التراب
قيل لي انت حفنة من تراب فاقشعرت بكبرياء جراحي)
قلت لا لن اكون طينا من الطين انا من سلالة الارواح
وتشددت وافتديت خلودي وطماح المنى , باغلى الاضاحي
بدمي بالحبيس من من نازعاتي برؤى الليل وابتهاج الصباح.. وتغنيت للوجود بشعر اتحدى به الزمان الماحي
وادعيت السمو حقا لقد حلقت لكن من التراب جناحي)
< مجلة الاديب اللبنانية ــ6|ا|1949
هو بن السابعة عشر ينشر في مجلة لافتة (شجعني المدرس حينما قرا قصيدتي وقال بامكانك نشرها في مجلة الاديب فنحن نقرا فيها شعرا اقل جودة م) …هنا تتذكر ابو ماضي (نسي الطين انه طين حقير فصال تيها وعربد).. من يتابع قصائده المبكرة التي نشرت في مجلة الاديب وتابع حركة تطوره الشعري سيرى بان البريكان مبكرا خط نهجا بالكتابة الشعرية واقام اساسا سيتطور وفق تلك الخارطة الاولى سينضج لكنه ينتمي لجذوره (منذ البداية رسمت لي مسارا وبقيت وفيا له للاخير م )..فالخلود والموت والمصائر همه الاول .. محاولا بالشعر ان يتحدى الزوال …ورغم انه بعد 11 عاما ينشر (انا تخليت امام الضباع والوحش عن سهمي .. لا مجد للمجد فخذ يا ضياع .. حقيقتي واسمي)… الا انه سيعود بعد ثلاثين سنة ليؤكد < طوبى لك ان كنت بسيط القلب فستفهم مجد الارض
سحر الاشياء المالوفة
ايقاع الدأب اليومي
وجمال اواصر لا تبقى
وسعادة ما هو زائل <احتفاء بالاشياء الزائلة البصرة ـ اذار 1993>
(في الستينيات كرهت الحياة وفي السبعينيات عدت لاحبها بقوة م) ..(انا لا استطيع ان اضمن طقسي النفسي : في لحظة قد تراني حازما اوراقي ومغروزا في جلسة او مهرجان م ) .تلتقط في قصائده المبكرة التي نشرت في الاديب او لاحقا ذلك القاموس الثري المتفرد والايقاع المتموج الحركي لا باعتباره قوالب جاهزة اعيد تصنيعها بل مويجات عميقة التاثير تجري حسب مزاج الرياح النفسية وضرورتها.. كانت قصائد البريكان موضع تندر لانه يكتب كل يوم قصيدة <مذكرات عبد الرزاق عبد الواحد>). ( كنت اكتب كل يوم قصيدة و لعل ذلك دليل طاقة م )
مصرع خيال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( مصرع اله )
يا جنون الرياح يا ظلمة الفجر ويا وحشة التخوم المرايا
ما لهذا الوجود ينهد بالنوم وينهار في مطاوي رؤايا ؟
ما له كالذبيح يخنقه الرعب وفي صدره المدمى بقايا
محجري ملؤه الدخان وكفي تترامى على لظى وشظايا كانفجار الطوفان يندفق الليل ومثل الهباء يفني البرايا
كل شيء يغيم والدهر ينماع وفي الارض ثورة وشكايا
ويتحول في المقطع التالي من ايقاع الخفيف الى المتقارب ليعود:
عاد ملء الفراغ ينبض جوع في ضميري وحلم دنيا قتيلة
وتوابيت ذكريات تهاوت خلف ظلي على الدروب الطويلة واغان مكفنات بصمت ابدي علي ارخى سدوله
انا عبد الخلود كنت بحلم اتلهى وارتجي مستحيلة
مزقت قبضة الفضاء حجابي وارتني السراب بعد الخميلة وتناهت الي اسطورة الدن وما فيه من افاع جميلة
وغرفت السموم ملء عروقي قبل غيبوبة الغروب الثقيلة وتلاشى بي السكون واخفى عني القيد همسه وصليله
وتعثرت في التراب بباب لكاني كنت اشتهيت دخوله
فتوقفت لحظة اتملى عالما اطفا الوداع طلوله
وتمني في انتحاب على الاقدار لو ابدت علي الطفولة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في الاديب البيروتية كانون الاول 1948 لقد تعمدوا في التحرير تغيير العنوان وهو ما اصاب البريكان بالهلع فكان عاملا مبكرا للاغراق في قاع العزلة الادبية والعزوف عن النشر والتواري عن الظهور في المناسبات والمهرجانات <طلبت من صديق ان يحذف اسمي من قائمة المدعوين لمهرجان المربد فليس لائقا ان يرد اسمي وانا لا احضر … وفي يوم ما وفيما كان المربديون ينشدون كنت بنزهة مع صديق او قريب في ابي الخصيب فراينا فلاحا فقال لنا : انا شاعر وساقرا لكم <هنا ستر البريكان فمه بيديه كعادته لحظة يبتسم ..> وقال لي : تصور هربنا ولم ننج)..
الوجود ينهد وينهار والليل يتدفق كانفجار بركان و يفنى البرايا مثل هباء ـ غبار ، تراب تطيِّره الرِّيحُ ويلزق بالأشياء ، أو ينبثُّ في الهواء فلا يبدو إلاّ في ضوء الشَّمس ــ <فنَى في يَفنَى ، فَناءً ، فهو فانٍ ، والمفعول مَفْنيّ فيه
فنَى النَّاسُ في الحرب : هلكوا ، بادوا ، انتهى وجودُهم>… وهنالك الدهر (ينماع ).. < انْمَاعَ السَّمْنُ ونحوُه : ذاب . المعجم: المعجم الوسيط) )
انت امام شاعر في السادسة او السابعة عشرة يملك مثل هذا المعجم الزاخر والدقيق والمسخر بدقة ليستوعب الافكار الكونية .. انه بدا من هنا ينسج قاموسه وموقعه الذي سيطوره اسلوبا وايقاعا ولغة .. وتبدو الاشياء في طقس جنائزي:توابيت ذكريات واغان مكفنة بصمت ابدي وهو عبد الخلود لكن قبضة الفضاء كشفت السراب ومن هنا تتسرب الاسطورة في شعره < اسطورة الدن .. > التي ستتطور الى (اسطورة السائر في نومه وغيرها من الاساطير )انه يقف الان ليتملى عالما اطفا الوداع طلوله .. حتى تمنى ان تكون الطفولة مؤبدة وان لا يعي الواقع بكل ذلك الوضوح .. واخيرا حتى الحب الذي (فنت فيه ذاتي وذاب الوجود.. ..تهاوت هياكله في الظلام وغابت كوهم )
ادونيس
علي أحمد سعيد المعروف باسمه المستعار أدونيس شاعر سوري ولد عام 1930 في قرية قصابين التابعة لمدينة جبلة في سوريا. تبنّى اسم أدونيس (تيمناً بأسطورة أدونيس الفينيقية) .. اثار ضجة في الوسط الادبي بعد نشره ديوان : <أغاني مهيار الدمشقي وكتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل>، ولفت الانتباه واثار جدلا بكتابيه :مقدمة للشعر العربي و الثابت والمتحول، بحث في الإبداع والإتباع عند العرب، غادر سوريا إلى لبنان عام 1956, حيث التقى بالشاعر يوسف الخال, وأصدرا معاً مجلة شعر في مطلع عام 1957. ثم أصدر أدونيس مجلة مواقف بين عامي 1969 و1994.في تسعينيات القرن الماضي بلغ الاهتمام بادونيس اوجه…كنت والبريكان نقضي اياما ولياليا حتى الفجر احيانا…. نتحاور بالثقافة والادب’كان قد نزل وقتها من غرفته في العلية ..بسبب حكم الجسد والعمر (لاكون قريبا واسمع من يطرق م )..كان يستقر على سريره واستريح انا على الارض قبالته ..كان لسانه حين يتدفق لا يعينه فيستعين باليدين ..فترى في حركتهما مشهدا يشد انتباهك..و قد تضيع منك بعض افكاره ان ركزت فيهما ..كيف تمكن انسان في غاية الحساسية للاشياء ان يقاوم للسبعين (ان الشاعر والفنان تصاحب موهبته ارادة صراعية …م).. في تلك الليالي .. في اخر خمس سنوات , مرارا ,تصدر جلساتنا ادونيس..مع رنة ملعقة..واهتمام بالاشياء الصغيرة .. لقد كان مصطلح (الظاهرة الادونيسية )قد ترسخ .ورد في < دفتري > الذي كنت اسجل فيه بعد المغادرة صورة مكبوسة لحواراتنا (ولماذا هذا التحامل على <مدن الغزالي> ادونيس يشتغل بذكاء ..نتكلم نحن عنه كثيرا لانهم يطلقون عليه الان (الظاهرة الادونيسية )وقد سعى باجتهاد لنيل جائزة نوبل التي لن تمنح له .. فعلا نجيب محفوظ يستحقها .. ان اهتمام الاوربيين بالاصالة العربية والتصوف منها , هو ما دفع ادونيس لمثل هذه الكتابة : محمود البريكان )..كان على الشاعر سامي مهدي في كتابه( حداثة النمط الموجة الصاخبة – شعر الستينيات في العراق) ان يكمل هذه الدراسة ويتناول العلاقة بين ادونيس والشعر الفرنسي لانه يعرف اللغة الفرنسية وترجم عنها.. ادونيس بحاجة الى دارس متمرس في النقد والشعر متمكن من الفرنسية وغير متحيز .. (سامي مهدي تجنب ان يحلل قصائدهما ..انه وضع اصبعه على نقاط حساسة في مجلة شعر م ) علينا ان ندرك ماذا انجز الادباء والشعراء الشباب في فرنسا في تلك الحقبة .. نحن هنا , في الوطن العربي نبدا بنقد وتحليل والاستفادة من الظاهرة الادبية بعدما تكون قد غادرت محطاتهم او ذوت ..فيما نكون بامس الحاجة الى استيعاب ظواهر واتجاهات جديدة : دائما نتاخر .ادونيس شاعر صياغات , مهتم بكل ما له اصل فارسي … لماذا ؟ ..ان افضل ما في ديوانه <كتاب التحولات >اللون الصوفي .. وهذا من النفرى ..لدي رسائل خطية من ادونيس لم ارد عليها.. وما كنت متحمسا لاقتناء احد دواوينه.. م )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
<الروح الحية > و< الموجة الصاخبة)
(..الكتاب الاول رد على الكتاب الثاني رد على سامي مهدي الذي كتب بشكل جيد في <افق الحداثة وحداثة النمط .. لم يكن فاضل العزاوي يكتب مثل هذا الكتاب الا رغبة منه بتاكيد زعامته الشعرية.. يغيضني ما في الكتاب من افكار سياسية توحي بان صاحبها قد وعى مثل هذه المفاهيبم في تلك المرحلة المبكرة من عمره : الحقيقة ان عددا من تلك الافكار تم تحليلها لاحقا ونشرت في الخارج ومن المؤسف ان يقودنا <البيان الشعري > الى ـ قصائد آلية ـــ الا ان سامي مهدي اراد ان يثبت زعامته ايضا .. فلم يتجرد من التحيزفي كتابه <الموجة الصاخبة>وصراعهما , سامي والعزاوي, اديولوجي وادبي .. لقد ذكرني العزاوي في كتابه هذا فقال (شاعر واعد من البصرة م) ..ان قصائد العزاوي متاثرة بالشاعر الامريكي <> وموجة الشباب الاحتجاجية في فرنسا . كانوا يريدون ان يقولوا : لا رواد ونحن البدائل .. ومنا ينطلق التجديد …سامي مهدي ودود معي ومهتم ..مرة اراد احدهم ان يؤكد بان قصيدة ارتسامات خاصة المقطع <المطعم الصاخب >قد سرقتها من قصيدة بلجيكية وعندما قرا النص سامي اجابه ــ نحن نحترم البريكان وهذا الاتهام باطل ـ ورفض نشرها … ومرة اراد ان يصورني تلفزيونيا للحفظ ..فلم يمتعض من اعتذاري و في مرة قال لي : نحن مستعدون في الوزارة ان نطبع ديوانك متى تشاء … م)
تجارب شعرية
من دفتري <سجل ما في هذه الورقة 22ـ12 ـ1991 .. >
ــ البريكان يتحدث لي ــ
((سر الحياة والكون والتاريخ والمجهول مفاهيم تحيرني .. ربما هذا ما دفعني الى دراسة الفلسفة ..انا اول من كتبت القصيدة الطويلة والمكثفة تتناول الهموم الوجودية , فيما كان الشعر غارقا في الذاتية في الاعم والرومانسية وهذه ليست قضية مفتعلة مني بل احساس كياني عميق اعيشه يوميا وهو جزء من تركيبي وتجربتي , مبكرا كتبت قصيدة النثرونوعا من الكتابة الصوفية الا ان لها جذرا حياتيا.. وكتبت القصيدة ذات المنحنى التي تنتهي حيث بدات , وكتبت في بحور توحي بالانكسارات النفسية .. ومبكرا وجد في شعري المطر والقبور والصخور وتناولت الهموم الحياتية فكتبت عن اللقيط والهائمات التي سبقت بها سواي (معاناة المومس ) وتكرار البيت في نهاية القصيدة وقد سبقت غيري بكتابة الاساطير التي استفاد منها السياب لقد استخدمت بعض الاساطير اليونانية عرضا وشيئا من الاساطير الدينية عرضا , والسندباد وايوب لكني لم استخدمها الا بشكل خاطف بما يخدم غرضي .
في الاربعينيات لي ديوان شعر نثري للان احتفظ به .ان بلند الحيدري سبق البياتي بالشعر الحديث ………. لقد ضرب السياب الطاولة بقبضته عندما قرات له قصيدتي <المسوخ > وقال (ما اغباني لقد حدث حريق رايته .. كيف لم اكتب عنه ).. م).