…أمطرت اليوم كما لم تمطر من قبل …استلقيت على أريكتي كتابي بين يدي وفنجان قهوتي ينتظر أن يحظى مني برشفة بارد نصف فارغ تماما كما حياتي الباردة النصف فارغة ….كل شيء صامت كئيب كآبة الأشجار العارية عدا عويل الريح الذي يلتهم السكون وأزيز أفكاري الجوفاء المتصارعة في جمجمتي الكسيحة …عقارب الساعة تعاندني هي الأخرى بالكاد تمرر الدقائق تسلمها للساعات.
تكومت على أريكتي أتابع قطرات المطر التي تنزلق ببطئ فوق زجاج النافذة كدمعة انثى ..كدمعة ثكلى…كدمعة الواقفين على أعتاب الرحيل .
فجأة تذكرت ما حدث ذاك اليوم ولم يكن في الحسبان كان ذاك قبل أربعة أشهر عندما تعرفت عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي فخلال تلك الأيام بنيت علاقات متعددة مع أسماء مستعارة لا أعرف لمن تكون هل هي لرجال أم لنساء…كنت أحاور كل من يحاورني عبر المسنجر
إلا أنني وجدت نفسي أقبل عليه ويا ليتني لم أفعل.
أقبلت عليه بشكل كبير جدا …كنت أخاطبه دائما وألجأ إليه ببراءة في الكثير من الأمور حتى أدمنته وأصبحت أتحدث إليه بشكل يومي…أحببت حديثه ونكته كان مسليا ,
وبدأت العلاقة بيننا تقوى مع الأيام أغراني بكلامه المعسول وكلمات الحب والشوق وفي يوم من الأيام طلب سماع صوتي وأصر على طلبه حتى أنه هددني بتركه لي في الشات حاولت بكل ما أملك مقاومة هذا الطلب إلا أنني رضخت في النهاية لمطلبه شريطة أن تكون مكالمة واحدة فقط فقبل ذلك .
كان صوته جميلا فعلا وكلامه عذبا للغاية كنت أرتعش من سماعه لقد ألهب كياني كله ..طلب مني رقمي وأعطاني بدوره رقم هاتفه كنت في البداية مترددة ولم أجرؤ على مكالمته لمدة طويلة لكنني كنت أجد في نفسي شوقا كبيرا لسماع صوته العذب. وإني أعلم أن الشيطان اللعين كان يزينها في نفسي ويصارع بقايا العفة والدين وما أملك من أخلاق. حتى أتى اليوم الذي كلمته فيه ومن هنا بدأت حياتي بالانجراف أبعد مما يتصور…فقد تطورت علاقتنا يوما بعد يوم وأصبح يطلب رؤيتي بعدما سمع صوتي وغالب الظن أنه قد مل سماعه…لم أكن أبالي كثيرا بل كنت أعاتبه على طلبه وفي حقيقة الأمر كنت أكثر منه شوقا إلى رؤيته ولكنني كنت أترفع عن ذلك لا لشيء إلا أنني كنت خائفة من الفضيحة وليس من الله تعالى الذي يعلم خائنة الأنفس وما تخفي الصدور.
أصبح إلحاحه يزداد يوما بعد يوم ويريد فقط رؤيتي لا أكثر…فقبلت طلبه لكن بشرط أن يكون أول وآخر طلب. وأن يراني فقط دون أي كلام..عندها أوضح لي أن السعادة تغمره وهو إنسان يخشى أن يصيبني أي مكروه وسيكون كالحصن المنيع ولن أجد منه ما أكره.
ووافق على شروطي…وأقسم بأن تكون نظرة واحدة لا أكثر…نعم فعلتها تجاوبت معه… تواعدنا وكان الشيطان ثالثنا في أحد الأسواق الكبيرة بالساعة والدقيقة …لقد رآني ورأيته..ويا ليتني لم أره ولم يرني…كان وسيما جدا كل شيء فيه أعجبني…نعم لقد أعجبني في لحظة قصيرة دقائق معدودة ليس إلا ومن جهته لم يصدق أنه كان يتحدث مع من هي في شكلي وأوضح لي بأنني أسرته بجمالي وأحبني بجنون…كان يقول لي ليته لم يرني أبدا. وكأنني حورية من الجنة…هيهات هيهات زادني كلامه أنوثة وأصبحت أرى نفسي أجمل بكثير من ذي قبل حتى قبل زواجي …
هذه بداية النهاية….أجل بداية النهاية لم يكن يعلم أنني متزوجة ولدي أطفال عموما أصبح حديثه بعد هذا اللقاء أكثر رومنسية عرف كيف يستغل ضعفي كأنثى وكان الشيطان يساعده بل ربما يقوده أراد رؤيتي مرة ثانية ولكنني كنت أذكره بالوعد الذي قطعه على نفسك…مع أن نفسي كانت تشتاق إليه كثيرا.لم يكن بوسعي رؤيته وزوجي موجود في المدينة…أصبح الذي بيننا أكثر جدية من ذي قبل أخبرته حينها أنني امرأة متزوجة ولدي أطفال ولا أقدر على رؤيته مجددا. وأن علاقتنا ينبغي أن تبقى على الشات وحسب لم يصدق ما قلته وقال لي: لا يمكن أن تكوني متزوجة ولك أبناء أنت كاللؤلؤة التي يجب أن تصان…أنت كالجوهرة لا بل كالحورية أنت كالملاك الذي لا ينبغي أن يوطأ.
وهكذا أصبحت مدمنة على سماع صوته وإطراءاته دائما أتخيل نفسي وأنا بين ذراعيه بين أحضانه الدافئة حتى أصبحت أكره زوجي الذي لم ير الراحة أبدا في سبيل سعادتنا. وأصبحت أريده أكثر فأكثر وهو بذلك عرف كيف يستغلني حتى يتمكن من رؤيتي مجددا كان كل يوم يمر يصر علي في طلبه وهو يقول : ما الذي يمكننا أن نفعله أنبقى هكذا حتى نموت من الحسرة والحزن؟ أيعقل أنه لا يمكننا الإقتراب من بعضنا لا بد من حل ؟؟ تبا لهذا المجتمع البائس الذي يفرض بتلابيب تقاليده علينا …يجب أن نجتمع أن نكون تحت سقف واحد …لم يترك طريقة إلا وطرقها وأنا ارفض وأرفض وأتحجج.
حتى جاء اليوم الذي عرض علي فيه الزواج. ويجب أن أجد طريقة ليطلقني زوجي حتى يتزوجني بعدها وإن لم أقبل فإما أن ينتحر او يصاب بالجنون أو يقتل زوجي الحقيقة رغم خوفي الشديد إلا أنني وجدت في نفسي شيئا يشدني إليه وكان الفكرة أعجبتني …احترت في أمري وأصبحت أرى نفسي أسيرة لزوجي وأن حبه لي لم يكن حقيقيا بدأت أكره منظره وشكله…وكأنني الوحيدة في هذا الكون الذي عرفت معنى الحب..وبمقدار حبي له وتمكنه مني ومن مشاعري عرض علي أن أختلق مشكلة مع زوجي وأجعلها تكبر حتى يطلقني…لحظة لم يخطر ببالي هذا الأمر فقد اختمرت الفكرة في ذهني وبدت لي هي المخرج الوحيد لأزمتي تلك…وعدني بأنه سوف يتزوجني بعد طلاقي مباشرة من زوجي وأنني سأكون كل شيء في حياته… وسوف يجعلني سعيدة طول عمري معه.
لم يكن وقعها علي سهلا…وفعلا بدأت أصطنع المشاكل مع زوجي وأخطط لها مسبقا حتى يكرهني ويطلقني بقينا على هذه الحالة عدة أسابيع ولكن مع طول المدة كان يصر على رؤيتي لأن زوجي ربما لن يطلقني بهذه السهولة. حتى طلب مني أن يراني وإلا لن يتفاعل معي على الشات مجددا. فعلا قبلت دون تردد مني وطلبت منه مهلة أتدبر فيها الأمر.
وفي يوم من الأيام سافر زوجي إلى العاصمة مكث هناك أسبوعين
كانت الفرصة مواتية لأحقق للحبيب المزيف ما يريده وأخيرا رضخت لطلبه…وفي يوم الخميس كان الموعد حيث قبلت مطالب الحبيب المزيف
قلت له : بأنني مستعدة للخروج معه كنت أعلم علم اليقين أن ما أقوم به فيه مخاطرة كبيرة على حياتي لكنني للحظة لم أعد أشعر بالرهبة والخوف كما كنت في المرة الأولى التي رأيته فيها .
خرجت معه…نعم لقد بعت نفسي رخيصة وخرجت معه اجتاحتني رغبة في التعرف عيه عن قرب أتفقنا على مكان وسط المدينة ركبت السيارة معه ثم انطلق يجوب الشارع فالشارع.
لم أشعر بشيء رغم قلقي الشديد فهي المرة الأولى التي أخرج فيها مع رجل غريب لا يمت لي بصلة سوى معرفة أربعة أشهر على الشات اللعين ولقاء واحد دقائق معدودة . كان كما يبدو قلقا ولتبديد قلقه ذاك بادرته بالحديث قائلة: لا أريد أن يطول وقت خروجي من البيت أخشى أن يتصل زوجي او يحدث شيء ما .قال لي بتردد باد على محياه: وماذا لو عرف ربما يطلقك وترتاحين منه …صراحة لم تطمئني نبرة صوته وبدأ القلق ينتابني شيئا فشيئا ثم قلت له: يجب أن لا أتاخر عن البيت فكما تعلم تركت الأولاد وحدهم حينها قال لي : سوف تتأخرين بعض الوقت لأنني لن أتنازل عنك بهذه السهولة أريد أن أملأ عيني منك لربما لن أستطيع رؤيتك مجددا.
بعدها بدأ الحديث يأخذ اتجاها رومنسيا…لا أعلم كم من الوقت بقينا على هذه الحال حتى أنني لم اشعر بالطريق الذي سلكناه. وفجأة كانت الطامة الكبرى..قلت: فجاة إذ أنا في مكان لا أعرفه مظلم أقرب ما يكون إلى غابة …بدأت أصرخ ماهذا يا وليد؟؟؟إلى أين تأخذني بحق السماء؟؟ وإذ هي ثوان معدودة والسيارة تقف ورجل آخر يفتح الباب ويخرجني بالقوة. كان كل شيء ينزل علي كالصاعقة …بكيت صرخت حتى بح صوتي…استنجدت بهم. أصبحت لا افهم ما يقولون ولا أعي ماذا يدور حولي. شعرت بضربة كف على وجهي وهو يصرخ وقد زلزلني فقدت الوعي على إثره من شدة الخوف.
لا أعلم ما فعلوه بي ؟ ومن هم ؟ وكم عددهم حتى؟ كل ما أعرفه أن كل شيء مر كالبرق من سرعته…لم أشعر بنفسي إلا وأنا مستلقية في غرفة شبه عارية ثيابي تمزقت بدأت بالصراخ بأعلى صوتي أبكي ,أبكي وأتألم وكان كل جسمي ملطخ بالدماء لقد جنيت على نفسي ولم تمر إلا ثوان وإذا به يدخل علي وهو يضحك وإذا بي قلت له : بالله عليك خلي سبيلي أريد أن أذهب إلى البيت . قال : سوف تذهبين ولكن قبل ذلك يجب أن تتعهدي بأن لا تخبري أحدا وإلا ستكونين فضيحة أهلك ومعارفك وإذا أخبرت عني وقدمت شكوى سيكون الانتقام من أبنائك لا محالا فهمت يا…..
تملكني رعب شديد كنت أرى جسمي يرتعش من شدة الهلع ولم أتوقف عن البكاء هذا الذي أذكره من الحادثة..ولا أعلم شيئا آخر سوى أنه استغرق خروجي إلى حين عودتي ثلاث ساعات . ربطوا عيني وحملوني إلى السيارة ورموني قرب المنزل الحمد لله أن أحدا لم يرني وأنا في تلك الحالة . دخلت إلى البيت وبقيت أبكي وأبكي حتى جفت مقلتاي تبين لي بعدها أنهم اغتصبوني كنت أنزف دما لم أصدق ما حدث لي …أصبحت حبيسة غرفتي ولم أر أبنائي ولم تدخل جوفي لقمة أبدا ويا ويلي ويا سواد ليلي لقد ذهبت للجحيم بنفسي . ومن ردة فعل زوجي لا تسألوني فيه فبعد هذا الحادث المأساوي لم أعد أشعر بوجوده حتى .
بعد رجوع زوجي من السفر شعر بالتغيير الكبير الذي لم يعهده من قبل .كانت حالتي سيئة للغاية…أخذني إلى المستشفى بالقوة فوجدني في حالة من الجفاف وسوء التغذية..حينها طلبت منه أن يأخذني إلى أهلي بأسرع وقت ممكن. كنت ابكي الليالي الطوال وأهلي لا يعلمون شيئا ويعتقدون أن هناك مشكل بيني وبين زوجي. لا احد يعلم ما الذي حل بي حتى أن والدي عرضني على بعض القراء اعتقادا منه بأني مريضة وبي مس من الجن.
أنا فعلا لا أستحق زوجي …لا استحقه أبدا في السابق كنت أطلب الطلاق لنفسي. ولكن هذه المرة أطلبه إكراما لزوجي وأبو أبنائي. أنا لا أستحق أن أعيش بين الأشراف مطلقا وكل ما جرى لي هو بسبب طيشي وبسبب الشات اللعين. أنا التي حفرت قبري بكلتا يدي. وحبيب الشات لم يكن سوى صائد للفريسة هذا الوغد أخذ مني ما يأخذه الديك من الدجاجة بعدها تركني كسيرة الجناح….أنا فعلا غبية ساذجة بل أستحق الرجم. أتمنى أن يسامحني زوجي فهو لا يستحق هذا العار وأبنائي آآآه على فلذات كبدي…أنا السبب….أرجو أن يسامحوني.
صح في لحظة ضعف مني ليس إلا شعرت بالفراغ ورغبت في الإحساس بالاهتمام. ولأن زوجي لا يهتم بي وأعيش حياة كلها مد وجزر وزجر أيضا. عندئذ قررت أن أهرب من الواقع ودخلت العالم الافتراضي علني أجد فيه ما يسعدني إلا أنني لم أحصد من ورائه سوى البلاء والندم. كنت أعتقد أنه عالم مخملي مزدان بقلوب كالدرر وأرواح باذخة الطهر…يا حسرتاه على أحلام جميلة ضاعت. فعلا لقد حدث مني خطا كبير لضعفي ساعتها ولسماحي لهذا الشخص أن يقتحم قلبي ويلعب بعواطفي ويتسلى بها لوقت ما . فلا يوجد خطأ بدون توابع ففي الأخير كشف هذا الحبيب المزيف عن شخصية الوغد المخادع التي يحملها بين جنبيه. وكما تعلمون البدايات الخاطئة لا يتوقع منها إلا النهايات المحزنة فما بني على باطل فهو باطل لا محالا. كان علي ألا أثق به أكثر مما يستحق وأن لا أقترب منه قبل معرفته جيدا
من المؤكد أن حل المشاكل في العالم الواقعي أفضل بكثير من البحث عن حلول في العلم الافتراضي لكم حذرت نفسي مرارا وتكرارا وإذا بي أسقط ي هذه الشباك الملوثة نهاية المطاف.
دقت الساعة دقاتها الثلاث ففتحت عيني علمت إثرها أنني غفوت وأنا أواسي قطرات المطر المهزومة مثلي …العالقة مثلي بين المعابر.. ابتسمت في تحد فقد أزهقت قرابة ساعة في غفوة, أمتدت أناملي في ارتباك إلى متصفحي أزلت التطبيق من على الهاتف ونمت نومة عميقة …عميقة جدا.