رحلت يا أبي
وتركت سريرك فارغا
الا من رائحة المسك تضمخ الوسادة
والقاعة في غيابك
أضحت خاوية على عروشها
لا من يجالسني هناك
سوى طيفك والفراغ
أراك تقتعد كرسيك الهزاز
تهمس لمسبحتك
تناجي ربك
تلوك بفمك المعطر بالقداسة
تراتيل الغياب
بابتسامة كنت ترمقني
قبل أن يتخطفك الموت
ويبعدك عني الى الأبد
اه لو أنه أسعفني
ولم يقتنصك من أمامي كفريسة
كنت افتديتك بروحي يا أبي
اه لو أنه كان رجلا
يمشي كما نمشي
يأكل ويشرب ويحزن كما نحزن
لكنت رغبته واستجديته
أن يبقي على حياتك
لكنه الموت يا أبي
ذلك الأمر الجلل
كان ليأتيك
حتى لو أخدت كل احتياطاتك
حتى لو ضربت في الأرض نفقا
أو صعدت الى السماء تبتغي هربا
كان ليأتيك
ويلقي غبار الشجن على وجه أمي
لتبتل عيناها
كان ليأتيك
ويذيقنا طعم الوجع
ويعلمنا طقوس البكاء
نعم رحلت يا أبي
لكن شيئا منك باق هنا
شيئا مثل الضوء يلامسني
يداعب ذاكرتي
كلما توجهت بنظري صوب السماء
وكأنك تلفني بسلهامك الأسود
تمنع عني شبح الخوف والبرد
كما كنت تفعل دوما
رحلت يا أبي
لكنك لم ترحل تماما
لازال اسمك معي يرفرف كاليمامة
والسيف والصولجان
وهذه المملكة الصغيرة
مازالت تحفظ العهد واللمة
المائدة المستديرة والبهو والجدران
حتى العكازة لم تنساك تماما
وإذا مسني من الحزن مس
أغفو الى سجادتك فأطيب مقاما
لازالت كلماتك يا أبي
رنانة بأذني الى الأن
فأنت في القلب دوما
دعاء وصلاة وسلاما