قبل أن يهم رامي بالخروج إلى عمله، طرقت عفاف الباب. بادلها التحية، وسأل عن أحوال زوجها، ثم تركها رفقة زوجته وانصرف.
أجلستها ملاك في الصالون. وطلبت منها أن تنتظر قليلا حتى تهيء فنجان قهوة بسرعة. بعد وقت وجيز عادت تحمل (بلاتو)، وضعته على المائدة أمام الكنبة التي جلست عليها. أفرغت القهوة، ووضعت قطعة سكر في كل فنجان، وحركتهما بالملعقة، وقدمت أحدهما لصديقتها. أحست بالبرد يتسرب إلى جسمها. تناولت الفنجان، وحركته بين كفيها، فشعرت ببعض الدفء.
طلبت منها عفاف أن تحكي ما وقع لها بالتفصيل. ما سمعته في الهاتف شيء لا يصدقه العقل!
قالت ملاك:
ـ ذهبت في الصباح إلى البنك، سحبت خمسة آلاف درهم من الشباك الأتوماتيكي. سرت حوالي بضعة أمتار في منعرج يمر منه القليل من الناس. أوقفني رجل في سن الأربعين، تظاهر بأنه غريب عن المدينة، ويسأل هل محطة القطار قريبة من هذا المكان؟ ومن أي اتجاه يمكن أن يعبر إليها؟ وبينما أنا أحاول أن أنعت وأحدد له الاتجاه، ركز عينيه في عيني، وبدأ يتمتم بكلام غير مفهوم. وبعد ذلك طلب مني أن أسلمه الهاتف والعقد الذي أزين به عنقي والساعة والخاتم والمبلغ الذي أحتفظ به في الحقيبة. فعلت كل ما طلب مني من غير شعور. وبعد دقائق معدودة اختفى وذاب مثل فص ملح. بقيت احملق في الفراغ مثل البلهاء. عندما استعدت وعيي، بدأت أصرخ، وألطم خدي، فتجمع حولي حشد من المارة يسألون ماذا أصابني؟
عندما حكيت للناس ما وقع، اختلفوا. البعض قال بأن الرجل استعمل السحر، ونصب علي بالسماوي*. والبعض قال بأنه استعمل التنويم المغناطيسي. وفريق ثالث شك في الأمر، واتهمني بالهذيان، وطلب من الله أن ينظر في حالي.
سألتها عفاف :
ـ هل ذهبت إلى قسم الشرطة ؟ وماذا كان رأيهم؟
أخذت ملاك رشفة من الفنجان ثم ردت بحسرة:
ـ سألوا عن اسمي الشخصي والعائلي واسم الأب والأم وتاريخ الازدياد، والعنوان الذي أسكن به، ورقم البطاقة الوطنية، والمكان الذي تعرضت فيه للنصب، وماهي الأشياء التي سرقت مني. ثم طلبوا أوصاف الشخص المحتال. وقالوا بأن الأمن يتوصل بين الفينة والأخرى بشكاوي مماثلة، وأنه يبحث عن عصابة من أربعة أفراد تنصب على الناس بواسطة السماوي، وتغير موقعها من عملية إلى أخرى.
علقت عفاف وهي تتألم لما حصل لملاك :
ـ الحمد لله على سلامتك. كل شيء يعوض.
أضافت ملاك :
تصوري رامي لم يصدق ما وقع لي. قال بأن ما رويته لا يقبله العقل. وعندما حاججته بالبوليس قال بأنهم يكتبون أي شيء يصرح به المشتكي. ثم أضاف ليجبر بخاطري بأنه لم يكذب، ولم يصدق ما جاء في روايتي.
تذكرت عفاف عندما كانت طفلة صغيرة، كيف انبهرت ببهلوان فوق خشبة المسرح، وهو يقدم لها منديلا لتفحصه، وتتأكد بأنه خال من أي شيء. ثم بحركة غريبة نثر المنديل في الهواء، وأخرج منه حمامة بيضاء، فيقيت فاغرة فاها مثل بلهاء فقدت الذاكرة لبضعة دقائق!
المعجم :
ـ برق ما تقشع: مجاز من العامية، يعني افتح عينيك جيدا، لكنك لن ترى شيئا.
ـ السماوي: قيل بأنه ضرب من السحر يدفع الضحية إلى فعل كل ما يُطلب منه من غير شعور.
مراكش 10 أبريل 2023