وخلقها وتناغم الخلق الذي تعيشه وتشعر بوجود الآخر في حياتها. خلقت من طين وماء ومنهما انبجس الصلصال المصحوب بصوت نغم ؛ فهي سلسلسة من التغيرات الزمنية انتهت الى وجود المادة انها الصيرورة .تسهر الليل في مناجاة وحوارات غزلية تنال منها الخيال ، وتذوب في غفوة رومانسية لتعيش عالما آخر يشفع لها من عذابات اللامرئي السابت في صورتها الذهنية ؛ وتمسح رقادها . توعدت ما يحزن العيون بالويل ، وعلى مسمع من بدايات الفجر ؛ جاء هذا من خلال المعاناة ، القلق والسهر . منحت الشاعرة النص تحولا زمنيا من الليل الى الفجر ومنح صورة دلالية جديدة هي – الوجود – .تؤدي الشاعرة قسم الشهادة عند ترنيمة الفجر ؛ وتكرر اللفظتان – أشهد واقسم – لتعزز الثقة بنفسها في مواجهة الاحزان ورفض الاستسلام
للمرض ؛ تعيش الشاعرة حالة التحدي واثبات وجودها ، فهي تشعر وتعي مكانها في الحياة ،ترفض الذل والخنوع لما جرى عليها ويجري . تتخذ من – عودي- صورة مجازية لظهرها الذي لاينحني ولايركع لما يزاورها من ألم وحزن ، هنا تتواجد ثنائية الاخضر – حياتها – واليابس -الحزن ؛ انها المرأة المكابرة بشموخها وعزتها . تؤكد الشاعرة انوثتها ، وانها امرأة ولدت من رحم كتب (الله)لها الوجود من اصل ونسب ؛ يعطي ذلك تحولا زمنيا ومكانيا من الباطن الى الظاهر . تستمر الشاعرة بالتكرار اللفظي لتمنح نصها الشعري سلما موسيقيا يعزف عليه المتلقي ، ويتفاعل حسيا وذهنيا مع الحدث الشعري ، فضلا عن ايقاف التعاقب الصوري ، والسماح بولادة صورة جديدة . تعمل هذه التحولات الايقاعية والزمنية على تنظيم انسيابية حركة الصور الشعرية. اتخذت الشاعرة لبعض من جملها الشعرية تنظيما عموديا من التكرار والازدواج اللفظي المتسلسل ، من اجل تحقيق البناء الهندسي الجمالي للنسق الشعري للقصيدة . تحقق القصيدة من خلال التكرار للهمزة والتنوين ترنيما موسيقا ينبه القارىء وينشط ذاكرته .تعبر عن مشاعرها النفسية والحسية وفي فضاء ذهني مفتوح . تنتهي هذه العبارات بمساحات متروكة للمتلقي كي يملئها . اخذت الشاعرة مساحات مختلفة من الاضطرابات النفسية والحسية ، لكنها لاتندم على ما اصابها ،ولاتظهر للرائي انها امرأة اصابها الوهن ، انها تكابر . تتحول انفعالاتها من النفي – لا – الى نقض ذاتها – لكن – من غيرها وتعود للنفي -لست – هذه التحولات تخلق نوعا من الايقاع الموسيقي للجمل الشعرية ، وتحرك المتلقي وتدعوه للتفاعل مع النص . رسمت الشاعرة امتدادا من النفي تجذر في الماضي وامتد الى زمن حضور الخطاب ، هناك غضب يقابله هياج اشبه بانفجار الحمم ؛ انه التمرد الذاتي والانفعال الشعوري الذي يتزامن مع اللاشعور المكبوت في العقل الباطن . تعيش صراع مع صمتها الذي يقمع بوحها بالكلام الساخن ، وعند المصائب والشدائد تلم كرامتها نخوة الامم ، وهذا ما يعزز الادراك الشعوري والوجداني اتجاه الآخرين ؛ هذا الشعور يجسد حماستها ، غيرتها واندفاعها : انه الجمال البلاغي ما بين الفعل- المصائب – ورد الفعل -النخوة . يعبر تكرار الضمير المتكلم – أنا – بشكله المتسلسل عن انفعال عاطفي يكشف عن المكنون خلف الشعور ، ويزيد من الايقاع الموسيقي النص ، وجذب انتباه المتلقي . عملت الشاعرة على تنوع ادوات التشبيه بين – مثل ، الكاف – من اجل اثبات شخصيتها ؛ فضلا عن تفاعلها مع الكون الطبيعي مابين الريح والجبل والشمس : مابين النسيم والرحمة ، الشموخ والجمال رست معالم التعبير اللفظي في وصف ذاتها . تستخدم النظير اللفظي ما بين الاول والاخر لتؤكد ثقتها بذاتها والتركيز على فكرة النص التي تدور حول خطابها الشعري . تعاود تكرار الضميرالمخاطب – أنا – لتؤكد شخصيتها وتعبر عن ساكن صدرها ؛ فما بين النور والعطر ، ما بين الرؤية الساطعة وشهقة العطر -الحسي ، توطنت ذاتها. تستخدم الرؤية الروحية – النور – والرؤية الحسية – العطر : اي تزاوج البصر والحس . تختتم قصيدتها بصورة دينية تحفل بذكر نعم الكون ؛ اشارة الى ماورد من دلالات بصرية ،كونية واسطورية ، ثم تعمل انتقالة الى البداية كي تحافظ على وحدة القصيدة وبنائها البنيوي .