•توطـئة:
لكلّ روائي أسلوبه وتقنياته وغاياته من كتابة الرواية. فهناك من يعتمد على الخط المباشر في الحكي مرتكزا على الصوت الواحد، صوت السارد العليم المتحكّم في خيوط السرد، بغية فرض الحقيقة الواحدة ورؤيته السردية على المتلقّي دون مواربة أو التفاف، وهناك مَنْ يَعمد إلى تقنية تعدد الأصوات السردية (POLYPHONIE) لغاية عرض مختلف التصوّرات عبر تكثير الأصوات وتعداد الرؤى والأساليب. فمن خلال تفاعل الشخصيات تُطرح الأفكار والمواقف المتناقضة من منظورات وأساليب متعددة ومختلفة، تصب في النهاية في مصب الحقيقة الواحدة، يستخلصها القارئ بكل هدوء ويعتقد فيها إلى حد اليقين، وقد تُترك خاتمتها مفتوحة على كل الاحتمالات والتأويلات من أجل كسر حاجز التوقّع ولإثارة الدهشة وتوسيع دائرة التخيّل لدى القارئ الذي يسطّر في النهاية نهايتها.
تعد رواية خديجة التومي “آخر الموريسيكيات”، الصادرة بمصر عن دار البشير للثقافة و العلوم سنة 2018، واحدة من هذه الروايات البوليفونية المرتكزة أساسا على التفاعل الجميل بين المرجعي والجمالي، حيث وظّفت الكاتبة السياسي والتاريخي كخميرة في عجينة الأحداث المتخيّلة وبأسلوب راق جذّاب. كما أنّها قد أحكمت قبضتها على نصّها فعددت فيه الآراء والمواقف الفكرية من منظورات سردية مختلفة ونوّعت فيه الصيغ وأساليب الحكي وكثّفت من استعمال العتبات، كلّ ذلك بهدف خلط وجهات نظر محمولة عندها سابقا قبل الثورة وإعادة إنتاج عصارة حقائق جديدة ورؤية إيديولوجية مغايرة تحوّلت إليها الكاتبة على هدي تجربتها الجديدة المكتسبة بعد الثورة إثر انخراطها ومشاركتها في إدارة الشأن العام، تخلص إليها بمهارة قائد أوركسترا الأصوات المتعدّدة، رغم قلّة الشخصيات المتحاورة في النصّ.
ومن هذا المنطلق، سنسعى إلى اكتشاف جملة الأفكار والمبادئ التي قامت الكاتبة بمراجعتها في نسيج نصّها الروائي الموسوم بـ” آخر الموريسيكيات” عبر توظيف تقنية تعدّد الأصوات.
•مقوّمات الرواية البوليفونية وخصائصها الفنّية:
ارتبط مصطلح “تعدد الأصوات” أو “البوليفينية” في ميدان الأدب باسم الناقد الروسي ميخائيل باختين (1895-1975)، قدّمه لأوّل مرّة عند تفكيكه لطريقة بناء روايات دوستويفسكي وذلك في كتابه “قضايا الأعمال الإبداعيّة لدوستويفسكي” الصادر سنة 1929 والذي تمّ تنقيحه وأعيد نشره سنة 1963 تحت عنوان “مشكلات في شعرية دوستويفسكي”( )
يعتبر باختين في مقدّمة كتابه ذاك أنّ دوستويفسكي (1821-1881) من أعظم المبتكرين في مجال الشكل الفني، لقد ابتكر، نوعًا جديدًا تمامًا من البناء الفني، أُطلق عليه اسم تعدد الأصوات.
ويعرف الدارسون الرواية المتعددة الأصوات بأنّها رواية حوارية تتسم بالتعدّد في الرؤى الإيديولوجية ووجهات النظر، واللغات والأساليب، والأجناس الأدبية والمنظورات السرديّة، وفي الشخصيات المتحاورة فيما بينها وفق انتمائها الاجتماعي وتكوينها الثقافي مع إلزامية حياد الكاتب وعدم انحيازه لأيّ شخصية، أي أن يرتكز خطابها بالأساس على مبدأ الحواريّة (Dialogisme)( ) كشكل من أشكال العلاقة بين الأنا والآخر المختلف عن مفهوم الحوار (Dialogue) الذي هو، في تصوّر إيرينا تيلكوفسكي، شكل من أشكال التفاعل اللفظي بين الأفراد (بمعنى تبادل الكلام)( )، ذكرت هذا في بحثها حول مفهوم ميخائيل باختين للحوار ومصادره الاجتماعية (من خلال دراسة كتابه “قضايا الأعمال الإبداعية لدوستوفيسكي” (1929)). وأشارت إلى أنّ باختين قد توصل إلى استنتاج مفاده أن السمة المميزة لأعمال دوستويفسكي هي طابعها الحواري، ليس كوسيلة، ولكن كغاية في حد ذاته، فلا نجد مؤلفًا أو راويًا يصف الشخصيات ويعرضها ويميزها، لكننا نجد حوارات الأبطال الذين يتم بناءهم عبر كلمات تخاطبهم.
وهكذا فإنّ البوليفونية تجسد العلاقة الضمنية بين الكاتب وشخوصه والأصوات المجهولة التي تعمل على التصريح بأشياء على لسان المؤلف دون الإعلان عن نفسها.
ومن هذا النهج الأدبي سنبحث عن صوت خديجة التومي غير المعلن والمدمج في أصوات أبطالها المدافعين عن وجهات آرائهم ومعتقداتهم في محكي الرواية.
وهنا، يمكن للمرء أن يسأل مشتبكا: بما أن الحديث عن صوت الكاتب يعني ضمنيا الإشارة إلى عدم الحياديّة، فعلام ندرج هذه الرواية ضمن حقل السرد البوليفوني وقد أسقطنا عنها سمتين من سماتها وهي تعدد الشخصيات وإلزاميّة حيادية المؤلّف؟
في تقديري، الإجابة عن هكذا سؤال يتطلّب منّا حفرا عميقا في المرجع التاريخي لهذا المصطلح المتشابك مع البعد الإيديولوجي لواضعه. وهذا الأمر يحتاج إلى بحوث ودراسات معمّقة وإلى مراجع موصولة بهذه الإشكالية وهو موضوع لا يمكن مناقشته باستفاضة في هذه الورقات القليلة المعدّة خصّيصا للحديث عن إصدار تونسي في عالم الرواية، إلاّ أنّني سوف أكتفي هنا بالإشارة إلى الرؤية السلطوية لباختين في صياغة نظرية الهيكل المتطوّر للأعمال دوستويفسكي الأدبية الموسوم بالبناء الفني الحديث، فهو في الغالب أسير للنزعة الماركسية، يتعقب النص بخلفية إيديولوجيّة، وبدايته كانت مع سردية نشأة هذا الجنس الأدبي الذي يعود به صاحبه إلى عالم الكوميديا وارتباطها العميق بالفلكلور، فقط من أجل القول إن نشأة الرواية نشأة شعبيّة، تفنيدا لمزاعم القائلين ببورجوازية أصولها الملحمية، وبطبيعة الحال، أحسن تعبير على الشعبيّة في بناء الرواية هي كثرة الشخصيات والفوضى. تقول زهرا بهشتي، طالبة دکتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة سمنان بإيران، في بحثها الموسوم بتجليات السرد البوليفوني في رواية “اعترافات كاتم الصوت” لمؤنس الرزاز باعتباره مظهرا من مظاهر ما بعد الحداثة: “ووفقا لأصحاب هذه المدرسة (أي السرد البوليفوني) لا يمثل العالم نظاما واحداً، بل ليست القاعدة إلا عدم النظام. وهكذا وصلت الفلسفة الأوربية في مرحلة ما بعد الحداثة إلی ضياع ودخلت في اللاهدفية أو ما يمكننا تسميته بالتيه؛ أو اللاثبات”( )
من الممكن أن يكون هذا المعمار خاصّ ببناء دوستويفسكي الأدبي رغم اعوجاجه، فوفقا لمعاصريه يعتبر شكسبير وبلزاك من أسلاف دوستويفسكي في مجال تعدد الأصوات. أمّا متلقّفو هذه التقنية الجديدة من النقّاد العرب فهم يقفون إلى جانب باختين في كون تعدد الأصوات عند بلزاك تنحصر فقط في عناصر محددّة.
ومن المفارقة العجيبة أن تكون أولى أعمال المهندس العسكري المدافع عن المحرومين ترجمة لإحدى روايات بلزاك، وأن تكون رواياته العاكسة لتجربته وأفكاره الطوباوية الاشتراكية ذات النزعة الدينية والحاملة لتجربة سجنه بمعسكر الاعتقال بسيبيريا لأربع سنوات كاملة، مزعجة ومدانة، فبالنسبة لدوستويفسكي تعدّ الاشتراكية تجسيدا للكاثوليكيّة الرومانيّة المعادية للمسيحيّة وحليفها الطبيعي، وبالنسبة لقادة الثورة البلشفية فهي أعمال مزعجة لأنها قمامة ومحض هراء وهم لا يملكون الوقت لإضاعته في قراءة الغباء، ومدانة لميول الرجعية المتعلّقة بها، على حدّ تعبير فلاديمير إيليتش (لينين)( ).
في مقدمة كتابها “دوستويفسكي، موسكو، الحارس الشاب”( ) (طبعة 2013)، أوردت ليودميلا ساراسكينا تصريحا علنيا لغوركي أشار فيه، في ذروة الثورة الروسية الأولى، إلى العدوّين الرئيسيين لروسيا: تولستوي ودوستويفسكي، يقول: “لا أعرف من أعداء الحياة أكثر شرّا منهما، إنهما يريدان مصالحة الجاني والضحيّة ويريدان تبرير قربهما من المعذِّبين وعدم مبالاتهما بمعاناة العالم… هذا عمل إجرامي”( ). وتواصلت تحفظاته وتعقبه إلى سنة 1934، كان يصفه في خطاباته بالعبقري الشرير. كما أعلن الناقد الأدبي البروليتاري شكلوفسكي ذات مرّة، سنوات بعد نشر باختين دراسته حول أعمال دوستويفسكي، أنّه “لا يمكن فهم دوستويفسكي خارج الثورة ولا يمكن فهمه بخلاف أنه خائن”( ). وكتبت لوناشارسكي: “لا يمكننا التعلم من دوستويفسكي، لا يمكن للمرء أن يتعاطف مع تجاربه، ولا يستطيع المرء أن يقلد طريقته… بالنسبة لشخص جديد ولد من الثورة ويساهم في انتصارها، ربما يكون من غير اللائق عدم معرفة عملاق مثل دوستويفسكي، لكن سيكون من المحرج تمامًا، إذا جاز التعبير، الوقوع تحت تأثيره”( ).
في الحقبة السوفييتية، لم تستطع قسوة لينين، وتعنت غوركي، وجوقة “الإنسانيين البروليتاريين” المنسقة بشكل جيد، على حد تعبير ساراسكينا، أن تعدم وجود البرجوازي الصغير في الأدب. تقول ساراسكينا: ” كان من المستحيل تجاهل حقيقة وجود دوستويفسكي في الأدب: فقد اعتبره الأكاديميون أعظم فنان عالمي في القرن التاسع عشر، لكن من أجل دراسته ومعرفته، كان النقد الماركسي يعتقد أنه يجب أن يتم فقط تحت شعار الغلبة باعتباره العدو الأيديولوجي الأقوى الذي خدمت أفكاره الثورة المضادة”( )، ثمّ تضيف في مكان آخر أنّه من المدهش أن يقاتل نقاد التشكيل الجديد العملاق العالمي، واتهامه بعدم فهم الجدلية التاريخية. وفقًا لمنطق البروليتاريا المنتصرة، عانى دوستويفسكي المسيحي هزيمة هائلة، لأنه توقع الثورة وتوقع حتميتها، وقام بتشويهها ومحاربتها عبثًا لفترة طويلة.
كانت ساراسكينا تقف في ركن زمني معقّم قد خفّت فيه جائحة الموجات الثوريّة، ولهذا فقد كانت تنطق بيقين وموضوعيّة بأن الناقد الماركسي، بريفرزيفPereverzev ، قبل وقت طويل من اعتقاله لأول مرة في عام 1938، تمكن من غرس فكرة فائدة دوستويفسكي الخاصة لقضية الثورة. لا يمكن استبعاد أفكار دوستويفسكي بالسخرية والاستهزاء، ولكن يمكن للمرء أن يحاول استغلال عبقريته، وتوظيفها في خدمة الثقافة الجديدة. أتاحت هذه الفكرة المغرية الفرصة لدراسة تراث دوستويفسكي الإبداعي، واستمرت فرصة تكييف الكلاسيكية الخطيرة للثقافة الاشتراكية حتى التسعينيات وأصبحت الأساس الأيديولوجي للأعمال الأكاديمية الكاملة، وتساءلت هل كان الكائن الخارجي للكاتب مفصولًا بجدار لا يمكن اختراقه عن واقع الرواية، وهو الكائن الذي سادت فيه “الواقعية بالمعنى الأسمى”؟ أم أن الحدود بينهما مهتزة، ومتلألئة، ومتحركة، ومتغيرة بمهارة؟
فهل هو العقل العلمي الخالص مَنْ دفع باختين لأن يرى حياد مؤلف كتاب “الإخوة كارامازوف” في خطابه الإبداعي وخفوت صوته وتحجيم دوره لتحلّ محلّه الشخصيات؟ أم أن نقل صوت الكاتب إلى الشخصية الأدبيّة هي نار التطهير لتلميع صورة دوستويفسكي المتفحّمة لعقود عديدة في أعين قادة الثورة البلشفية؟
من الواضح جدا أن باختين، في أواخر الثلاثينيات، كان يأمل في إعادة إنشاء صورة الكاتب العظيم من أجل تغيير موقف الماركسيين من الرجعية الصريحة. عندما تعجز الثورات عن إنتاج رموزها الثقافيّة تلجأ إلى تنظيف رموز الدولة العميقة ورسكلتها، فبعد عقد من حدوث الثورة البلشفية، وبعد مدّ وانحسار للثورة المضادة وقواها المعادية، تغيّرت أمزجة الجماهير وانقلبت المفاهيم.
لهذه الأسباب مجمّعة، وفي هذا الإطار المحدّد يمكن لتقنية تعدد الأصوات أن تشمل العمل الروائي لخديجة التومي الخالي من الحيادية وكثرة الشخصيات والمتضمّن لأهمّ مقوّمات الخطاب البوليفوني.
•تجليات البوليفونية في رواية آخر الموريسيكيات:
سبق وأن ذكرت أنّ عدد الشخصيات في رواية “آخر الموريسيكيات” محدود جدّا مقارنة بعدد الشخصيات في روايات ما بعد الحداثة، ورغم قلّتها فقد تعددت فيها الأصوات، ففي هذه الرواية تظهر شخصيتان رئيسيتان يتناوبان على السرد وشخصيات ثانوية تقوم بتعطيل القراءة السلسة للنصّ وتهشيم بنية المستوى الأول من الحكاية الإطارية، لتضمين حكايات وأحداث فرعية من أعماق الماضي داخل الحكاية الرئيسية.
وبالإضافة إلى أصوات الشخصيات: الرئيسية والثانويّة، تضطرّ الكاتبة أحيانا إلى التدخّل المباشر والمشاركة، عبر ملفوظ صوت السارد ولسانه، لغرض تقديم أبطال الرواية وفضاءات الأمكنة التي ستعتمد عليها كمسرح لأحداث الرواية وخزان لأفكار أبطالها ومشاعرهم.
استهل الراوي حديثه، منذ البداية، بتقديم المكان وبتعريف الشخصيّة الرئيسية، رَوْحِي الزّناتي. وقد تطلّب عرض “القرية العالقة بخاصرة عروس الشمال” عشرة أسطر، فيما أخذت الإشارة إلى الشخصيّة الرئيسية الأولى سطرا واحدا لا أكثر.
يتحدّث الراوي: “زفر رَوْحي الزّناتي حريقا كان يستوطنه في حشرجة”( )، ثمّ صمت، ليرتفع بعد ذلك صوت بطل الرواية، بضمير المتكلم (نحن)، فيكشف لنا عن علاقته الآسرة بالمكان وبريحانة حفيدة مرياح هاشم السرّاج وشوريّة بنت المؤيّد جواد الغرناطي، الشخصيّة الرئيسية الثانية في الرواية، وحبيبة رَوْحي وعشقه، ونفهم من خلال حديثه أنّه كانت هناك قطيعة بين الحبيبين وحادث أليم أودى بحياة ابني ريحانة: ألمع وأزد، وهما من الشخصيات الثانوية المساعدة التي تجسّد فجيعة بطلة الرواية وفائض أحزانها وخيباتها.
ولا شكّ أن الدارس سوف يرصد في فضاء الأحداث المتشكّل من حالة الاستذكار، واعتمادا على صيغة المنقول المباشر، انتقال الخطاب السريع وتتابع الضمائر والصيغ وتنوعهما، من ضمير المتكلّم بصيغة الجمع، إلى ضمير المخاطب بصيغة المؤنث، إلى ضمير المخاطب بصيعة المذكر في مستوى خطابي آخر، إلى أن يعود الراوي بضمير الغائب ليفتكّ خيط السرد ثانية، في صيغة الخطاب المسرود، ويحيلنا إلى نقطة البداية وإلى الحديث من جديد عن القرية العالقة بخاصرة عروس الشمال، وكأنّ تلك المعلومات الإضافيّة التي قدّمها رَوْحي عن فضاء المكان: “الجبال المحيطة بالقرية” .. “الأودية المكلّلة بشجيرات العليق والزيزفون”، ليست كافية ليتحدّد المكان في أذهاننا ، فألقى إلينا بأهم الكلمات المفتاحية وأحد العناصر المضيئة في الرواية حتّى نتمكّن، على هديها، من استجلاء محتوى النص وفهم مضمونه. فأعلمنا أنّها “قرية موريسكيّة” ببنزرت تسمّى منزل عبد الرحمان يكافح سكّانها البسطاء لاستصلاح الأرض وإصلاح مجادف قواربهم أسوة بأسلافهم.
من المعلوم أن الدراسات الفيزيائية تتحدّث عن الاتّحاد بين الزمان والمكان، وبهذا التقييد، يتغيّر المقصود الحَرْفي للمكان، الذي يشير عادة إلى العالم المادي الثابت والمستقر، فيصبح مهمّشا مهزوزا ومجرّد مظهر لتوتّر زمنين في الرواية: الحاضر، في المستوى الأول منها، والماضي الواقع في مستواها الثاني والثالث، ومعهما يتراءى من الخلف، في لاوعي القارئ، زمن آخر يفيد المستقبل حيث مآلاته مقدمات الحاضر واجتراحاته.
ولكي تتضح الصورة أكثر، ويتبلور مقصد الكاتبة ومرادها من كتابة هذا النصّ، كما نراه، نسوق نفس الشاهد الذي طرحه الأديب يوسف عبد العاطي لمجادلة المؤلفة في مواقفها: “في ذاك الزمن البعيد، والكامن في الذاكرة مثل جلطة تاريخية لم تكن قرية منزل عبد الرحمان العالقة بخاصرة عروس الشمال بنزرت; على ما أصبحت عليه الآن، إن هي إلا غابات بكر، وبحر حالم ووحشة حين يحل الظلام٠٠وجاءوا فكانت الحياة، بدأ الحرث والغرس، وإصرار على شجر العوسج أسيجة شائكة تحجز كل مقتحم.”( )
من دون شك للفظة “الموريسكيّة” دلالتها الحارقة في الذهنية العربية، وصورة لزمن ماض مشحون بالألم والمرارة، هذا الماضي الذي عرف فيها العرب أولى نكباتهم في التخوم والأطراف، قبل أن تشقّ أعماقهم النكبة الكبرى في الزمن القريب، نكبة فلسطين، وقد أحسن السارد حين وصف نكبة العرب الأولى بالجلطة التاريخيّة لما فيها من تصدّع وتورّم لعضلات الوعي والتفكير والشعور الدائم بعدم الراحة والثبات. فالضمير المرفوع المتصل بفعل “جاء” يعود بالدلالة على الجيل الأوّل من الموريسكيين، وتحديدا تلك العائلات الأندلسيّة المسلمة التي فُرِض عليها التهحير القسري من الأندلس إلى تونس، في زمن التدهور والسقوط، والذين بقوا عالقين في ذاكرة أحفادهم. وهم أنفسهم الموريسكيون الذين تناقلت أخبارَهم ألسنةُ بعض الشخصيات الثانويّة في القصّة الإطارية، كالجدّة شوريّة بنت المؤيّد جواد الغرناطي التي تقول: “من استهان بخبرات الماضي لن يسلم حاضره، وحتما سيضيع منه المستقبل…”( )
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الأديب يوسف عبد العاطي قد أخطأ القراءة والتأويل، أخطأ قراءة فقرة بذلك الوضوح وجانبه الصواب في تأويل عتبة يافطة “رواية أندلسيّة” أعلى العنوان بسبب ما ترسّب في ذهنه من كتابات عدّة “تعلي من دور هؤلاء المطرودين وتحط وتحقّر من أبناء البلد الأصليين”( ). وقد تطلّبت المجادلة حيزا مهما من مقاله المنشور بجريدة الشروق حول ما أعتبره مواقف وأحكاما استفزازية وأقحم نفسه طرفا في المعادلة عندما خرج عن حياده مضيفا قوله: “وكأننا أدركنا الحضارة بوصولهم بيننا”. وبما أن المنطلقات التي سار على هديها كانت خاطئة فإنّ حبل سؤاله المطروح حول المداخل التي تروم الكاتبة إرشاد المتلقّي إليها لن يكون ذا فائدة.
وهكذا ، فإن عبد العاطي، ومن خلال زاوية النظر التي اختارها للدفاع عن أهل البلد الأصليين، ممّا وصفها بالقراءة المشبوهة للأحداث التاريخيّة، قد تناسى أنّ الكتّاب ليسوا مؤرّخين لوقائع الماضي وأحداثها وأنّ “المكان في الرّواية أيّا كان شكله ليس هو المكان في الواقع الخارجي، ولو أشارت إليه الرواية، أو عنته، أو سمّته بالإسم، إذ يظلّ المكان في الرّواية عنصرا من عناصرها الفنّيّة.”( ) بالإضافة إلى أنّ “آخر الموريسيكيات” ليست رواية أندلسيّة كما أشير إليها في عتبة الغلاف الأمامي، وإنّما هي رواية تونسيّة بامتياز اتخذت لها مرجعية تاريخية في مستويات خفيضة منها. فثمّة فرق بين الرواية التي تعيد كتابة التاريخ، والأخرى التي تستعمل التاريخ كخلفية لعبور قصص حملات المطاردة والتفتيش ضدّ الموريسيكيين ومآسي إخفاء المعتقد الديني إلى ذاكرة الأمّة.
وإذا نظرنا إلى المادّة التاريخية المتخيّلة في النصّ بموضوعية وواقعية، نجد أن ما أوردته الكاتبة بخصوص تأسيس القادميين الجدد لقرية منزل عبد الرحمان وبثّ الحياة فيها هو حقيقة تاريخية لا جدال فيها، فقد أشار الباحث التونسي أحمد الحمروني، في محاضرة له حول الحضور الأندلسي بتونس بالنادي الثقافي الطاهر الحدّاد بالعاصمة بمناسبة صدور كتابه “المدوّنة الموريسكيّة التونسيّة”، إلى أن حضور الأندلسيين في تونس غيّر من الخارطة العمرانية؛ حيث أنهم أسّسوا مدناً وقرى جديدة وأحيوا أخرى.
وهناك شواهد كثيرة داعمة لرأي الصديق المؤرّخ لا داعي للخوض فيها نظرا لكثرتها.
وأنا أتّفق مع الأديب يوسف عبد العاطي في “أن قصة الحب ما كانت إلا تورية وتقيّة فنيّة أرادت الكاتبة التّخفي ورائها للبوح بجميع التّفاصيل التي أرادت تبليغها إلى القارئ ( )” ، فشخصية ريحانة، طليقة غيث البارودي، وعقيلة روْحي من زواج غير معلن، اتّضحت ملامحها وبانت بعض توجهاتها الفكرية والنضاليّة من خلال صوتها وأصوات المحيطين بها، ومنها صوت الشخصية الطيّبة الخجولة الصموتة المنزوية التي عاشت ذلّ اليتم، شخضيّة روْحي المتحدّث الأبرز في الرّواية والتي صوّرت ريحانة بأنّها كانت ذات ثقافة وتجربة نضاليّة تعيش حالة نفسية معقدة وروح منكسرة انشدّت إلى الماضي الذي ظلّ ظله عالقا بذاكرتها عبر جذورها، ليس حنينا إليه وتمسكا به وإنما تذكيرا بمآسيه، ومن صوت روْحي تشكّل الحضور الطاغي لها وبرز صوتها القويّ العالي رغم أنّها كانت في واقع الرّواية ميّتة في انتظار ساعة الدفن. ويبدو أنّ الكاتبة قد استعارت لعملها هذا، محور الدراسة، البنية الفنية التي شكّلت الأساس الذي بنيت عليه روايتها “الشتات” معوّضة يزن الواقف على جثّة أمّه بروْحي الزناتي المتابع لمجريات مراسم جنازة ريحانة في بيت مجاور.
لم تكن أصوات الموريسكيين رمزا لماض ولّى ومضى وإنّما هي تعبيرة عن واقع مستجدّ، واقع التونسيين بعد الثورة، تصفه ريحانة بأنّه واقع محيّر كثرت فيه الأزمات ومعاول الهدم وخيبة الانتظارات، وفقدت فيه الأحلام والقيم، وتحجّرت فيه العقول، ونخره الجمود والاقصاء، وخابت ثقة الناس في ساستها ومثقّفيها، وهي أسباب تراها الساردة كافية لكي تفضي بكيان الدولة إلى نفس نهايات ممالك الطوائف، أسباب كافية لسقوط الأوطان.
تقول ريحانة في النصّ: “التاريخ لا يعيد نفسه بالتأكيد، ولكنه يلتحف بعباءات مغايرة، ويتصرّف في الأمكنة والأزمنة وبعض الشروط ليثبت نفس النتائج الحتميّة ألست معي في أنّ الحياة كلّها سلسلة من الحتميات، وأنّ الهزائم أو الانتصارات تبنى على نفس المقدّمات تقريبا”( ).
وفي موضع آخر تقول: “سأحكي لك يا روْحي حتّى نمرّ بجانب الماضي ونستعير حكمه للمستقبل”( )
وإذا كانت النتائج الحتميّة قد استفاضت الرواية في شرحها مستخدمة مجموعة متنوعة من الأشكال اللغوية، كما سنبيّن ذلك لاحقا، ومجموعة من الأصوات المتنافرة لإنشاء وجهات نظر متعددة وووظّفت في بنائها تقنيّة القصّة داخل القصّة كحكايا ألف ليلة وليلة في مستويات سردية خارقة لهيكل الإطار، تروي أحداثها شخصيات لم تعش أطوارها، ولكنّها سمعتها ممّن عايشوها، وعلى سبيل المثال قصّة والدة الجدّة شوريّة، فيحاء بنت المستنصر – تلقّاها المتلقّي من خلال تداعي أفكار روْحي نقلا عن ريحانة نقلا عن الجدّة شوريّة نقلا عن رواية معاريف المرأة اليهوديّة، بما يشبه العنعنة في نقل الأحاديث النبويّة- وإذا كان محرّك كل ذلك التأثير الدرامي على وجدان القارئ وعاطفته من أجل التقاط صورة بشعة لمحنة سقوط الأوطان وإدراك نتائجها المدمّرة على روح الفرد وشتات الجماعة وتفتّت الأسر إلى الحدّ الذي يصبح فيه الموت بلا سبب تفصيلا لا معنى له، بحسب تعبير الجدّة شوريّة، فعن أيّ مقدّمات تتحدث الكاتبة على لسان بطلة الرواية ريحانة؟ وبمعنى آخر، ما هو قياس الشبه بين الحالة الأندلسية والحالة العربيّة وخاصّة التونسيّة منها؟
لتوضيح حاضر الشخصيات، عمدت الكاتبة خديجة التومي إلى إدناء البعيد من القريب عبر رحلات السارد المتكرّرة إلى ماضي الشخصيات، وعقدت مماثلة بينهما باستعمال التشبيه الضمني كأسلوب من أساليب البيان، حيث أداة التشبيه محذوفة، ووجه الشبه متحجب يحتاج الباحث لإدراكه إلى إمعان فكره وقد ضمّنته الكاتبة مقدّمات سقوط وانحدار الأمّة، والمراد منها التحذير والتنبيه إلى خطر داهم.
في الواقع، من حدّد وجه الشبه، نيابة عن الكاتبة، هي بطلة الرواية ريحانة التي انخرطت في صفوف تنظيم ذي توجّه إسلامي، للنضال ضدّ “الاستبداد وعصابات القصور” وتحقيق أمنيتها في ثورة تحرّر الوطن من الطغيان وتقتلع منه جذور الديكتاتوريّة. وتحت تأثير هذه الرغبة العنيدة، قرّرت التضحية بحبيبها روْحي والزواج من رفيق النضال غيث البارودي، تقول: “أحلم أن يتحوّل بيتي إلى غرفة عمليّات منه تنطلق المسيرات والثورات في وجه الطغيان”( ). في رحلتها داخل أسوار الجامعة حيث تتواجد مختلف التيّارات السّياسية، كانت شعلة متّقدة تخوض معاركها الصّغيرة لفرض رؤيتها الفكرية والعقدية، وفي حياتها العمليّة، كانت مربّية واعية تشكّل العقول بطريقتها، وتوقد فيها شموع المعرفة على هدي بعض أساتذتها المعارضين لتوجّهات النّظام القائم زمن القمع وخياراته التّعليميّة الفاسدة (أنور جعفر على سبيل المثال). سقط رفيق دربها في أوّل محنة في تسعينيات القرن العشرين و”طلّق الحياة” “نقمة على قادة التنظيم (…) فهم لم يقرؤوا الواقع السياسي، ولا استعدّوا لما تطلبه المواجهات مع نظام قمعيّ شرس..”( ) مبررات لم تقنعها مطلقا لقناعتها بأن قرار الاستئصال وتجفيف منابع التديّن قد اتّخذ مسبقا بدعم من المتأدلجين والمعارضة الكرتونية وتواطئ المجتمع الدولي، فبقيت صلبة منشغلة بهموم وطنها وبمشاكل عائلتها ومنها قرار رحيل ولديها إلى اسبانيا للنبش في الماضي بحثا عن الجذور، “لقد عزما على الرّحيل، وتركاني يا روْحي وحيدة مع صمت الحيطان وصمت أبيهما.”( ) ، هناك انضمّا إلى الحركة القوميّة الأندلسيّة ذات الجذور الإسلاميّة لإثارة المسألة الموريسكيّة، فتمّت تصفيتهما ذات ليلة مشؤومة. ورغم أن اغتيالهما وجع آخر وحرقة مضافة لآلام ريحانة التي حمّلت زوجها مسؤولية ما حدث لهما، وكان سببا في طلاقها والعودة إلى حبّها الأوّل، فإنّ الوجيعة الأكبر التي حطّمتها وألحقت بها ضررا كبيرا وجعلتها تكسّر سيوف نضالها وتخرج من خيمتها الحزبية وتركن إلى المراجعات والمقارنات بمنظار مختلف هي وقوفها على السلوكيات الغريبة المستجدّة والبؤس الأخلاقي لدى قيادات حزبها أعواما قليلة في الحكم بعد أن تحققت أمنيتها وقامت الثورة لطرد الاستبداد، قيادات لم تتحرّر من عقدة المظلوميّة أنتج وصولها إلى الحكم طبقة طفيليّة بائسة منفصلة عن ذاكرة النضال وأحلام وآمال المناضلين، اصطدمت بصعوبة الاصلاح وأخفقت في إدارة الدولة، وأدخلتها في نفق الصراعات العبثية والفوضى، في وقت كان الجوع هو سيّد الموقف، وساق مشروع الانتقال الديمقراطي برمته نحو الانهيار.
تقول ريحانة، الحاملة لمزاج عاطفي متوتّر والحالمة بالتغيير، والمصابة بصدمة وخيبة انتظاراتها: “فئة اغتنمت الفرصة لتندسّ داخل بعض الأحزاب المعروفة بانضباطها الأخلاقي، فقد جاء السيد نوفل ليلمّع صورته ويصبح ذا وجاهة ونفوذ”( )، ثمّ تضيف في مكان آخر: “غير أنّه أكمل تسلّق جدران أحد الأحزاب من أجل منصب وجيه.”( ) وفي النهاية تكتشف أنّه قد تمّ خداعها، ففشل تجربة الحكم وإفلاسها في تحقيق التغيير المنشود الذي أجبر المناضلين في واقع الحياة على العودة إلى مقاعد الدراسة، بعد زمن طويل من الانقطاع، وبعد أن شابت الرؤوس حتّى لم يعد للشهادات العلمية قيمة المصعد الاجتماعي، هو السبب نفسه الذي جعل ريحانة تعيد التفكير في تجربتها صلب التنظيم وتراجع مسيرتها النضالية فتكفر بالانتماء وتنسحب نحو مسار حياتيّ آخر كشكل من أشكال الوعي والرّدّة السياسيّة والهروب مغايرا تماما لمسار المناضلين الذين اتّكؤوا على حصون مبررات في ظاهرها التحدّي وتعويض ما فات، وفي باطنها العزلة السياسية لتخفيف وطأة ألم الخيبة وترميم ما تهدم من الآمال الضائعة والأحلام المغدورة، فقد فضّلت ريحانة نزع رداء التحزّب وارتداء لحاف العزلة الاختيارية والتأمّل من أجل قراءة جديدة ناقدة لواقع التونسيين ومراجعة موضوعيّة لتجربة حياتها، تقول ريحانة لروحي موضّحة: “إنّ التجربة قد قلبت كلّ تصوّراتي”( )، ثمّ تقوم في موضع آخر بتحميله مسؤوليّة إذ تقول معزّرة: “كيف تركت أنثاك وحيدة وغريبة بين قطيع من الذئاب، لبسوا قفّازات الحقيقة والطهر والمثل النورانيّة؟”( ) وعندما سألها روْحي عمّن تتحدّث، أجابته منتفضة: “أولئك الذين أرادوا تحنيط الإنسان في قوالب جاهزة،”( ).
وإذا تجاوزنا هذا الانزياح اللامنتظر من الخاص إلى عموم النخبة السياسيّة والأحزاب اليسارية واليمينيّة على حدّ سواء، فإنّه من المؤكّد أن التجربة التي قالت عنها إنها قلبت كلّ تصوّراتها كانت مفتاح الحكمة لاستخلاص قرائن قويّة على وجود وجه شبه بين واقع التونسيين في ظل الصراع الإيديولوجي بعد الثورة وواقع الموريسكيين في عهد الطوائف. فبالحفر في الماضي والاسترجاع تقوم ريحانة بتحليل نفسيّة النخبة المؤثّرة في صنع القرار وصياغة المشهد السياسي لزمن ما بعد الثورة، إذ تقول لروْحي: “تعلم أنّي تعايشت مع المناضلين وأنّ السياسة قد استأثرت بسنين عمري فوقفت على معاناة القيادات وبعض أحوالهم النّفسيّة المستعصية أحيانا، فيهم من تحنّط في الماضي يستثمر في سنوات الجمر كأصل تجاري، وآخرون سدّوا عليهم أبواب الدّغمائيّة والإيديولوجيا العقيمة وجمع ركبه جنون العظمة، وقليلهم من بقي في قلبه هوى للوطن.”( )
وفي موضع آخر تقول: “لمّا بسطت السياسة لحافها الحربائي عليّ، ولمّا اهتزّ القلب غضبا وصدمة ويأسا وأنا أشهد تحوّلات جذريّة مسّت صميم مَن قضوْا العمر بين قهر وقهر، ومعتقل وسجن ومطاردة، ومنع وتهجير وتشويه، وهم يعضّون بالنواجذ ويمسكون بجمر الإيمان والمبادئ، أرى الشيطان في نظرات بعضهم وأكاد أشتمّ النتونة فيما ينطقون، وأتخيّل كم من المفاسد وسمت أعمالهم.”( )
لاشكّ أن وجه الشبه كبير ومؤكّد، أهمّها في تقديري:
1-الخيانات والدسائس: الشاهد عن المشبّه: (“… منبعثة نحو أهدافها، كسهم لم يطلقه قنّاص مثل قنّاصة الثورات المغدورة،”( )، “الخيانات الكبرى التي باعت الأوطان بفروج النّساء.”( ))، الشاهد عن المشبّه به: (“كنت أثير حفيظتها حين أتبرّم من حديث الجدّة شوريّة عن الأجداد والماضي الحافل بالأمجاد لولا أطماع السلطة واستشراء الدسائس.”( )، “لا نفقه كثيرا ما كان يحدث حولنا من المعارك والدّسائس والثّارات وأعداء غرباء وإخوة أعداء يتطاحنون.”( )، “إيه يا أحفادي اللجوء هذا المؤقت المؤبّد، ابن الخيانات الشرعي، عنوان الهزائم عبر التاريخ.”( ))
2-الصراعات الإيديولوجيّة وأطماع السلطة: الشاهد عن المشبّه: (“لقد هزّني من الأعماق التناقض الجذري بين مختلف التّيّارات الفكريّة والسياسية النشيطة داخل أسوار الجامعة”( )، “كان العدوّ كما تصوّر ابن زياد أمامنا فإذا به خلفنا وبين ظهرانينا أيضا، لذلك ترى الشعوب تهرع إلى زوارق الموت في عرض البحر خوفا من البطش وبحثا عن اللقمة .. لم تعد قادرة على تحديد عدوّها من صديقها، فالرعب والموت المتوحّش خلط كل الأوراق في هذا الوطن الممتدّ، المخرّب.”( )، “لست ضدّ حتميّة الصراع، ولكنّي أمقت الدّغمائيّة، ألا ترى أنّهم أدخلونا في أتون الصراع الأيديولوجي في سعيهم المحموم للاستفادة من السلطة.”( )، “فحين يولد الجيل ويقبر ويليه آخر، ويفنى، ونظلّ في صراع هدّام بين يمين ويسار، والوطن رهينة ونحن فيه تائهون.”( )، “عملوا على ترحيل خصوماتهم من ردْهات الجامعة ليواصلوا إشعالها على جسد هذا الوطن”( )، الشاهد عن المشبّه به: “عملوا على استرجاع الأرض مغتنمين تناحر ملوك الطوائف وانغماسهم في اللهو والمكائد ومناصرة الأعداء” )
3-عدم الشعور بالانتماء وفقدان الهويّة: الشاهد عن المشبّه: (“لقد فشلنا كلّنا في بناء علاقة حبّ حقيقي ودائمة مع الوطن.”( )، “ما يؤلمني هو غياب الحسّ النقدي والمراجعات والاعتراف بالتقصير أو الفشل، فهل اعترف اليسار واليمين وكلّ مستعبد بالإيديولوجيا مثلا بالفشل المتأتّي من محاولات عزل المجتمع عن جذوره وهويّته في محاولة لفرض إيديولوجيا لا تتلاءم مع الواقع المحلّي”( )، “ذا زمن الشيوخ الخرفة تترنّح على الكراسي الرئاسيّة والعمائم العربيّة مدلاة تلعق الذلّ واللذّات، وتهب للغزاة جسد الأمّة.”( ) ، “ليس هيّنا أن يُستثنى بشر من حبّ الوطن، ويصير هذا الحبّ حكرا يوزّع على الهويّة والانتماء، فذاك ما يسقط الأوطان.”( )، “فإن كان المثقّف هو نفسه داعية تطرّف واستئصال يسعى جاهدا لهدم هويّة الشعب والارتماء في أحضان الآخر لأنّه الآخر الذي رضع من ثديه وبينهما عرى وثيقة, فأيّ دور يرجى منه؟”( )، الشاهد عن المشبّه به: مضمر)
4-الجمود والاقصاء: الشاهد عن المشبّه:(“أيعقل أن نخضع النفس البشرية إلى قراءة وحيدة!؟”( )، “انا يا روْحي رأيتهم كلهم متطرفين وعلمت ان التطرف لا ينحت إنسانا بل خرابا من البشر وخرابا من الأوطان”( )، “وعيت باكرا أن ظاهرة إقصاء الآخر وتشويهه وتجريمه لم تكن خاصّة بأصحاب السلطة في هذه الجملكيّات”( ) ، “الكلّ يا روْحي مطالب بفتح دفاتره، وإعمال معول الهدم في الرؤى الإقصائيّة، حتّى يتّسع أفق الوطن للجميع”( )، “أصبحت خطأ تقيّمين الإنسان انطلاقا من انتمائه لحزب ثوريّ معارض إذًا هو وطني، وكأنّ الوطنيّة أصبحت حكرا على طرفٍ دون آخر”( )، والشاهد عن المشبّه به: مضمر)
5-توظيف السياسة للدين وتهشيم القيم: الشاهد عن المشبّه: (“اعلم يا روْحي أن السياسة إذا وظّفت الدّين دنّسته، وأنّ محاولات نفي الدّين من حياة المجتمعات يشعل الفتن”( )، الشاهد عن المشبّه به: مضمر)
6-القهر ولإذلال: الشاهد عن المشبّه: (“قهر وفقر واستبداد ودوس على الكرامة والمقدّسات”( )، “جئتني يا روْحي، وقد سمعنا ورأينا صنوف القهر والإذلال”( )، “تزاوج الغزاة بالبغاة فأنجبوا الغلاة”( )، الشاهد عن المشبّه به: “جار ولاة أمرنا وتكالبوا على السلطة، دسّوا الدّسائس”( ))
مثّلت هذه العناصر- مخرجات منتج خديجة التومي الإبداعي في هذه الرواية- تهديدا صريحا للعيش المشترك من الممكن أن يصل إلى حدّ الانفجار وسقوط سقف الدولة وأركانها على رؤوس أبنائها، تصوّر خطير وتوقّع صادم، وتحذير جدّي من مصيبة مشابهة، مخلفاتها المنتظرة ستكون كارثية مدمّرة، فإذا كان الموريسكيون قد وجدوا في بلاد المغرب العربي حاضنة لهم وفئة يتحيّزون إليها فإن هؤلاء المستضعفين لن يجدوا أماكن يحلّون بها فهم حيث يولّون وجوههم سوف يجدون الحرائق والتشريد، ولا مستقر لهم: “حين تقطع من الجذور ستصبح عبئا ولا مكان يأويك فكل من حولك خراب”( ).
كما يتّضح جليّا، من خلال مفاصل السرد، أن طريقة تفكير ريحانة ووعيها المعبّر عن شخصيتها غير منفصل تماما عن وعي الكاتبة ذاتها. فهي تنوبها في القول وتطرح أسئلتها السياسيّة والثقافيّة، كما أنّ وعي ريحانة الإيجابي وإعلانها عن فشل الانتماء قد ارتبط ارتباطا وثيقا بغلبة الثورة المضادة ورجحان كفّتها بسبب سياسة الأيدي المرتعشة لافتقار السّاسة الجدد إلى برامج.
•التعدّد اللغوي في الرواية:
من أهم الظواهر الفنية التي أقامت عليها خديجة التومي أسس بنيان روايتها وفضاءها السردي هي الحوار الخارجي والباطني، التناص، الأجناس التعبيرية المتخلِّلة ، وتناوب الرواة على الكلام. وهذه الأخيرة ساهمت في عرض الاحداث بغض النظر عن مدى اختلاف ترتيبها في السرد عن تسلسلها الزمني.
يتشكّل مضمون رواية “آخر الموريسيكيات”، بالإضافة إلى لغة التاريخ المهيمن على الفضاء السردي، من لغات متعدّدة ومزيج متباين من الأشكال الخطابيّة كاللغة الشعرية والتعابير القرآنيّة والرسائل الورقيّة ورسائل شبكات التواصل والأمثال وأحاديث العامّة واللغة الصحفية.
تراوح الكاتبة بين لغتين: أدبيّة وغير أدبيّة، فعندما تتحدّث عن الحبّ أو عن محنة أهل الأندلس وواقع ذوي الأصول الموريسكية والظروف الصعبة التي واجهوها في بداية استقرارهم وعلاقتهم بمحيطهم الجديد تستعمل خديجة التومي لغة صافية جميلة كأنّها الشعر، لغة منمّقة ومتعطّرة بعطر الشاعريّة وجمال الألفاظ، ومطبوعة بطابع الحزن والألم، وممزوجة بمشاعر الخوف من حدوث وضع مشابه لأسباب الهزيمة في وطن لجوء أحفاد الموريسكيين.
وجع الاحساس بالضياع اثار فيها عواطف تهز الروح لكي لا يتكرر الامر، مثل هذا المقطع المعاد تنسيقه:
“آه من وجع الذاكرة لمّا تشتدّ،
وتظلّ تطوف بي في دهاليز الزمان..
وحين تشتعل بالألوان،
أذكرك كما أنت
زهرة الربيع وعطر النرجس وشفق أقحوان
وشروق زهر اللوز بمارس …
وأنت كالحلم يسري،
يطوّقني أينما حللت
يتبع خطاي، يحصي أنفاسي
ويستوعب كلّ إحساسي.”( )
هذه اللغة الأدبيّة أكثر بروزا في الصفحات الأولى من الفصل الثالث، وهناك إدخالات شعريّة كالبيت المقتبس من نونية أبي البقاء الرندي في مراثي الأندلس ومقطع قصيد سعاد الصبّاح “كن صديقي” ولغة الأغاني ومنها أغنية الموريسكي من أراغون:
“قالوا إنّه وجب علينا الرّحيل
نحن أيضا من هذه الأرض
إنّهم يهدّدوننا بالطرد
لنذهب كلّنا إلى هناك
أين يوجد جماعات العرب
وأين توجد الخيرات.”( )
هذه الأغنيّية أوردها محمد يحيى المضواحي في كتابه “الأندلسيون عقب سقوط غرناطة” نقلا عن كتاب عادل سعيد البشتاوي “الأندلسيون المواركة”، نصّها المعرّب على النحو التالي: “يقولون أن علينا الرحيل .. تباعا إلى أرضنا الطيّبة .. هناك الجبال وراء الجبال .. من التبر والفضّة الخالصة .. لقد ذلّ من يبتغي طردنا .. لنذهب معا يا إخوتي .. لنذهب معا كلّنا .. إلى الخير والوفر يا إخوتي .. إلى أمّة من العرب مثلنا”.
وقد ذكر الكاتب على الهامش أن نصّ الأغنية في ترجمة الدكتور عبد الجليل التميمي الذي نقله كاردياك في كتابه الموريسكيون الأندلسيون كالتالي: “قالوا إنّه يجب علينا الرّحيل .. نحن أيضا من هذه الأرض .. نحو تلك الأرض الطيبة .. أين الذهب والفضّة الرقيقة .. يوجدان من جبل إلى جبل .. إنّهم يهدّدوننا بالطرد .. لنذهب كلّنا إلى هناك .. أين يوجد جماعات العرب”.
في حين تسقط اللغة إلى طبقة لسانية متدنية، لغة المقالات والتقرير صحفي، عند الحديث عن واقع ما بعد الثورة ثمّ تنزل بها جافّة قاطعة كحدّ السّكّين حين يتعلّق الحديث بالسّاسة والسّياسيين وأهل الثّقافة أجمعين، وكأنها تتنزل بها من السقف إلى القاع، كهذا الشاهد: “إنه متى لا تربي الأجيال على التسامح والقيم المشتركة فإنه يصعب ان نجد ثقة متبادلة، …”( ) “مازال المسيسون المنتمون الى احزاب لم يدركوا بعد ان الثورة قد فاجات الجميع، …”( )
ومن التناص مع الآيات القرآنيّة نورد هذه الشواهد:”لن أكون في هذه الحياة إلاّ أصلا ثابتا وفرعا في السماء”( ) ، “ولم يجعل الله لي من قلبين في جوفي”( )، “برزخان لا يلتقيان”( )، “ضاقت بنا الأرض بما رحبت”( ).
ومن الأمثال الشعبيّة والأقوال المأثورة التى جرت مجرى الأمثال والحكم نذكر: “تعدى على واد هرهار خير من واد ساكت”( )، “من يتزوج أمنا نناده عمنا”( )، “إذا أفلس اليهودي يفتش دفاتر ولدو”( )، “كان لنا ملك لم نحافظ عليه فبكيناه كالثكالى”( )، وهو تفاعل وامتصاص مع قول عائشة أم أبي عبدالله الصغير آخر ملوك غرناطة قبل سقوطها: “إبكِ مثلَ النِّساءِ ملُكاً مُضاعاً لَمْ تُحَافِظْ عَلَيَهِ مثلَ الرِّجالِ”، “رقد مارس وأفريل وجاء وقت حصاد الشعير”( )، “إذا سمعت الأمير يغنّي اعلمي أن همومي تبكي”( )، وهي من الأمثال العاميّة في الأندلس تبيّن أنّ الصلة بين الأمير والرعيّة متوتّرة فغالبا ما تكون سعادة الأمير على حساب شقاء الرعيّة، “من ادهن بزيت السلطان يصبح اقرع”( )، “تلهث خلف القوت وتنتظر الموت”( ).
وتخلل السرد كذلك، تعضيدا وإنشاءً، لغة الرسائل، وظفتها الكاتبة كمصدر من مصادر الحصول على المعلومة لا غير، لتجنّب العثار في مطبّ السقطات الفنّية في الترابط واللامنطق، من ذلك:”خنقتني بعدها برسالة أخيرة (…)، فقد كتبت: بيني وبينك وطن يا روْحي وبئر من الصمت…”( ).
أمّا لغة الحوار فقد استعملتها الكاتبة كأداة لكشف ملامح الشخصيات ورد باللغة الفصحى لانتمائها الى طبقة مثقفة مثل الحوار الذي جرى حول الدين(ص79 على سبيل المثال) والحديث عن المثقّف(ص137)
وفي ما يخصّ الحوار مع الذات، حوار المتكلم مع نفسه، فقد ورد محملا بمشاعر الحزن وورد الحوار الخارجي في الرواية بين “روحي”و”ريحانة” إلى جانب الحوار الداخلي والخارجي لكن الحوار في الرواية كان أغلبيته حوار نفسي أي مونولوج داخلي يطلعنا عن ما تحسه الشخصية بداخلها.
• الخاتمة:
تحاول رواية آخر الموريسيكيات الربط بين صورة الماضي المتمثّلة في قضيّة الموريسكيين وبين صورة الحاضر المتمثّلة في واقع تونس بعد الثورة، وقد أوردت الموريسكيين الأجداد كعنصر تشبيه لأنّ هناك معنى يجمع بينهم وبين أحفادهم في “عناوين اللجوء والتيه” كصفة مشتركة بينهم. مشيرة بغير اللفظ ما في أحوالهم من موعظة وعبر، و أنّ نفس المقدّمات سوف تؤدي الى نفس النتائج، في محاولة منها كمثقفة لمنع كارثة مشابهة لما حصل قديما بالأندلس.
انفتحت الرواية على عدد قليل من الرواة وعدد كبير من الحكايات مما أدّى إلى تنوّع مستوياتها السردية وتنوع فضاءاتها واختلاف أزمنتها وتفاعلت مع الاجناس الأدبيّة الأخرى وغير الأدبية، وأبطال الرّواية الأساسيين مشحونة بالتوتّر والقلق وغير مستقرّة في حياتها، وهذا ما يفسّر البداية الأليمة والنهاية المفتوحة للرّواية.
الهوامش:
(1) ترجمه الدكتور جميل نصيف التكريتي إلى العربيّة ونشرته دار توبقال للنشر بالمغرب تحت عنوان شعرية دوستويفسكي (1986) بالاشتراك مع دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد التي اختارت له عنوانا آخر وهو “قضايا الفن الإبداعي عند دوستويفيسكي”. ومن المؤسف أن يشيع هذا العنوان الخطأ في البحوث والدراسات الأدبية والجامعية في الوطن العربي والحال أن باختين لم ينشر في حياته عنوانا مطابقا لما وسّم به ليونيد غروسمان كتابه
(2) راجع دراسة د. عبد الرحمان إكيدر، الرواية البوليفونية: المقوّمات النظرية والخصائص الفنية، مجلة أفكار (الأردنية) العدد 344 أيلول/سبتمبر 2017
( ) Irina Tylkowski, La conception du dialogue de Mikhail Bakhtine et ses sources sociologiques (l’exemple des problèmes de l’œuvre de Dostoïeveski [1929]), Cahiers de praxématique N°57 de 2011.
( )إضاءات نقدية السنة الثامنة العدد الحادی والثلاثون، سبتمبر / أيلول ٢٠١٨ م، ص 78-110
( ) Bonch-Bruevich N.Linin حول الكتب والكتاب // Literaturnaya gazeta. 1955.21 أبريل.
Сараскина Л.И. Достоевский. М.: Молодая гвардия, 2013(7) نقلا عن الموقع الروسي فيدور دوستويفسكي: fedordostoevesky.ru/biography/saraskina/preface
المرجع السابق.
المرجع السابق.
المرجع السابق.
المرجع السابق.
تومي خديجة، “آخر الموريسيكيات”، دار البشير للثقافة والعلوم، ط1، ص8.
المرجع نفسه، ص 10.
المرجع نفسه، ص 38.
عبد العاطي يوسف، “آخر الموريسيكيات” رواية جديدة للكاتبة خديجة التومي، الشروق عدد السبت 06 جوان 2020.
أحمد زياد محبك، جماليات المكان في الرواية، متاح في موقع ديوان العرب.
عبد العاطي يوسف، “آخر الموريسيكيات” رواية جديدة للكاتبة خديجة التومي، الشروق عدد السبت 06 جوان 2020.
تومي خديجة، “آخر الموريسيكيات”، دار البشير للثقافة والعلوم، ط1، ص 43.
المرجع السابق، ص 89.
تومي خديجة، “آخر الموريسيكيات”، دار البشير للثقافة والعلوم، ط1، ص 36.
المرجع السابق، ص 161.
المرجع السابق، ص 164.
تومي خديجة، “آخر الموريسيكيات”، دار البشير للثقافة والعلوم، ط1، ص123.
المرجع السابق، الصفحة نفسها.
المرجع السابق، ص127.
المرجع السابق، ص68.
المرجع السابق، الصفحة نفسها.
المرجع السابق، ص127.
المرجع السابق، ص152.
المرجع السابق، ص14.
المرجع السابق، ص43.
المرجع السابق، ص38.
المرجع السابق، ص39.
المرجع السابق، ص144.
المرجع نفسه، ص37.
المرجع السابق، ص56.
المرجع السابق، ص68.
المرجع السابق، ص69.
المرجع السابق، ص128.
المرجع السابق، ص220.
المرجع السابق، ص69.
المرجع السابق، ص69-70.
المرجع السابق، ص71.
المرجع السابق، ص71-72
المرجع السابق، ص138.
المرجع السابق، ص68.
المرجع السابق، ص170
المرجع السابق، ص78.
المرجع السابق، ص84.
المرجع السابق، ص124.
المرجع السابق، ص79.
المرجع السابق، ص85.
المرجع السابق، ص86.
المرجع السابق، ص215.
المرجع السابق، ص193.
المرجع السابق، ص143
المرجع السابق، ص 21.
المرجع السابق، ص94.
المرجع السابق، ص 128.
المرجع السابق، من الصفحة 128 إلى الصفحة 129. وانظر أيضا الصفحة 137 في حديث بطلي الرواية حول المثقّف.
المرجع السابق، ص28-29.
المرجع السابق، ص32.
المرجع السابق، ص53.
المرجع السابق، ص198.
المرجع السابق، ص23.
المرجع السابق، ص172.
المرجع السابق، ص192.
المرجع السابق، ص193.
المرجع السابق، ص196.
المرجع السابق، ص198.
المرجع السابق، ص225.
المرجع السابق، ص 229.
المرجع السابق، ص30.