المكتبة التي حان رحيلها بعد الضّرة التي جاءت عليها المكتبة الرّقميّة، هو يتفحّص الكتب بدقّةيجذبه غلاف لكتاب جديد وسرعان ما تترك يداه كتاباَ لم يألفه.
ثمّة صوت تردد له فيه نبرة الحروف بين همسها وجهرها صوت لغويّ ثقيل يحمل النشيج والآلام يكتوي بنار الغربة التي ثقلت عليه.
_مَنْ؟
_انا الفراء!
_ماذا تريد؟
_ما أريده قد لا يصل إلى إذنك عند رفوف الكتب التي تقف أمامها.
_افصح عن ذلك!
_ما غاية الإفصاح في زمن قد تموت فيه اللّغة.
_اانت القائل اموت وفي نفسي…………؟
_اجل انا من قلت اموت وفي نفسي شيء من حتّى لقد قضيت اكثر عمري فيها، ومتّ مِن أجلها.
_وانتم كيف حال لغتكم؟
_قد يطول الحديث ايّها الفراء يكفيك (حتّى) التي قضيت نحبك من أجلها!
_هات ما عندك.
_حسناً لقد ضاعت لغتنا بين ارتال الجرّافات، وتبدد صوتها الموسيقيّ عند أصوات مدافع الحروب أصابها التأتأة والعتعة والتلعثم عند جيل ينفر من سماع اللّغة العربيّة دخلت المصحّات عند آلاف المجانين وأصحاب السّل واضاف إليها مرض المناعة المكتسبة رقماً جديداً في ضياعها ولا تنسى كورونا. فها هي تفقد بريقها عند جاحظنا حين تركها مطروحة في الطريق يتلّقفها أيُ سائل ومتعطّش لها، واليوم اكلتها العولمة تريد أن تجعلها شركة لغويّة ضمن شركات الإستثمار والإقتصاد.
_عفواً ايهّا الفراء أطلت عليك بطوك صبرك على لوعة (حتّى) التي ما ابقت منك إلاّ الذكرى.
_أهذا كُلّ ما حصل في لغتكم؟ قال الفراء
_لا هذا، غيض مِن فيض لا اُخفي عليك سِرّاً إنّ الجدران على وشك انْ تغيّر مكانها!
_لماذا…؟
_لكثرة الأخطاء التي تفشّت عليها ولازمتها طويلاً بحكم البندقيّة فما عادت الحروف تقبل الحركات اللّغوية وأخذت الرِّكة والفجّة تنخر بالكلمات وحتّى لغة اكلوني البراغيث فقد كثُر فاعلها اضعافاً وتكاثر دون جدوى ولم يعد لأدوات الجزم منفعة لأنّ القطع أصبح للاعناق اكثر مِن الفعل.
_وبعد ماذا؟ زدني ايّها اللبيب في عصر العولمة.
_لقد مرضت الكلمات عند أفواه المطرب دخلت الرّقص مع الرّاقصين والفحش مع الفاحشين أصابها الهزّ حتّى مجّت الافواه منها.
_عجيب ما تقول!
_بل الإعجب أنّ المثل السائر عندكم كُسير وعُوير وكُلّ غير خير هذا الذّي مقتته الفتاة مِن ابيها حين أراد تزويجها.
_انا فاهم ذلك ما به؟
_تصوّر انّه أصبح بفضل الحروب له سجلّات ومراكز تأهيل وزواج غير مسبوق لهما ليس كما تبرّمت منه فتاة القرن الثاني عندكم!
_يبدو إنّ حياتكم الأجتماعيّة أصبحت وهناً على وهن!
_بل اشّد وهناً.
_ولكن هل مِن شيء عن غريب اللّغة ومستوحشها؟
_انت على معرفة بما ورد عن الجاحظ في متقعّر الكلام والقائل/ وقبر حرب بمكان قفر/وليس قرب قبر حرب قبر.
_وماذا عندكم؟
_شبيك انت انت شبيك هذا الوكت نص جلب ونص بزون.ظهر العلاّسة والقفّاصة وحشو الكلام باجساد البشر طعاماً ومكرّر sms في الضحك على الذّقون وخذ الزّاحف، لوتي، ملطلط، ظهر الحيزبون والطخا.
_الهذا الحد إستهزاتم بلغتكم؟
_بل دفنّاها عشرات المرّات كُلّ يوم صِيغت عليها عنوانات علب السجائر والموبايلوحتّى اسماء الممثلين أشهر مِن علم الخنساء في رأس أخيها ولم يعد تصوّف رابعة العدويّة نافعاً في زمن العولمة ولا اشتياق ابي فراس الحمدانيّ في إذاعة سِرّه وحتّى الكُنى أمثال ابي قتادة، ابي الدّرداء ابي مجاهد أصبحت اسماءً للذباحين وكُلّ هذه الأسماء أصابها النّشوة زمن العولمة فغدت واجهات للعنف وترويع النفوس والعجيب انّها تنشر ليس في الصحف بل على صفحات الإنترنت.
_ماذا عن اللّفظة الأخيرة( انترنت) افهمني – رعاك اللّه-
_ها.. ها.. ها. هي مِن مستحضرات العولمة عند طريق التّبانة وعند مثلّث برمودا مروراً بطريق الحرير!
_ماذا تقول؟
_القرية الكونيّة حيث نطلّع مِن خلال ثوانٍ قليلة على عالم يتغيّر كُلّ دقيقة حياة ترف حياة بؤس وفقر حياة خوف والغريب إنّ كُلّ شيء يعرض فيها حتّى انتم رجال اللّغة ولكن أيّ استفتاء سيضعكم في المركز الأخير وأرقام تعّد على الأصابع باعتبار كم ثقلاء ومتقعرين وسدنة الافواه اللّقطة لكُلّ صغيرة وكبيرة
_من خلال ما قلت انتم اعّق جيل!
_مهلا عليك لا تتسرّع سازودك بما جدّ في زماننا مِن العلس والقفص.
_ما هذه اهي الكُنى لاسماء شعراء وكُتّاب عندكم؟
_ها أنا جمعتها مِن السِنة بعض مَنْ تشدّقوا بها.
_وكني لم أفهم العلاّسة والقفاصةلغويّاَ.
_لا تتعب نفسك فأنا سأقول لك إنّها المصيبة في زمانكم يعني علي:اكل وشرب ورجل مُعلّس :مُجرّب والعلسي منه نبات الصبر وله نور حَسَن.
_ماذا؟
_امّا قفص :هو الخِفة والنشاط والوثب والمقص:الذّي شدّت يداه ورجلاه وبعير قفص :اي مات مِنالحرّ.
_لقد إقتربت من حياتنا الآن عرفت لذّة العلس والقفص عند واثبي الحياة أولئك اهل الخِفّة وكم تلاقت الوجوه فكان العلس طريقها والقفص مصيرها إلى القبور اي كما قال ابن منظور في لسان العرب.
__ولك أخرى
_مثل ماذا؟
_إنّ نقطة توليد الكهرباء اخذت تلّوز
_تلّوز.
_نعم
_وما دخل التلويز بذلك؟
_يقال والعهد على الرّاوي إنّ كثرة استعمال المولدّة وما يحمل عليها من ضغط كهربائي تقوم بااتلويز.
_ها.. ها.. ها
_وهل تاكل التمر مع اللّوز؟
_لا… لا
_قل تلفت وإستهلكت طاقتها
_إذن كيف دخل التلويز اليهاإنّها عجائب انْ تركّبوا الألفاظ لغير معناها؟
_لم أكن لازعاجك لما حصل عندنا في الحياة.
_لا تتعجب فلكل زمان الفاظه وكلمته بيت التنميق والتجميل وبين كلام السّوقة والإبتذال.
_انا لم أعد اسمع أيّ شيء بعد الآن.
__لماذا؟
_لأنني تشبّعت بما توفّر عندي مِن كلمات.
_اهضمها للزمن وهي تتخلّى عنك.
_حسناً ساحاول ذلك.
_اسعدني ما طرحت من كلمات من زمانكم.
_اسعدني ايهّا الفراء بصبرك علينا وعلى زماننا.
_خذ لك كتاباً آخر في اللّغة.
_ااهذي به وحدي في زمن عجائب اللّغة!
_لقاء جديد.
_نعم لقاءآخر.