يهدف النقد الثقافي إلى اكتشاف ما تتضمنه النصوص والخطابات من أنساق وقيم ثقافية ترسخت عبر الأجيال، واستطاعت الاختباء وراء جماليات النص، بفعل هيمنة الإرادة الجماعية التي عملت على تثبيتها في الوعي الجمعي، حتى أصبحت من الثوابت؛ إذ من أهم آليات النقد الثقافي أنه يصعد بالفردي إلى عموم الجماعي، ومن ثم يسهل عليه ممارسة إجراءات تطبيقية، في ربط النص بالوقائع الثقافية، لذا يهتم النقد الثقافي بالخطاب الروائي؛ الذي يحمل أفكارا موجهة حسب الدلالات الثقافية المضمرة في الوعي الجمعي، وتحتاج إلى أدوات نقدية مدققة لتبدأ النقد الثقافي، لكي يكتشفها.
من النقد الثقافي انتقلت النظرية الإبداعية المباشرة للنصوص الإبداعية من قراءة جمالية إلى قراءة الأنساق الثقافية، حيث اقترب الواصف من واقعه، وأعاد تأمله وفهمه عن طريق تحليل النص الإبداعي تحليلا ثقافيا، يضع نصب عينيه ظروف إنتاج النص، ونطاقاته الاجتماعية والسياسية والتاريخية والدينية، باحثا عنها وراء جماليات النص، يجتهد الناقد الذي يشغل نفسه بالنقد الثقافي في ربط النص بثقافة العصر، أو الفترة الزمنية التي ينتمي إليها.
نص الأستاذ لوداد معروف يحكي عن فترة زمنية كما قلنا، عن قرية الشهاوية في الخمسينيات، حيث تعرفنا إلى الفتى البطل الأستاذ عبد الحميد ياسين، عندما كان صبيا، ففي عام 1952 كان يريد أن يدخل المدرسة وقد كبر في السن، وبلغ الثانية عشرة، إذن نفهم من ذلك أننا على أعتاب الجمهورية وانتهاء الملكية، نفهم أيضا أننا مع الأستاذ الذي أصبح أستاذا ومعلما لقريته، وأصبح أبا روحيا لأبناء القرية، ولجيرانه وأحبابه، وكل من عاشره وخالطه، يمثل الأستاذ المصري الذي عاش في تلك الفترة، بكل صفاته الحسنة التي نفتقدها في الألفية الثالثة، هذا الأستاذ صاحب المبادئ، الكريم الذي يؤثر الآخرين على نفسه، الذي يمثل قيمًا اندثرت في واقعنا المرير، بعد بحث الإنسان ولهاثه وسعاره وراء المادة، الخمسينيات تتلوها الستينيات تتلوها السبعينيات، ونتوقف عند 1980 والتاريخ له علاقة غير مباشرة في نية الكاتبة، وقد اختارت فترة معينة، عبد الناصر، وأنور السادات، مرورا بهزيمة 1967 ثم حرب أكتوبر 1973 والنصر، وبعد ذلك مرحلة السبعينيات والانفتاح، ثم مرحلة التغييرات السياسية والديمقراطية في الحياة المصرية في السبعينيات وبداية مرحلة الانفتاح الاقتصادي، كل ذلك خلفية للأحداث، مواكبة تارة، ومرة أخرى تجدلها بمهارة وحرفية شديدة مع مجريات الأحداث، وتصنع من أبطالها محركين للصراع الدائر، لذا ارتأيت أن بوابة النقد الثقافي هي أنسب البوابات النقدية، لكي نتناول عملا كهذا العمل، الذي يحكي عن القرية المصرية، في فترةٍ ما، حيث لم تمتد يد التلوث والآفات الأخلاقية إلى الناس في ذلك العهد.
أما مصطلح النسق فقد ارتبط بالثقافة، ويعني نظاما أو وحدة من الأفكار والمعتقدات والأعراف والعادات والتقاليد، التي تشكل طريقة حياة جماعة محببة، الجماعة التي نعنيها هي أهل الشهاوية.
ويدل النسق الثقافي على وحدة القيم الثقافية التي ترسخت عبر الأجيال.
وفي تعريف آخر هو عبارة عن مجموعة من القيم المتوارية خلف النصوص والخطابات والممارسات، كل نص أدبي يحمل في طياته، وبين سطوره، وفي معنى المعنى الذي نقرؤه ونفهمه من النصوص الأدبية، يجمل ذلك النسق الذي عاش فيه الأديب أو كتب عنه.
إن النسق الثقافي هو مواضعة اجتماعية دينية أخلاقية معرفية، تفرضها في لحظة محددة من تطوره، الوضعية الاجتماعية التي يقبلها ضمنيا، المؤلف وجمهوره، فكلنا وضعنا على هذا النسق، لأننا جميعا رُبينا وعشنا عليه، ونحن جميعا نتاج لهذا النسق.
رواية الأستاذ لوداد معروف نص شديد الثراء حافل بالأنساق الثقافية.
1- أهم هذه الأنساق: النسق الاجتماعي، والحديث عن ثقافة المجتمع، ووجود نظام متواصل ومتوارث يحمل تلك الأنماط، رأيناه ونحن نقرأ، نظام القرية بعاداتها وتقاليدها، والهرم الاجتماعي الموجود فيها، الآباء، الأبناء، الإخوة، هيمنة الأنساق الثقافية الأبوية البطريركية، كل هذه الأمور كتبت لنا عنها وداد معروف، بكل أريحية وبساطة شديدة جدا، بساطة لا ينبغي أن نفهمها خطأ، كتبت باقتدار شديد، جعلتنا نعيش معها.
فأنت عندما تمسك بالرواية؛ لا يمكن أن تتركها إلا بعد أن تنهيها، لأنك تريد أن تقترب من هذه الشخصيات، وتريد أن تعرف عنهم لتعود إلى زمن الأبيض والأسود، زمن من المحبة والترابط من البيوت المفتوحة بعضها على بعض، إلى الناس الذين أحبوا بعضهم فعلا حبا بغير ثمن، حبا لا تربطه المصلحة، ولا تقف وراءه، كما يحدث لنا في زماننا الردئ هذا.
2- تنتقل إذن الأنساق من جيل إلى جيل، ويتعلمها الناس بالمحاكاة، أو الأفكار أو الممارسة، وتكمن في وجداننا الجمعي؛ بشكل لا شعوري، تصور القرية في فترة معينة، تحدثنا عن الخمسينيات إلى الثمانينيات من خلال وعي الراوية ورد عزام، ابنة الشهاوية، تلك القرية التي يحتضنها النيل، ورسمها وشما على قلبها وشكل منها كينونتها، بأشجار الموز الكثيفة، وطيورها المهاجرة المتنوعة، وعلى رأسهم الأستاذ عبد الحميد؛ الذي يمثل صورة الإنسان المصري الأصيل، الكريم النبيل رب الأسرة وكبير القرية، صاحب الإنجازات الناصعة والأيادي البيضاء على القرية.
3- سنتحدث في الأنساق الثقافية عن النسق القيمي _ نسبة إلى القيمة _ وهو منظومة القيم الاجتماعية الموجودة في ذلك العصر، والحق أن وداد معروف قد صورت تلك القيم أصدق تصوير في الرواية، أهم هذه القيم ، التماسك والترابط الأسري بين أفراد الأسرة، وقيام عبد الحميد بدوره المنوط به بوصفه رجل البيت، وأبا لإخوته، في صفحة 23 يقول لهم: “بعد وفاة أمكم تعلمون أننا بعد وفاة الوالدة سيظل بفضل الله هذا البيت مستورا” ، ألا تلاحظون كلمة مستورا؟ تلك الكلمة التي عشناها نحن أبناء الطبقة المتوسطة، نعرف جميعا ماذا تعني كلمة مستورا ولذا أقول: إن وداد معروف تعرف كيف تختار الكلمات المعبرة أصدق تعبير عما تريد، “ماجد لست أخي، بل قطعة من قلبي” ، من القيم المهمة جدا التعاون على البر والتقوى، لإنشاء مسجد القرية من التبرعات والاجتماعات، من القيم المهمة أيضا الوقوف في الأفراح والأحزان، على قلب رجل واحد، قيمة كبيرة جدا، الرواية مليئة بالمناسبات السعيدة والولائم والأطعمة، وأنت تقرأ يجري ريقك على تلك الأطعمة الشهية، التي تأخذك من عالم الوجبات السريعة، إلى عالم الخير والبركة والسمن والسكر والأقماع والفطائر، فقد كنت حقا أشعر بالجوع، أن ريقي يجري ولعابي يسيل، وأنا أقرأ لوداد معروف، وصف تلك الولائم الجميلة التي نفتقدها، لكنها كما نقول: النَّفَس القديم المبارك.
4- نتحدث أيضا عن أمر لافت في الأنساق، هو وضع الأنثى في مجتمع القرية، احتلت المرأة جانبا كبيرا، ولعلي لا أبالغ عندما أقول: الجانب الأكبر من الحكاية، تلك الحكايات التي عكست النسق الاجتماعي في الرواية، فتطالعنا صورة الأم ممثلة في الخالة رهيفة أم الأستاذ التي كانت وتد البيت وعموده، والتي حرصت على أن يدخل ابنها عبد الحميد المدرسة بعد أن تجاوز السن، تلك المرأة التي جمعت أبناءها وأقاربها وجيرانها، بسعة كرمها ومن الأمهات أيضا أم أحمد وورد (أم الشهيد) والخالة عايدة والخالة درية، كلهن على وتيرة واحدة، تتجسد فيهن سمات الأمومة، والتفاني، والتدين، وحب الناس، وإكرام الجار في السراء والضراء، وكلها من سمات ما اصطلحنا على تسميته بالنسق القيمي في القرية.
5- ومن الأشياء اللافتة أيضا: الزواج المبكر، رأيناه في زيجة بشري وهي في الرابعة عشر، حيث لم تكمل تعليمها واكتفت بالابتدائية، وعلمتها أمها رهيفة أشغال الإبرة وأعمال البيت، كم من أمهاتنا وعماتنا وخالاتنا من هذه الطبقة التي لم تكمل التعليم، لكنها تعلمت ثقافة وعلما حياتيا نسويا نافعا، وكلنا لدينا الأمهات والعمات والجيران اللاتي ثُـقفن كما ثُـقفت بشرى في البيت.
6- الاتفاق على الزواج من الأنساق القيمية، يتم ذلك في القرية من خلال اتفاق النسوة أولا، كما حدث في زواج بشرى وأسماء وعابد وماجد، وحب منال برقم قصة حبها مع أحمد، إلا أن الزيجات جميعا تتم وفق نظام اجتماعي صارم معروف منذ القدم، لا يجرؤ أحد على الإخلال بمنظومته.
7- من الأنساق المعروفة، وضع زوجة الابن في القرية، فزوجة الابن تخدم كل أفراد العائلة، مثل أسماء زوجة الأستاذ، ومن ذلك خوف رهيفة على ابنتها من تحكم الزوج في زوجة ابنها وتحميلها أعباء لا تنتهي، خاصة أن فتحي هو الابن الأكبر، لزوجة الابن الأكبر (هذه عادات وتقاليد) النصيب الأوفى من حمل المسؤولية، وإن سكنت بيت العائلة ستظل تخدم الجميع حتى تأتيها ( سلفة ) ، عادات وُرثت كابرا عن كابر.
8- من الأنساق الاجتماعية أيضا العنف الجسدي ضد الزوجة، ضرب الأستاذ عبد الحميد لعروسه أسماء في شهر العسل، رفع يده وضربها على وجهها بقوة، “عمي سمير يدخل بيتي ولا يشرب إلا الشاي وينصرف؟” ، عملت عملة سودا.
9- “من عند عبد الحميد للقبر” وهذا نسق قيمي واجتماعي، “بيتي تأتيه زائرة لا غاضبة”، لكن الأم رهيفة هنا وهي الصورة المثالية للأم وبخت ابنها وأنبته،
10- “بنات الناس لهن التقدير وأسماء بنت أصول كان يجب أن تفهمها بهدوء لا أن تضربها”، ومن ذلك أيضا قول الخالة روحية لزوجة ابنها، انظروا الكلام وانظروا النصائح، أنساق صارمة.
11- بنات الأصول يتحملن ولا يهدمن بيوتهن مسكينة بشرى تضغط على نفسها من أجل اولادها فتتحمل أخباره الفاضحة” ، إذن على المرأة بنت الأصول أن تتحمل، هذا نسق اجتماعي.
هذه أنساق صورت بأمانة شديدة على يد وداد معروف.
12- وأيضا من الأنساق القيمية، جسد الأنثى، جاء على لسان بشرى “محظورات الست رهيفة لا تخترق، فمنذ أن بدأ جسمها في الاستدارة وحلت بها الأنوثة حرمت عليها أمها الخروج من البيت إلا معها لزيارة الأقارب” فجسد المرأة الشرقية ارتبط بأشياء معينة في الوجدان الجمعي، وارتبط بعادات وأصول لا نستطيع الخروج على منظومتها في ذلك الزمان.
13- التطور القيمي الذي حدث في القرية، فلن تظل الفتاة التي تحبس في البيت عندما حلت بها الأنوثة، فقد حدث تطور قيمي أوضحته بعناية وداد معروف وهو خروج الأنثى للعمل، فمثلا المعلمات القادمات إلى القرية من الدقهلية وذهاب فتيات القرية إلى الجامعة، اغتراب عن الأسرة مثل ورد ومنال وغيرهن من البنات اللاتي تطورن وحصلن على الثانوية العامة، إذن القيم تطورت من الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات، فبنات المدينة، في القاهرة والإسكندرية، دخلن الجامعة ، لكن في القرية تأخرت هذه الخطوة إلى السبعينيات.
هي أنساق اجتماعية صورت بمهارة شديدة في نص وداد معروف، يعد نص الأستاذ بمثابة وثيقة اجتماعية تاريخية وتستطيع أن تدخل إليه من باب النقد السوسيولوجي (النقد الاجتماعي) أي أننا ندخل إليه من باب النقد الثقافي والاجتماعي أيضا من البوابات الملائمة، لكي نقرأ ولكي ننقد هذا النص نحكي عن عادات متجذرة في المجتمع الريفي المصري، عادات الموت وطقوسه، حكت لنا في موت رهيفة عن يوم الثالث “لازم أخرج الثالث” _ قالت بشرى : لازم أخرج (الثالث) في صباح الغد، نقرأ الفاتحة على قبر أمي وأوزع الرحمة (والمنين على “الفُقَهَا”، ثم أعود معك إلي بيتنا، نساء العائلة كلهن سيأتين معي للترب فأنا ابنتها الوحيدة .
في صفحة 44 عادات المخاض والقابلة سمارة وابنتها جمالات “جلست سمارة أمام أسماء وهي تقول: ساعة من فرجك يا رب، مكتوب علىٰ بنات حوا يا ست النساء، ساعدي ولدك يا صبية ، هذا السياج المتين من الحياء من العيب وهي في شدة الألم إلا أن أمها تحرص على أن تكتمه بالمنديل، الجيران، الدعاء، الساعات العصيبة، طالت المدة “أطلب لأسماء الإسعاف” كل هذه أنساق ثقافية ولقد صورت أصدق تصوير على يد وداد معروف، الحلبة، المغات بالسمنة البلدي، وشوربة الفراخ الشمورت، عادات حفل سبوع المولود ص48، “الأحد هو يوم سبوع مازن وقد أحضر الأستاذ (النُّقْل) الذي أملته عليه الست حميدة أم أسماء، فسجَّله في ورقة حتىٰ لا ينسىٰ فالأصناف كثيرة، ثلاثة كيلوجرامات شيكولاتة، ومثلها ملبس ودستة شمع أبيض كبير، وست (دِسَتْ) من النوع الصغير الملون، لتوضع في أكياس النُّقل، التي ستوزع علىٰ الأحباب والجيران؛ وزملائه في المدرسة، واثنين كيلو من الحمص، ومثلها فول سوداني، ولا تنس يا أستاذ الإبريق، هكذا قالت له أم أسماء”. كل هذا يشي بالحب والخير والسلام المجتمعي، لم تكن هناك الوجوه الشائهة ولا التنافس على الأشياء التافهة، كان الناس كلهم يعيشون وهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، الحلوى والإبريق والأكياس والملبس، الرقية المتوارثة، كل هذه ثقافة، “الأولة بسم الله والثانية بسم الله والثالثة رقيتك باسم محمد بن عبد الله” ، إذن هي عادات وطقوس، ربينا عليها، حفرت ونقشت على نفوسنا وأرواحنا، أيضا الولائم في كل المناسبات والحديث المطول على أنواع الأطعمة الريفية، وفي فصل “يوم الموائد” ص 111 على سبيل المثال “كل الناس اجتمعوا للعمل في المسجد” تتابع حضور الناس لمسرح العمل، رجالا وأطفالا وبعض النساء اللاتي تعودن على أن يَغْشَيْن مجتمعات الرجال، كسعيدة بائعة الخضار في السوق، وعايدة أم غريب التي تساعد سيدات بيت المنشاوي، وزوجة العمدة، وغيرهن من نساء الشهاوية المرفَّهات في أعمال المنزل”، فساتين الأفراح ص 140 هذه الرواية وثيقة حقا، انظروا إلى الجمال في وصف وداد معروف والله لكأني أعيش معهم خطوبة منال وعليها فستان وردي _ لازم يكون وردي، “خرجت منال، وعليها فستان وردي، مطرز بخرز أخضر لامع علىٰ الصدر والذيل, كان فستانا جميلا لا أنساه إلىٰ الآن, بنصف كم، وفتحة صدر مستديرة، أُلْقِيَت على صدرها الممتلئ قلادة ذهبية، تدلَّىٰ منها مصحف بفصوص خضراء, تركت شعرها الطويل علىٰ ظهرها, ووضعت أحمر شفاه وردي اللون, لفتت انتباه جميع النساء بجمالها الهامس” _ “أنا فرحانة بك جدا يا أبلة منال” ، كل هذا عشناه، ملابس المعلمات من البندر ص 76 ، “كنت أنبهر بملابسهن الجميلة، كلهن يلبسن (تاييرات) (تنوراتها) للركبة، (الجاكت) بكم ثلثين” ، نعم في السبعينيات كما وصفت شعرهن اختلفت طريقته، اختلفت طريقة تصفيفه، أبلة فاطمة التابعي شعرها علىٰ كتفيها، أطرافه ملفوفة حول نفسها من أثر لفه علىٰ بكر الشَّعر، أبلة مها التاجوري أنزلت علىٰ جبهتها “قُصَّةَ شادية وتركت شعرها الطويل علي ظهرها، أبلة سنية المحمودي جمعت شعرها المجعد في كعكة مستديرة ثبتتها بمحابس الشعر الملونة، ودست فيها وردات معدنية براقة، تراث وثقافة خلدت في نص الأستاذ.
زفة الهلال، الاحتفال بموكب الهلال في القرية، الانتخابات، تنافس عبد الحميد البطل المثالي، وعلي عباس البطل المضاد، الغيور، رغم أنه قد وصل إلى درجات ودرجات إلا أنه يغار من عبد الحميد، من قدره، من قيمته، من محبة الناس له، من القلب الذي لا يستطيع أن يحصل على هذه المحبة وذلك الإكبار في العيون ، وهذا التقدير، ما الذي حدث؟، تطورت حياة الناس، إنشاء مدرسة، مستشفى، مشروع تغطية الترعة الكبيرة، مد شبكة الصرف الصحي، محطة تنقية المياه، عمي حسن المنشاوي يعرض بضائع مستوردة ص 245، في فترة السبعينيات بعد أن سافر الناس للعمل بالخارج، كما فُتحت محلات كثيرة لتجارة المستورد, من الملابس والأواني والأجهزة, حينما نظرت أمي للبضائع في محل فتحه عم حسن المنشاوي في بيته, وقد وضع حوامل حديدية أمام محله الذي كان يواجه شرفتنا, على الحوامل (بلوزات بليسيه) و تنانير بكسرات وفساتين (ديولين، وسموكن وتيرافيرا), كما أضاف ركنا في محله, لعرض (شباشب) من البلاستيك, بألوان فاقعة صفراء.
اختلاف أجيال، كل هذه أشياء حدثت في القرية في فترة السبعينيات، وهكذا استطعنا أن نقرأ نص الأستاذ لوداد معروف وفقا لمقتضيات النقد الثقافي، بحثا عن الأنساق من خلال المرجعية الثقافية، لنثبت أن السرد الروائي أكثر من مجرد خطاب روائي، بل هو تشكيل عالم متخيل، عالم ضمنه استراتيجيات التمثيل وصور الذات، عن ماضيها وكينونتها، تنسبك فيها تحيزاته وتكويناته العقدية يسوقها الحاضر بتعقيداته، بقدر ما يسوقها الماضي بتجلياته التي أنتج منها النص الروائي، لا يمكن أبدا أن ينعزل النص عن مجتمعه الذي أنتج فيه، هذا النص حافل حاشد بالأنساق المضمرة التي أظهرتها موهبة الأديبة الحكاءة البارعة التي تأخذك في رحلة في عوالم الماضي الجميل ، اقرأوا الأستاذ لوداد معروف واذهبوا في رحلة جميلة إلى الماضي الجميل الذي قد نكون عشنه أو سمعنا عنه أو قرأنا عنه أو شاهدناه في أفلام الأبيض والأسود لتروا كيف كنا وتتحسروا على ما أصبحنا فيه.