إن العنوان الذي يلتصق به العمل الروائي قد يكون صورة كلية تحدد هوية الإبداع,وتيمته العامة، وتجمع شذراته في بنية مقولاتية تعتمد الاستعارة أوالترميز, وهذه الصورة العنوانية قد تكون فضائية يتقاطع فيها المرجع مع المجاز، فمثلا عنوان رواية ( الخدم في إجازة ) عند الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) كمكان, وقيامه بدور المركز في الحركة السينمائية ,وتحديد مصائر من يسكنه جعله يقوم بدور البطولة الفعلية في الرواية ,ويفرض نفسه على عنوانها ,ويبلور رؤية المؤلف لعالمه, فنراه يقول :سفانة لؤلؤة القرية كما يحلو للبعض ان يسميها فيها نكهة الجمال الطبيعي الريفي الصارخ طويلة فرعاء عيناها عسليتان ينفذ منها نور عجيب وجنتاها متورتدان شفتاها بريئتان خاليتان من الاصباغ انفها الدقيق يسر الناظرين شعرها الأسود الطويل ينسدل على ظهرها بضفيرتين بشرتها البيضاء المتشربة بالحمرة تزيدها جمالا كل شيء فيها جميل حتى اسمها, إن تشغيل الكاميرا في المتن السردي يعني – قبل كل شيء- استهداف القصد بشكل مرئي , بغية رفع أحساس المتلقي بالمسرود , وتتمكن من تنفيذ استهدافها هذا عن طريق سلوكها الذي تقوم به لصناعة اللقطة , فهي بهذا السلوك أنما تقدم اللقطة على أنها حرف سينمائي متبدل بحسب نغمة التجويد لهذا السلوك , فالكاميرا هي التي تقوم بتصوير الكل بواسطة تجزئته باللقطة, : ان تشغيل الكاميرا في الرواية يعطينا صورة واضحة عن استخدام هذه التقنية الحداثوية من قبل الروائي ( عبد الزهرة عمارة ), وهو ينقل الكاميرا من بداية اللقطة السينمائية التي وصفت المراة الجنوبية سفانة ومن ثم انتقل بكاميرته للحديث عن بطلة الرواية سفانة التي ينقل لنا مشهد زفافها من حسن البلام , فنراه يقول : زفت سلامة بائعة اللبن الى حسن البلام في يوم ربيعي دافئ بعد جذ وتراخي من عمها المتسلط القاسيالقلب في حفل بهيج حضره بعض شيوخ القرية كالشيخ عواد رئيس عشيرة الحمران والشيخ جابر رئيس عشيرة زبيدة وكل من ضابط المركز للشرة وطبيب المركز الصحي وإمام المسجد وسادة وإشراف والعوام من أهالي قرية السعدية , هنا بدأت عين الكاميرا نحو شخصية ( مجبل) ,وهي تصور المشهد السينمائي قتل شقيق الشيخ في القرية ,وكيف استطاع الروائي المبدع ( عبد الزهرة عمارة ) من تحويل الرواية إلى مشاهد سينمائية متقطعة إذ جعل من كل شخصية من الشخصيات الرئيسة تتحدث عن الماضي ,وربطه بالحاضر ,وهذا ما نسميه بالنقد الحديث (الاستباق والاسترجاع) , فهو جعل الحدث الرئيس مقتل ( مجبل ) شقيق الشيخ ( عواد ) رئيس قبيلة زبيدة وبدأت كل شخصية تروي عن لسانها الإحداث الماضية عن طريق الفلاش باك ,(سفانة , سلامة , حسن , خالد ,الشيخ عواد , فضة , جسار , علي سعيد , ثامر , كوكب , جمانة , حمزة …) .
ينقل لنا الروائي ( عبد الزهرة عمارة أهم حدث في الرواية وهو مقتل ( مجبل) شقيق الشيخ عواد , فنراه يقول : بزغ الصباح على قرية السعدية المطلة على نهر الخير الذي يأخذ مياهه من دجلة العامر شاحبا هزيلا ونشر الضيائ على البيوتات الحزينة بعد ليلة عاصفة نزلت على بيت الشيخ جابر رئيس قبيلة زبيدة بعد مقتل اخيه الاصغر مجبل ليلة امس في ظروف امضة سجل دعوى قضائية في مركز الشرطة حضر ضابط المركز إلى مضيف الشيخ جابر لتهدئة الموقف واتخاذ الإجراءات القانونية لمعرفة الجاني,ما ميز الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) إدخاله تقنيات حداثوية في روايته ( الخدم في إجازة ) فهي رواية ذات أصوات متعددة بامتياز ,وتحتوي على عدة مشاهد سينمائية تأخذ اللقطة معنى مزدوجا : أنها تدخل أللاستمرارية, والتقطيع ,والوزن في الواقع امتدادا مكانيا , أن نصوغه في السينما كسلسلة , وذلك عن طريق تجزئته إلى لقطات ومن ترتيب تتابع هذه اللقطات , إن تقديم الرواية وفق قوانين حركة التصوير يضع الرواية وسط مكاشفة سردية تتعامل مع الضروري , وهذا العمل يعد حتمية ت وبهذا التوصيف تكون الكاميرا وحدة الشعور الفيلمي فهي التي تؤسس الحركة العامة للفيلم وهذه الحركة تتكون من حركة تصوير المنظر , ومن الحركة داخل المنظر وبذلك تؤدي الحركة إلى تغيير التكوين , ويؤدي بنا إلى تغيير التكوين الحركي إلى تغيير الانفعال, ثم تنتقل عين الكاميرا الى الحدث الابرز الثاني وهو خطف ابنة القالضي , فنراه يقول : وفجاة حدث زلزال في القرية جاء احد رجال الشيخ ليعلن الخبر أي خبر ابة القاضي خطفت وراح الجميع يتساءلون من الخاطف ؟ ولمن المصلحة في خطفها ولماذا ؟ صدم الشيخ عواد بالخبر نهض خرج من المضيف جمع رجاله القي عليهم رسالته كلام كالسهام خرج من فمه ليعلن أمامهم القرار قائلا البنت يجب ان تعود فورا ؟ ابحثوا عنها في كل مكان التهمة ستنسحب علينا مهما كانت التبريرات لا احد يصدق الويل كل الويل إذا وجدت ان احدا منكم له يد في عملية الاختطاف سيكون حسابه عسير انفى الجميع ضلوعهم في العملية لكن من يدر يبقلب الأخر وتفكير الاخر, لقد اشتغل الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) على دعم نصه بهوية سردية بصرية من خلال التعامل مع الكاميرا التي تهدف من وراء ثباتها وحركتها إلى ترجمة قصد محدد, وهو بذلك يعمل على وضع نتاجه ضمن مجال بصري تتراجع فيه اللغة لأجل الصورة , كما هو الحال في السينما فاللغة في الشريط السينمائي تكون مجرد ظهير للصورة ,إذ يتم الاستدلال على قصد المسرود عن طريق تتبع سلوك التصوير فبتغيير سرعة الكاميرا يمكن التعجيل بالحدث والتباطؤ به, وكذلك تتوفر للكاميرا ميزات تمكنها من تبني دور الراوي فهي – فضلا عن عملها أثناء ثابتها – تتمتع في التحكم بتقسيم اللقطات المتحركة بحسب متطلبات وجهة النظر, ومن هذا التحكم تأخذ أهم أوضاعها التي تمكنها من متابعة الروي وهي :-
1-الكاميرا تسير محاذية للموضوع .
2-الكاميرا تسير إلى الأمام أو إلى الخلف من الموضوع .
3-الكاميرا تستعرض الموضوع أفقيا .
4-الكاميرا تستعرض الموضوع من الأعلى إلى الأسفل أو بالعكس .
ويمكن استعمال كل حركة على حدة أو الجمع بين حركتين أو أكثر , وكل لقطة تبين مجموعة مختلفة من العناصر التي تكشف عن المعلومات , إن استدارة الكاميرا من نقطة ثابتة من التقنيات السينمائية, وهي بتغلغلها في الرواية المكتوبة تكون قادرة على تشكيل وزن سينمائي لهذه النصوص إلى جانب وزنها الأدبي لذا يحقق لدينا نوع من التوازي بين الفنين, واللقطة الأفقية تشمل حركة آلة التصوير على محورها الأفقي بوضح ثابت , وهنا تقوم آلة التصوير الراوي بمتابعة الحركة بشكل أفقي – لقد تعرف الروائي ( عبد الزهرة عمارة) على هذا الأسلوب المعاصر- السيناريو- ووعى فاعليته في تجهيز الرواية باليات من شانها أن تعطي للمسرود نكهة خاصة تتفاعل مع فعل القراءة ,وتفتحه أوسع أمام تحركات التأويل , يفتح الروائي مشغل سرد رواية ( الخدم في إجازة ) بدورية سيناريوية تدور حول تهيئة الوضع السردي , وذلك بموضعة الشخوص , وتنضيد وحدات المكان النصي , إذ يقول : وجيء بسفانة وناعسة كسبايا إلى بيت الشيخ جابر الذي امر ان يذهبن إلى حجرة الخدم مباشرة لحين تدبر الأمر وفي حجرة الخدم بدا الغمز واللمز من قبل الخدم يطال سفانة وهي صامتة تسمع ولا تحرك ساكن وأخذت إحدى الخادمات تسخر منها وتغني بصوت عذب أغنية الفصلية للمطرب الريفي الشعبي عبادي العماري ( جابوها دفع للدار لا دريم ولاحنه ولا صفكه ولادف النعر بالسلف لا هلوله لاملكه, ما يميز رواية ( الخدم في اجازة ) للروائي المبدع ( عبد الزهرة عمارة ) بدأت فيها من النهاية للحديث عن بطلة الرواية ( سفانة) الفتاة الريفية المظلومة والمضطهدة ,حتى وصلت بداية الرواية ,وقد تحققت تقنية المونتاج السينمائي , عن طريق عرض سيناريو الأحداث التي جرت , وتقطيع المشاهد بحسب الشخصيات الرئيسة المذكورة في الرواية , وحركة الكاميرا أفقيا وعموديا , وتميزت أيضا بالبناء الروائي النادر في زمننا الحالي ,لم يكتب بهذه الطريقة إلا القليل من الروائيين الكبار أمثال جبرا إبراهيم جبرا , وغائب طعمه فرمان وغيرهما , وجاءت بحبكة لا تعرف الرخاوة من حيث تناول الأحداث , وتمنح هذه الوسيلة السينمائية الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) فرصة التحرر من القيود المكانية, والزمانية في السرد الحكائي التقليدي , إذ يتمكن السارد من خلالها من التنقل بين الأزمنة , والأمكنة بحثا عن الأحداث ,والتفصيلات الأكثر أهمية في الرواية , فالتوليف عملية انتخاب وتوقيت وترتيب لقطات معينة في تسلسل سينمائي – وهي العامل الخلاق الفاصل بإنتاج أي فلم- وان انتقالها من السينما إلى الخطاب الأدبي لن يؤثر- بالضرورة- في أهمية دورها في الخطاب الجديد ,فالتوليف بهذا المفهوم يمتلك قدرة واسعة على التخييل , وتقديم اللقطات , المؤثرة فنيا , لأنه مؤسس على تراكب لقطات تراكبا هدفه أحداث تأثير مباشر ودقيق نتيجة لصدمة صورتين, تعبر كل واحدة منهما عن واقع محدد , وتكون مهمة المشاهد / القارئ اكتشاف , وتأويل نوع العلائقية التي يمكن أن تجمع بين هذين الواقعين , استطاع الروائي العراقي المتميز ( عبد الزهرة عمارة ) تناول هذه التقنية الحداثوية في روايته (الخدم في اجازة ),فنرا يقول : ولم تمض أيام قلائل حتى عاد خالد من سفره وهنأ اخيه بالزواج وهو لا يعرف من هي زوجته وفي المساء استدعى الشيخ سفانة وقدمها لأخيه خالد قائلا – هذه سفانة زوجتي الجديدة من عشيرة الحمران ذهل خالد وذهلت سفانة وكان زلزال نزل عليهما لم يقل خالد للشيخ مبروك بل أدار وجهه وغادر المكان لا بل خرج من الدار ولاحظ نفسه يمشي بلا وعي في شارع القرية مهموما بائسا ساخطا حانقا وكم تمنى ان لا يرجع الى القرية كم تمنى ان لا يرى سفانة في هذا الموقف الصعب ,نجد النص الروائي اعتمد على ثالوث التأويل , من خلال حركة عين الكاميرا من بداية الرواية الحديث عن سفانة / الطفلة / اليتيمة/ الفصلية / الزوجة / الهاربة , وقد ترك الروائي التأويل على مصراعيه للقارئ / المشاهد ,بمعنى آخر اكتشاف , وتأويل ( معنى المعنى) المتولد على حاصل الجمع بين اللقطتين من خلال أعمال الذهن , والتأمل , وإعادة النظر في المزج الصوري المونتاج بمختلف أنواعه الزماني , والمكاني , والتعبيري , والاسترجاع الصوري ( الفلاش باك) وغيرها من وسائل التوليف , والمزج الصوري , فكثيرا ما وجدنا الروائي يلجا إلى هذا النوع من التكنيك السينمائي ولاسيما في روايته ( الخدم في إجازة ) التي تشكل السمة الأسلوبية الأكثر بروزا في نتاجه الروائي , إذ تمكن من الجمع بين صورتين الأولى يلتقطها من الاحداث الجارية في الرواية , والأخرى يلتقطها من الأجواء المتشنجة التي تعيشها شخصيات الرواية ,كما يتجلى ذلك واضحا في استعمال المونتاج المكاني الذي يقوم به على أساس الجمع بين صورتين لمكانين مختلفين في زمن واحد أراد شكلا جديدا لحياتهما فابتدأ بالحب والغرام وإنجاب الذرية,إن مثل هذا النوع من المونتاج الذي يقوم على أسلوب المقابلة ,والمطابقة في تصوير ملامح البيئة العدائية الأليفة , يخلق دون شك نوعا من أنواع المفارقة الناشئة من التباين الواضح الذي تمت صياغته بقصديه لمخاطبة المشاعر الإنسانية , واستدعاء حالات التعاطف الوجداني , ومشاركة الشخصية الروائية معاناتها , فنراه يقول : عام 1991 بدأت الفوضى تعم البلاد اثر انسحاب الجيش العراقي من الكويت بالقوة من قبل الجيش الأمريكي بعد معركة غير متكافئة وبدت مدن جنوب العراق خالية من الشرطة والأمن وكثر قطاع الطرق واللصوص واستباحت دوائر الدولة شملت الفوضى السجون وأصبحت خالية من الحراس فاندفع السجناء وكسرو الأبواب وهربوا وكان من ضمن الذين فروا هو حمزة بن الشيخ عواد ويدخل حمزة دار اهله خلس به تهلهل الأم بعودة ابنها سالما لكن الأب يقي حائرا قلقا, ومن خلال النص الروائي انف الذكر استطاع الروائي نقل معاناة الشخصية ,والاندماج فيها, معتمدا على ذاكرته في سرد الأحداث الماضية عن طريق تقنية الفلاش باك ,والاسترجاع للماضي عن طريق عين الكاميرا التي تتحرك من بداية القصة الرواية مرورا لبقية الأحداث في الرواية لتبين مدى تفاعل التقنيات السينمائية الحديثة مع فن الرواية , والمونتاج ألزماني في رواية ( الخدم في إجازة) للمبدع المتألق ( عبد الزهرة عمارة ) فيمزج بين لقطات صورية لشيء واحد , ولكن في زمنين مختلفين , ما يكشف عن أبعاد دلالية مختلفة, يتوصل إليها المتلقي عن طريق التأمل, والتأويل الذي تسمح به جوانب النص الروائي , وغالبا ما يرتبط هذا النمط من التوليف بعرض تطور الشخصية, سواء في الخطاب الواقعي أو الخطاب ألغرائبي , فيرصد المونتاج التغيرات التي طرأت على الشخصية مع تغير الظروف المرتبطة بتغير الفضاء الروائي , أن الروائي قدم النقد اللاذع والاجتماعي عن طريق المونتاج الزمني بما يحمله من عناصر بصرية ,وذهنية متوزعة بين الماضي القريب, والحاضر يحمل رسالة ذات بعد اجتماعي يمثل إدانة ,واضحة لبعض العادات , والأعراف الاجتماعية السلبية بما تحمله من تجاوز واضح وانتهاك لحقوق الإنسان ولاسيما المراة العراقية الريفية المظلومة , ومن خلال اللقطة الأخيرة لعين الكاميرا التي توجهت إلى بطلة الرواية (سفانة) من اللقطة الأولى التي تحدث فيها عن حياة البطلة , انتهت اللقطة باخر لقطة وهي هروب البطلة من القرية وقررت الزواج بحبيبها (خالد) وهي التفاتة نادرة, ورائعة من الروائي ( عبد الزهرة عمارة ) في حوارية جميلة بين (سفانة ) , (وخالد ) بطل الرواية الذي حاورته بقولها : هربت سفانة من بيت أهلها وعادت الى خالد رغم معارضة ابيها الشديدة استشاط الشيخ عواد غضبا من ابنته سفانة على هذا التصرف في البداية لكنه سرعان ما هدأ لان مكان الزوجة هو بيت زوجها واقتنع بهذا التحليل وسكت … كان بال سليمة لا يهدا الا باغتيال خالد الرجل المسالم الذي نبذ كل عادات وتقاليد العشيرة البائسة وجاء اليوم الأسود وأطلق النار على خالد لكن الرصاصة اخطات هدفها وأصابت سفانة في الرأس وماتت في الحال وهرب الجناة توقف خالد أجزا من عمل أي شيء وأسدل الستار عن فتاة كانت ضحية القوانين الظالمة للعشيرة .
—
(*) ناقد وقاص عراقي