من خلال قراءتي لكتاب ( بتفكيري أنا إنسان ) للكاتب المصري: حسين صبري والذي يتناول الكتاب مهارات التفكير العليا للإنسان، وهي التفكير النقدي والإبداعي وصناعة القرار وحل المشكلات،خلصت إلى أنه..
لقد خلقنا الله بتكوين دماغي معقّد ليس فقط لأننا الكائن السامي في هذه الدنيا . بل لأننا خلفائه الموكلين بإعمار الأرض وبناءها . وهذا لا يكون إلا عندما نطرح الأسئلة بطريقة صحيحة وصحية . حيث نفعّل عمل الدماغ والتفكير والنتيجة تكون الاختراع والتطوير والابداع .علمياً التفكير يفسّر بأنه المعرفة المنظمة التي تنقل الإنسان من المجهول الى المعلوم . وبدونها يلجأ إلى التقليد والظن والخرافة والضلال والوهم والجهالات .
عندما يتبلّد الدماغ ويستسهل الأفكار الجاهزة ويتقلب لوقت طويل داخل التبعيّة ومصفوفة الوعي الجمعي ينحدر الى مكانة حيوانية أو آلية لا تليق بالبشر وانسانيتهم .
أن لا نتقبل الأفكار الجديدة بسهولة ونقاومها بشراسة هذا أسلوبنا في الدفاع عن الاستقرار ومناطق الراحة . وانفتاح العقل على الآراء والتجارب يطور مهارة التفكير ويعزز من أساليب الإنتاجية . ولكن ماذا يحتاج الإنسان ليغير من توجه دماغه المرتاح في الروتين الاجتماعي ونقله إلى مرحلة التفكير الصحيح وتكوين الرأي واختيار التوجّه والهدف !؟
الحقيقة الثابتة أن العقل نعمة متساوية بين البشر . لكن قدرتهم على توظيفه والاستفادة منه هي الحقيقة المجهولة . أن الغالبية العظمى من سكان الكرة الأرضية يعيشون ضمن المجموعات وبثقافة الاستئناس والتدجين حيث يقوم كل فرد بدوره ويرعى مصالح الآخرين دون وعي منه . وهذا هو مبدأ المجتمع . حتى التحرك والتنفس داخله يجب أن يتفق مع الآخرين ويتوافق مع أفكارهم وهذا لا ينفي أهمية النظام لكن يقلل من اهمية العقل البشري ويهدم الإنسانية ، إذن ما هو السلوك المُعبر عن الإنسانية إن لم يكن بناء المجتمعات ؟ .
الأسئلة هي التي تحدد تفكيرك ومنهجيته ! قبعة التفكير تضع لك النقاط الأولى حيث ترسم بعدها الصورة كاملة وتتحرر من أمامك اللقطة من الضبابية والحقائق المفبركة .
هذا يعني كيف تصيغ سؤالك الأول تبعاً للون قبعتك ! . تعلّم مهارة صياغة السؤال بمعرفة أي الألوان ترتدي ! هل تفكر بالعاطفة ، بالحيادية ، بالايجابية والتفاؤول، بالسلبية والنقد ، أما بالإبداع والتفكير المنطلق فوق الحدود .
معرفتك بأي قبعة تسير وكيف تبدّل بينهم يدلك على أن التفكير مهارة قابلة للتعلم والاكتساب ، خاضعة للتدريب والممارسة . نستطيع الاستفادة من نتائجهاًً ، ومن خلالها تتطور إلى امتلاك الكثير من مهارات التفكير العليا . يقول ماسلو : الأعمال العظيمة بحاجة الى العمل الجاد والتدريب الطويل المتقن . المجتمعات ليست خيبات إلا إن عاش أفرادها داخل دائرة المقارنة وأنشأ
كلاً منهم سياج مادي وأطاح بالسياج الأخلاقي .
تساؤل آخر سأجيبك عليه يخص المعرفة والتعلم لأنك بالتأكيد شاهدت أشخاص على درجة علمية مرتفعة بدون مخزون لغوي ومهارات حوار وقدرة على توظيف المعلومات والسبب أنهم يعيشون ضمن الواقع المتتابع والمحدود لم يتم تقليب المعرفة في عقولهم بين مهارات التفكير للخروج بالفكرة الإبداعية .
وتبعاً لمستويات التفكير يمكن الخروج بأفضل نتيجة عند معرفة الفروق بينها والذي يبدأ بالمستوى الحسي المعتمد على المراقبة والتحليل . أما المستوى التصوري يبني روابط بين المشاهدات والأحداث لخلق النتائج . والأخير هو المستوى المجرد الذي يصل بكل ما سبق الى المفاهيم والقناعات والقيم وتحديد الاتجاهات المساهمة البناءة في لاسعادك واسعاد من حولك .
كن واعياً أن التفكير يتأثر بالميول والتوجه والعواطف ويتدخل كثيراً في النقاش والفهم وتحديد المواقف والأحكام تجاه الأشياء والأشخاص . وكلما كانت مهارتك أعلى استطعت توسيع نظرتك . لذلك لا تعتبر آراءك وآراء الآخرين حقائق وتقف عندها . الآراء متغيرة تبعاً للزمان والمكان . ارفع المشهد الى بُعد آخر حتى لا تختلط أفكارك بين الاستناد على حقيقة وعرض رأي ومناقشته ، ولا تبني الأحكام على رأي بل ابنيها على الحقائق لانك بذلك تجني معرفة علمية وتفكر ضمن قواعد وأصول .
مثل أسلوب سقراط حيث كان يحدد ويتفق قبل المناقشة والتعلم على مفاهيم ومصطلحات اساسية يعتمد عليها أطراف الحوار لأن الاتفاق حول ماهية الشيء أول طرق تبادل التعلم والفائدة بين المتحاورين . تكوين الرأي يكون بتسمية الأشياء بمسمياتها .
لا تلون القيم بمصطلحات زائفة كأن تسمي الكذب ذكاء أو الفساد خبرة اجتماعية او النفاق مجاملة .ويندرج تحت هذا البند أسلوب الكوميديا السوداء . يعني السخرية من المشاكل يترك لها طابع متعة وتسلية دون التفكير في حلّها كما يعم الشعور لدى الآخرين بأن هذا الحال واقع ومستدام ومقبول .
الكوميديا ليست لغة لحل المشكلات وطرحها . وأضرار اعتمادها أسلوب مناقشة تسبب في تنويم شعوب كاملة على جروحها النازفة دون ألم ورغبة في العلاج .
بقي أن أذكر أهمية العقل الباطن والواعي في تنشيط الأفكار لأن لهما سلطة واسعة في الدماغ . والترفيه المستمر الذي يعيشه الأفراد بحثاً عن التنفيس من زحمة الحياة يلقن العقل الواعي ويدوّن فيه كل سبل التبلّد والاسترخاء . وهذا يترك العقل الباطن في صراع مع الذكريات والمشاعر والصدمات . يخبئها أكثر ويحرص على دفنها في أعماق الإنسان حتى تترسب اوجاعها في جسده وعضلاته . ثم تتوالى الأعراض والشكاوى . ويكتشف المرفّه عقلياً بعد كل هذا الوقت أن سميّة الترفيه غيبت عقله وأفكاره .
مهارة التفكير تصنع لك حاضر واعي ومستقبل ابداعي . أنت المتحكم الوحيد بكل هذا . وعند قوة عقلك تسقط كل قوة تؤخرك . التفكير سلوك انساني وعليك أن تعيش بحقيقتك الانسانية وليس كما تسيّرك الحياة .