بمِفصَل عظمة جَمَل يطقطق القاضي على الصخرة الملساء في مجلس المحكمة ويقول: “سكوت سكوت”، فيُصغي الحاضرون من كافة الأجناس والأحجام وقاطني الوديان وسفوح الجبال والقمم وأهل السهل والكهوف، وبكل هيبة ورزانة ينطق بالقرار والحكم:
” بالنظر إلى ما قام به الجَدي من مشاكسة عدوانية غير مسبوقة على الذئب وغير مقبولة بتاتا ، حيث ركله في مؤخرته وصفعه على وجهِه وألقاه أرضا ولطّخ جلده بالتراب شاتما أمّه وأصله، كل هذا والذئب يتوسّل إليه أن ينصرف عنه ويتركه بحاله، إلا أن الجدي تمادى في تصرفاته المتوحشة أكثر كلّما سمع رجاء الذئب، فما كان من هذا الذئب اللطيف إلا أن حاول صدّ الجدي، فوقع الأخير على الأرض ومات بالسكتة القلبية وبأخرى دماغية حسب تقرير الطب العدلي وذلك عندما شاهد أنياب الذئب ومخالبه التي أظهرها بشكل عفويّ غير مقصود، وهذه هي خلقة الله التي لا اعتراض عليها. وبالنظر إلى مبادرة الذئب الرائعة والمنتمية إلى عالمنا المتحضر والمتمثلة بالتهام الجدي بعد موته؛ حِرصا من الذئب على البيئة ونظافة الغابة وحفاظا على رائحة المكان ومنعا لانتشار الجراثيم في الغابة النظيفة؛ بالنظر إلى ما سبق واستنادا إلى أحكام المادة رقم كذا من قانون العقوبات لسنة كذا وكذا، أولا وثانيا وثالثا ورابعا وخامسا؛ فإننا نقرّر التالي:
– براءة الذئب من دم الجدي براءة جدّه المسكين من دم النبي يوسف بن يعقوب.
– تعويض الذئب عمّا أصابه من عدوان وإهانة، بحيث يُفرَض على العنزة أم الجدي ،مع تأثّرنا لمصابها وحزنها على وحيدها الجدي الشقيّ الراحل، بأن تقدّم لترين اثنين من الحليب يوميا للذئب، من كل ضرعٍ لتر واحد، وهذا قرار ساري المفعول لمدة سنة ونافذ ابتداء من مساء الغد. ويمكن للذئب أن يوكّل محاميًا من الثعالب لمتابعة الأمر.
– وجوب انتساب العنزة أم الجدي الشقيّ الراحل وبأقرب وقت ممكن إلى دورة تثقيفيّة توعوية حول تربية الجديان الأطفال، قبل السماح لها بالحمل مجدّدا.
وجوب المساءلة القانونية لأيّ تيس يثبت عليه أنه جامعها أو ساكنها أو تودّد إليها أو حاول الاقتراب منها خلال هذا العام، وذلك وفقا لأحكام المادتين رقم كذا وكذا من قانون الزنا والنكاح غير الشرعي.
– الأحكام المتلوّة آنفا قابلة للطّعن أمام مجلس الضّباع الأعلى بعد مرور سنة على انعقاد هذه المحكمة ابتداء من اليوم.
انتهت الجلسة بصدور القرارات والأحكام بتاريخ اليوم كذا لشهر كذا لسنة كذا”.
يغادر القضاة قاعة المحكمة، وتهرول التيوس بعيدا، ويتملّق ثعلبان إلى الذئب، ويتفرق الحاضرون إلى شؤونهم في الغابة، وتنظر العنزة البائسة إلى ضرعيها المتقلّصين.