تودينها حديقةً باسمكِ.
وتودينها غزالةً تَرفعُ قميصكِ
برشاقةٍ مُشْتهاة.
ألوذُ بحفيفِ الدِّفلى،
كعادتي هُناك؛
كسلْوةٍ هنا،
هي غصَّةُ العُزلة بطعمِ الضباب.
لا هدْأةٌ هنا.
أنفاسكِ هناك،
وأنينُك يتشظى،
يقتفي عزْفَ شبحٍ
يُرجِّفُ الفجر.
يُدغدغني هواءُ أرجوحةٍ
سوَّرتها
ثرثراتُ القداح.
حدِّقي إلى سطوريَ البِيْضِ،
واكتمي حنينكِ.
سُمْرة خَصْركِ،
استجابة الحُمَّى.
أتموَّجُ،
فترُدُّني رعْشتُكِ.
خدعني قلبي مُنذ
براءةِ التصابي.
خدَعْنَني عشيقاتي إذ
قامرن على افْتضاضِ نَزَقي،
فغُصْنَ في عُرْيهِ.
ما زالَ
خجلُ المنفى يذكِّرُكِ
بخرير نهري الأول
فلا تنكثي بملهات غريني.
سأسرحُ بقارب أخرس،
وأمضي.
مجذافي أعمى،
وأمضي.
رِهانكِ أعذارُ موجةٍ ترجُّ
فسائلكِ الضريرةَ،
تُرطِّب شفتيكِ بزبَدِ العِشْرة
وتُعلَّي شبابيككِ العَشْرة.
الشبابيكُ تخفقُ.
أدحرِجُ ليْلي المدعوك
بملاءةٍ بيضاء.
تُقشِّرُني أظفارك
كبرتقالة خضراء.
للآن
لم تمتلئ قارورتكِ
بهَلل المَشيب.
وديعةٌ بكِ مشادات النسيان.
أحملُ عطب نارٍ خاملة،
كوشمٍ شامت.
عِراكي هشٌّ مع الشُّبهات.
****
ساقتْني إشاراتُ الطيْشِ صبياًّ هشَّ البراءة. تُرجِّفُ خُطاي أنفاسي اللاهثةَ. أسْقطُ، وما مِن يدٍ إلاَّ يديَّ تُعليانِ حريقَ الرُّكبتين، فألْعَقُ مِلْحَ الخدوش بلسانٍ يُحْكمُ نأماته. يُماحِكُني يأسُ الزوال بإشاراتِ غيْبٍ متأخرة، مُذ سوَّرتني دورةُ الألوان. طفلٌ مُرفَّهٌ يُناكِفُ بؤس الأزقة، ولجَّة بيوت مُقَرْفصة الشناشيل. أسْترجعُ الزحفَ إليها بلا أوهام، بلا مَأْمَنِ ملائكَ. أُنَحِّي، بعنادٍ أخرس، هرجَ ومَرج الأسواق، وفضولَ الباعة بعرباتهم التي أدْمَنت خشونة الأيدي. أتشمَّم كسلَ حاناتها وملاهيها من خلف متاريس أبوابها تُنحِّي عني أطياف سُكارى بلا أعذار. حديقتي مريَّشة بصباحات الندى، ومؤتزرة بغناء الطارئين بأسْمال مرتعشة؛ تمورُ بهياج سُكارى المَساطر في ظلْمتها.
حديقتي ابنة سعفٍ أهوج انشَقَّ عن أعاجيب الغَرْس. أنْسَخُ، في عَتَمَةِ المواجعِ ، ذكرياتها القديمة مُسمَّدة بعصف الزُّحار. بقُرْبي يحوم المخضرمون من عَهد الملوك، كطرائِد فَظَّةٍ، منتهكين فصائِلَ جساراتي، ويُقهقهون: إنه يتقافزُ كسنجابٍ زئبقي، يا ابن الذُعْرة،على فُسيفساء الزُلِّيْج، يُكركرُ صوْتَها: “سِلْ سِلْ”، يا لغضبِ أبيه.
تركضُ الذكريات غزلاناً على صحائفِ دمي. أُقلِّبُ وجوهاً غابرة، تبحثُ عنِّي، مُلثَّمة بالحُزن، تُدَمدمُ دُعاءاتِ وليٍّ مُخْتطَف. وجوهُ حُفاةٍ، ونفيرٌ من طُهاة القَدَر يهشُّون لهاث الرماد من تحت قدور ” أم البْروم”.
يَخْصِفْن لاطِماتِ الصدور سِلالَ الدمعِ،
تَكْتم أكتافهنَّ ثِقْل الضفائر
صفُّ جنازاتٍ من غنائم الطاعون.
المسحاةُ ترتفعُ،
ثمَّ تكْبو،
سجاها الحفارُ
كحُزنٍ مُمْتدَح،
وظلَّ وحيداً كعادته.
—-
من ديوان “لذعة المنسيات”