لقد إستأثر طابع الحروب، و المديح على اغلب المناسبات الادبيّة طيلة العقود الثلاثة الماضية خرجت الدواوين الشِعريّة تصف الحرب كمنهج طبيعي على سياسة الدولة، ولم تحظِ المرأة من نصيب الحروب إلأّ الثكالى، وجعلها الولود المطاحن سنوات الآلام والاحزان ومحاولة التقليل من هواجسها، واحاسيسها وقتل روح الإمومة فيهاَ
ولو تتبعنا الدراسات التي تناولت الام نجد انَّ غرض الرثاء قد صدر عن شعراء تمثَّلت بهم العاطفة والحنان فعوَّضوا ذلك بالذكر الجميل والتصوير القائم على الوفاء ومن ذلك ما صدر عن الشاعر العباسي الشريف الرَّضي حينما خاطب امَّه يرثطها:
ابكيك لو نقع الغليل بُكائي واقول لو ذهب المقال بدائي
وأعوذ بالصبر الجميل تعزَّياً. لو كان بالصبر الجميل عزائي
طوراً تكاثرني الدموع وتارةً. آوي إلى اكرومتي وحيائي
واجمل بيت هو ما يقرره الشاعر ولم ولم يتحقق :
قد كنتُ آمل أن أكون لكِ الفدا. ممّا ألمَّ فكنتِ انتِ فدائي
وصورة للاّم في القرن العشرين عند الشاعر اللّبناني رشيد سليم الخوري الملقٍب بالشاعر القروي :
لو عصفت رياح اللهمَّ عصفا
ولو قصفت رعود الموت قصفا
ففي اُذني عند النزع صوت
يُحوّل لي عزيف الجَنَّ عزفا
ولو يارب في اليوم العظيم
تلوت عليَّ حكمك الجحيم
فلي أمل بأن ستعود يوماً
فتصفح في جهنّم عن يتيم
والشاعر استحضر كلّ متعلقات الحياة وهي ترتبط بالام بصور متعددة بين الحنان والقنوط، وبين صورةالحقيقة وصورة الطيف.، وقد نصل مع الشاعر إنّ كلّ ابيات الشعر لا تفِ بمنزلة الأم.
وتأتي صورة الام في غرض الهجاء، وهو ما تعرّض له الشاعر الاموي إلى توأمه في الشعر الشاعر الفرزدق:
لقد ولدتْ امُّ الفرزدق مقرفاَ. فجاءت بوزٍاز قصير القوائم
وفي الصدق والوفاء للأم يقول الشاعر المتنبّي :
ولو كُن النّساء كمن فقدنا. لفضَّلتُ النساء على الرَّجال
وتبقى هذه الأغراض هي محور الام في ذكر محاسنها، وإتخاذهاهمزة وصل بين ذِكر الاهل والمنبت الذي عاشت فيهربين تحولها إلى حياة جديدة.
ويستمر الشعر في تنارل الام حينما يكبر بها العمريقول الشاعر عبد الرحمن صالح العشماوي/مجلة الفيصل السعوديّة/١٩٨٢/عدد٧٦ من قصيدة له عنوان نبع الرحمن:
رأيت بعينيك المحبّة والعطف. وشاهدت-امّاه-في وجهكِ الّلطفا
حنان وإشفاق عليّ ولوعة. لبعدي فما أغلى الشعور وما أوفى
إذا كان موج البحر يضمر لي اذى. فعيناكِ-رعاكِ اللّه-هي لي المرفا
وحينما يكون الحنين. إلى الوطن تمتزج صورة الام بذلك الحنين، ومن ديوان الشاعرة فدوى طوقان ص/٤٢٤/ط١/١٩٧٨بيروت قصيدة إلى امَّي :
يا امُّ عائد إليكِ أبنك الحبيب
تزفّه عرائس البحار في طراوة الصباح
لؤلؤة ما ضمَّ قلب البحر يوماً
تزفّهُ مشغوفة بكنزها الثَّمين
مثلها بين الَّلآ ل.
الصورة عند الشاعرة تمزج بين غياب الابن ، وهو اشبه بلؤلؤة عند بداية الصباح لامعة بين مثيلاتها.
للشاعرة (أسمى طوبى) قصيدة عنوان امَّي/مجلة الأديب ييناير/١٩٧٠ بيروتتصوّر حياتها مع الأيّام بعد فقدها إنَّها، وتصدر نفثات الحنان عن حلات اليأس والآلام التي رافقت حياتها تضعها أمام امَّها:
في أعلى التَّل في الصمت المَهيب/يرقد القلب الذي أعطى واعطى/ثُمَّ اغفى/ذلك القلب الحبيب/في أعلى التَّل يا أمَّاهُ/اجثو نافثاً آلام قلبي/فاهيبي بي انا يا حُبَّ ايامي/ اهاضت جانحي فحملت اليأس والآلام/القيها إليكِ
ومنْ خلال تلك النماذج تأتي مناسبة الام كُلَّ عام، فهل اسَّسنا لبرنامج إحتفالي يذكر الامّهات اللاتي انجبن في سنوات الحصار والحروب، وفقدان فلذّات اكبادهن.؟ هل صورَّنا هذه المواقف الدقيقة في القصائد من حنان ام من رغبة ام ان تسمع صوت إبنها يتجدد أمامها لغرض الفخر والإعتزاز بها ولغيرها من الامّهات.ممن فقدن اولادهُنَّ في الأسر والغياب.. وضحايا الإرهاب بكلّ صورهِ.؟
حان الوقت لان يجدد الأدب أغراضه في تناول قضايا المجتمع ومنها صورة الام في الشعر كإنسان، ومربّة وما تحتاجه رغم شحّة ثقافته المقروء لكن إحساسها حنانها كفيلان لان تسمع دفق المعاني تتغلغل إلى اسماعها لتوقظ الحنان من جديد تلك التي وصفها الشاعر اللّبناني جبران خليل جبران /”بعد والدتي فقدت يداً حانية كُنت اخفف بها عن عرق المسير.” /
وحتَّى لا يأتي يوم نفقد فيه الامّة فنفقد اليد الحنية، ومهما يكن إنَّ ردَّ الإعتذار والجميل لا يساوي شيئاً أمامها.. وهو جزء يسير لمكانتها في الحياة.