دقت ساعة منتصف الليل؛ ثمة سكون خيم على الحياة من حولي؛ يدق باب البيت؛ لم أتوقع زائرا؛ ترى من يكون القادم؟
أعيش هنا منعزلا؛ انتابني خوف شديد؛ بدأت أفكر في مواجهة مايحدث؛ نظرت إلى عصا أبي؛ تراها تصلح لمواجهة الخطر؟
تسقط السماء مطرا شديدا؛ لوذت بربي؛ ثم آويت إلى فراشي؛ سريعا أخذت في سبات عميق!
رأيت كل الذين كتبت عنهم؛ أبي وأمي ورجلا يشبه أبوطيفة؛ بشكول والراهب حنا؛ مقاما أخضر للسيدة زينب!
بدأت أجمع تفاصيل الحكايات التي دونتها في قصصي؛ أقيمت محاكمة لي؛ كل هؤلاء يقدمون أدلة اتهام ضدي؛ لم تشفع لي طيبتي؛ فأنا متهم بإزعاج الذين كتبت عنهم!
حقا؟
تدوي صافرة قطار عتيق؛ تلوح لي فتاة من دسوق خدها يشبه التفاح!
أظن أنني الآن في شارع شبرا؛ يالغرابة الموقف؛ الحافلة المجنونة والسائق الذي ضربته العنة؛ الشيخ المتصابي والمرأة اللعوب؛ مبنى ماسبيرو قريبا من ميدان التحرير! أسمع صوت رجل يطوف بكفر مجر ينادي:
عيل تايه يا ولاد الحلال!
ناعم ياملح!
رغم أنهم يحتفون بكتاباتي في أمريكا تلك البلاد التي تقدم أفضل وجبات الكلاب الساخنة!
يصر كل من كتبت عنهم أنني مدلس!
يأتي الراهب حنا من “كفر أبوناعم”، يلتمس لي العذر؛ يقول في عظته:
مملكة الرب تسع الطيبين والأشقياء!
يعلو صوت الزغبية تلك التي سكنت جوار النهر ومن ثم سحرت له؛
في لائحة الاتهام:
لقد سرد كل الوشايات التي دارت في كفر المنسي أبوقتب؛ لم يترك حتى النبقة العجوز ولانخل سلمان؛ هذا ولد ساحر!
يخرج عصفور أخضر من مقام أم هاشم؛ يلقي إلي برسالة من سيدنا الخضر؛ مكتوب فيها:
حين كان الهدهد ناصحا؛ لم يفعل هذا مجانا إنه تعشق عيون بلقيس؛ يخرج من سرداب عميق مولانا المهدي مسحورا؛ تمر كل القصص في تناسق عجيب؛ أنسى كل مايدور في الخارج؛ تقام حفلة عرس فقد مضى زمن كان فيه القط خاطبا!
يقترب القطار يحمل الموتى؛ الأولياء يسكنون المحروسة؛ حاولت أقدم دليل براءتي؛ حكاية زين وصفحات من حياة أبي؛ وحدها أمي تدعو لي تمسح بيديها المباركة على رأسي؛ أشتاق إليها، تمسك بكتاب تعلوه صورتها:
القمر عند تلة جادو؛ ينشق المشهد عن أبي حاملا عصاه؛ يتوعد كل الذين اتهموني، أبوسويلم يحمي ولده من الغيلان في دوار الهنادوة!
ينادي أبوطيفة في كفر المنسي أبوقتب؛ لاتتركوا ابن جادو وحده؛ كتب عنكم؛ لكنه كان لصا؛ سرق الحكايات من أفواه الكبار!
في مشهد عجيب ينشق النيل عن الطيب صالح:
الزول يصارع النهر!
ثمة اتهام آخر، في ابتسامة آسرة يرفع الطيب سبابته؛ سيدي القاضى:
هل كان الطيب صالح مدلسا؟
تسرع السيدة المذيعة قائلة:
لم تكن كتاباته غير عصافير في الحلم؛
تشهد أخرى:
لقد أجريت معه لقاء في التلفزيون حكى فيه عن روعة الخضراء جدته؛ كم كان جميلا!
يأتي حاجب المحكمة بتلة من الصحف والمجلات واللقاءات المصورة؛ عن ماركيز وعن النهر وثالثة عن الجن؛ لم يدع من عالمنا شيئا إلا كتب عنه؛ حتى الحب في زمن كورونا؛ يتمتم رجل يتعمم بشال أخضر :
دعوه فهو مجذوب بحب آل البيت!