عباس ولد شقي وذكي، يطير من المقلاة، لكن الله لم يفتح عليه في الدراسة. فقد حرمه الفقر، وجهل والديه من تعلم مبادئ القراءة والكتابة في التعليم الأولي. المرأة التي عملت في روض التعاون الوطني الذي درس به غير مؤهلة، ولا تتوفر على تكوين، وتتقاضى أجرا هزيلا. في الصباح تأتي بعض النساء إلى النادي مصحوبات بالشاي والمسمن، ويجلسن يتبادلن الحديث مع (المعلمة) حتى يحين وقت إطلاق سراح الأطفال. وقد يحدث نفس الشيء في المساء.
عندما سجله والده بمدرسة للتعليم العمومي، وجد صعوبة كبيرة في مسايرة أقرانه الذين درسوا في رياض أطفال متوسطة المستوى بمقابل يفوق مائة درهم في الشهر.
رغم ضعف مستواه الدراسي، فقد سمحت له المدرسة بالانتقال من مستوى إلى آخر حتى وصل إلى القسم السادس. وعليه أن يجتاز امتحان في نهاية السنة إذا أراد الانتقال إلى التعليم الثانوي الإعدادي.
في المساء اشترت أمه الغالية قليلا من الزبيب، ووضعته في محبرة غسلتها من المداد، ورافقته لزيارة ضريح سيدي بن العريف قصد التبرك، ومساعدة الطفل على اجتياز الامتحان بدون خوف. تصدقت بدرهم، وقرأت الفاتحة كيفما اتفق، وطلبت منه قول باسم الله، ثم ناولته بالريشة ثلاث حبات، واحتفظت بالباقي حتى الصباح. فقد سمعت الكبار وهي طفلة ، يقولون بأن تناول الزبيب في الضريح والبقية في فترة الصباح، يفتح عقول الأطفال، ويساعدهم على الفهم، ويُذهب عنهم الخوف.
أيقظته يوم الامتحان باكرا. وفي انتظار أن تهيئ له الفطور، فكر في أن يتوضأ، ويصلي ركعتين، غير أنه اكتفى بطلب العون من الله في أن يمر الامتحان بسلام. بعد تناوله وجبة الإفطار، قدمت له المحبرة مليئة بحبات الزبيب، وحرصت على أن يتناولها بالريشة. خرجت معه، وهي توصيه بأن يتسلح بالجد والرزانة مثل الرجال. ولما وصلا باب المدرسة قبلت جبينه، ودعت معه، وتركته لمصيره.
بعد رنين الجرس دخل الأطفال إلى الأقسام. جلس في المكان المخصص له. وضع الملف والأقلام فوق الطاولة، وتبادل الحديث مع طفل يجلس على يمينه في الطاولة المجاورة. واستمع كغيره إلى الإرشادات والنصائح التي قدمها المعلم الذي سيحرسهم أثناء فترة اجتياز الامتحان. كل ذلك لم يبدد ما شعر به من خوف وارتباك. فجأة رن الجرس من جديد، ودخل معلم آخر إلى القاعة، وطلب من زميله أن يساعده في توزيع الأوراق على التلاميذ. وهو ينتظر ورقة الامتحان تسارعت دقات قلبه، وازداد عليه الضغط النفسي، ولم ينعم بالهدوء حتى مر حوالي ربع ساعة. قرأ الموضوع والأسئلة، وبدأ يجيب عما يعرفه ولا يعرفه، حتى وصل إلى المحور الأخير، وهو مكون التعبير والإنشاء.
طُلب منهم في الموضوع وصف ما شاهدوه أثناء قيامهم بنزهة في الغابة. أحس بأنه وقع في فخ، وعليه أن يخرج منه. فهو لم يسبق لوالده أن أخذ أسرته الصغيرة للتنزه في الغابة، بل لم يسبق له أن رأى غابة سوى في الرسوم المتحركة، أو ما سمعه عنها من جدته في حكاية هينة والغول. وهو يفكر بدأ الوقت يداهمه. فكتب على أنه أخذ قفة جمع فيها كل ما سيحتاجه من فراش وطعام لقضاء نزهة بغابة مجاورة. ثم توقف عن الكتابة. لم يعد يدري ماذا سيفعل بعد ذلك. فلو طلب من والديه أن يخرجا معه لرفضا. فكر في أن يضع فراشه تحت ظل شجرة كبيرة فخشي أن يسقط ثعبان ضخم على رأسه. حك ذقنه، ووضع يده على خده. بدأ الوقت يداهمه. اهتدى أخيرا إلى حيلة يُنهي بها الامتحان في الوقت المناسب، فأضاف إلى الجملة السابقة، بأنه اعترض سبيله أسد فأكله، ثم وضع نقطة، وتنفس الصعداء، وأنهى الموضوع.
بعد حوالي أسبوع جلس المعلم الذي صحح ورقة الامتحان مع أصدقائه في المقهى، وروى لهم عن الولد الذي ختم موضوع التعبير في السطر الثاني بعد أن ادعى بأنه أكله الأسد.
تعالت ضحكاتهم حتى التفت من يجلس بجوارهم في المقهى، فسأل أحدهم:
ـ ماذا فعلت معه.
أجابه بانتشاء بعد أن تناول جرعة من فنجان القهوة، ونفث دخان السيجارة إلى أعلى:
ـ فطنت إلى الخدعة التي نصبها لي الولد الشقي، فدونت له ملاحظة مفادها أنه يجب عليه أن يُتمم الموضوع، ولو من بطن الأسد، إذا أراد أن يحصل على نقطة!
مراكش 16 يونيو 2020