محمد الخرباش شاعر وروائي مغربي شاب يجدف في بحر الإبداع بالشعر والسرد من خلال الرواية التي يحاول فيها أن يشكل فيها طنجة فضاء مكاني من خلال صيغته الخاصة التي يحاول منها فيها أسرها لتتسع لأفق إبداعي أرحب وخصوصا أنها هي مسقط الرأس حيث ولد فيها سنة 1979 و فيها تابع دراسته بكل مراحلها و فيها يشتغتل كمحام بهيئة طنجة وللإقتراب من عوالمه أكثر كان لنا هذا الحوار معه بعد إصداره لعملين إبداعين في جنسين إبداعيين مختلفين في الشعر ديوان تراتيل الحنين وفي الرواية رواية رحيل بلا وداع .
س : قبل كل شيء نشكرك ذ محمد الخرباش على قبول إجراء هذا الحوار وكتمهيد له أين يجد محمد الخرباش نفسه ؟ هل في الكتابة القضائية وما تعنيه من إعداد للمذكرات و مقالات الدعوى والمرافعات وإعداد التقارير … ؟ أو في الكتابة الإبداعية التي تتسم بالحرية والتحرر من كل الإرتباطات المهنية والمواضعات الإجتماعية وغيرها ؟
في البداية ، يسعدني ، ويشرفني، أن أكون ضيفكم، في هذا الحوار الثقافي الماتع،
عندما تكون محاميا، فانك سنجد نفسك دائما مرتبط بالكتابة والأوراق ،وبشكل يومي ،
أيضا ستجد نفسك تعايش قصصا وروايات واقعية تتنوع أحداثها وشخوصها بتنوع القضايا والملفات المعروضة على مكتبك ،لهذا من الطبيعي أن تجد بين أصحاب البذلة السوداء شعراء وكتاب ومبدعين. ولنا في هيئة طنجة نصيب وافر من هؤلاء المبدعين ،ويكفي أن تمر بالقرب من كتابة هيئة المحامين بمحكمة الاستئناف بطنجة حتى يظهر لك العديد من إصدارات الزملاء وهي تعرض على واجهة الهيئة ، وهنا اسمح لي كي أقف وقفة احترام وتقدير لهيئتنا العتيدة نقيبا ومجلسا وزميلات وزملاء على تشجيعهم ودعمهم واحتضانهم الدائم لمثل هذه الإصدارات المشرفة .
وحتى أجيبك على السؤال بوضوح فإن المقارنة بين الكتابة الأدبية والكتابة القانونية غير ممكنة لأنهما صنفان مختلفان تماما، ولكل منهما خاصياته و دوره ، فالكتابة الأدبية كما صورها الراحل أحمد خالد توفيق هي التزام مع القراء بينما الكتابة القانونية هي التزام أكثر شمول واتساع ،التزام مع القسم المهني و مع الأعراف ومع المؤسسات المهنية ومع الزبناء والتزام مع المحكمة والقانون هذا طبعا إذا كان قصدك بالكتابة القانونية تلك التي تنصب على صياغة المقالات الافتتاحية والطلبات والمذكرات بكل أنواعها والتي يمارسها كل محامي بصفة يومية وتشكل جزء من حياتة وهي من المهارات التي يجب أن يتمتع بها قبل كل شييء لأنها تتعلق بحقوق موكليه ومن خلالها يسعى أن يوصل وجهة نظرهم إلى المحكمة الموقرة بما يتماشى مع النصوص القانونية ،
أما الكتابة الأدبية بالنسبة لي تبقى بمثابة تلك الوسادة التي أستريح عليها كلما أحسست بالرغبة في التجرد من كل ما هو مادي والعزلة كلما أردت أن أعيد جزء جميلا أو حزينا من حياتي أن يستحيل أن يعود في الواقع لكن مع الكتابة أستطيع ذلك فهي بمثابة عالم آخر عالم أكثر حرية وبدون قيود لكنها أيضا ليست بتلك السهولة كما وصفها الراحل محمد شكري بقوله إن الكتابة ليست مجرد نزهة بل إنها مسيرة احتجاج.
س : تحضر طنجة بشكل بارز في روايتكم رحيل بلاوداع وديوانكم الشعر لماذا هذا الإستحضار لطنجة وفضاءاتها ؟ هل هو لطبيعة علاقتكم مع طنجة ؟ أم خيار استدعاه الإبداع ولا يمكن تجاوزه ؟
صدقني إن قلت لك أن تواجد طنجة كفضاء ومكان داخل أي عمل روائي هو بمثابة إضافة لهذا العمل، فطنجة وفضاءاتها وشخوصها و مروياتها توفر لأي كاتب جميع عناصر السرد ،وقد كان محمد شكري أول من انتبه لهذا الامر ،وهنا أستحضر إحدى كلماته التي قال فيها لكلّ كاتب مدينته. كازبلانكا لمحمد زفزاف وطنجة لي وحدي”.
ان هذه الجملة كفيلة أن تبين لك حجم ارتباط كاتب وروائي من حجم محمد شكري بهذه المدينة .فرغم تنوع الأمكنة و الفضاءات في أعماله ،غير أن ارتباطه بمدينة طنجة وصل الى درجة الاحتكار فقرر أن يحتكرها لنفسه قائلا( طنجة لي وحدي …)
ومنذ رحيل محمد شكري وأغلب الأقلام تسعى إلى احتكار ولو جزء من طنجة عبر العديد من الأعمال الإبداعية ،لكن الأمر صعب بل مستحيل لأن طنجة عصية على أي احتكار.
س : بعيدا ولو قليلا عن الفضاء وما مايمثله من أبعاد في الرواية و قريبا من الإبداع أين تجد نفسك إبداعيا هل في الشعر ؟ أم في الرواية ما ما تمثله من رحابة واتساع وقدرة على احتضان أكثر من جنس ابداعي ؟
لا يمكنني أن انكر أن الشعر هو معبري الأول الى عوالم السرد الشاسعة، ،فقد بدأت محاولتي الأولى في كتابة الخواطر منذ أيام الاعدادي وبالضبط سنة 1994 ،عندما كنت تلميذا بإعدادية ولي العهد بطنجة،
واستمرت هذه العلاقة مع الشعر والقصيدة والتي تكللت بإصدار ديوان تراتيل الحنين ،لكن الغريب في الأمر أنه ومنذ أن خضت تجربتي السردية الأولى سنة 2021 أصبحت علاقتي بالكتابة الشعرية شبه منعدمة .
وهذا أمر يقلقني صراحة ،لكنه يجد ما يبرره فقد وجدت في كتابة الرواية كل ما كنت أبحث عنه من حرية وسلاسة وفرصة لإيصال كل الرسائل التي تعبر عن أفكاري بعيدا عن قيود القافية والبحر والإيقاع وغيره من القيود .
س : هل يمكن أن نعزو ذلك إلى دقة تمكن الروائي منك مع ما يمثله ذلك من وهدوء ودقة في التقاط التفاصيل في مقابل الشاعر الذي يقوده مزاجه بشكل خاص للكتابة ؟
إن تجربة كتابة الرواية هي بمثابة فرصة لإغناء المعارف واكتساب خبرات جديدة .
فحينما ترغب في كتابة قصيدة قد لا تحتاج إلا لخلوة قصيرة وإحساس عابر ،لكن وعلى النقيض من ذلك عندما تقرر كتابة الرواية فالامر يختلف تماما ،ستجد نفسك مقدما على رحلة طويلة تمر خلالها عبر مسارات متفرعة ومتشابكة و تتعلم خلالها العديد من الأشياء ،وقبل أن تنطلق في رحلتك يجب أن تكون جاهزا لها عبر القراءة الغزيرة والمستمرة لأنك ستضطر أثناء هذه الرحلة للتوقف عند كل كبيرة وصغيرة ،فقد تحرر صفحات وتحذفها أو تعدلها و تسطر الهوامش وتبحث عن معلومات و تعيد صياغة الجمل و تستعين بمدقق لغوي و منسق للنصوص والعديد من الأمور التي تكتشفها وتتعلمها أثناء هذه الرحلة .
س : علاقة بالابداع لكن هذه المرة من زاوية أخرى زاوية القارئ كيف يرى محمد الخرباش القارئ الإبداع المغربي ؟ و ماهي ملاحظات على المشهد الأدبي المغربي خصوصا والثقافي بشكل عام ؟
كل صراحة أنا من بين القراء المهوسين جدا بكل إصدار محلي أو مغربي بغض النظر عن اسم صاحبه ،فدائما تجدني أبحث بين رفوف المكتبات عن العناوين الجديدة وخصوصا مع ظهور جيل جديد من المبدعين الذين يتمتعون بقدر عال من النضج والجرأة على تكسير الصمت حول مجموعة من المظاهر التي نعيشها في واقعنا المعاش وقدرتهم على فتح نقاشات كانت تعتبر في الزمن القريب من التابوهات.
أما بخصوص المشهد الثقافي المغربي ففي البداية لا أحد يمكن أن ينكر المبادرات و المجهودات المبذولة مؤخرا للنهوض بالثقافة محليا ووطنيا من طرف الدولة بشراكة مع المجتمع المدني لكن رغم ذلك فان المشهد الثقافي وللأسف لا يزال محتكرا من طرف نفس الوجوه والأسماء الى درجة أن هذا المشهد تحول في بعض المدن الى صالونات شبه مغلقة .
كلمة أخيرة
أشكرك على إتاحة هذه الفرصة الطيبة وعلى هذا الحوار الشيق وعلى مجهوداتك لنشر كل ما له علاقة بالأدب والثقافة ،وهو أمر تشكر عليه لأن أي عمل أدبي أو فني لا يمكن أن يسمو و ينتشر إلا في أضواء الإعلام الهادف.
وبالمناسبة أجدد تهنئتي لكم على إصداركم الروائي الأخير متمنيا لعملكم المزيد من الإنتشار والنجاح ،وأود ان أختم كلامي بإرسال تهنئة لكل المغاربة بمناسبة شهر رمضان الكريم ودمتم بألف خير .