
أقف خلف زجاج نافذة تطل على شكاوى البؤساء ،يتحلقون حول حاويات القمامات وينهشون رغيف ليل حامض تسللت إليه خيوط أيام الشتاء القارس .كانت الليلة ليلاء ،والكون يتلحف عباءة سوداء ،يرفل في جلباب من عوسج كشيخ هرم تقوس ظهره في ٱنحناءة وجسمه تعاقد مع ٱرتعاشة باردة ..الرؤوس زحف إليها المشيب لم يترك جهة إلا وٱحتلها وبسط بياضه عليها..أما الأقدام فحافية ،فلا غرابة!إن أقدام البؤساء دوما حافية ،فالصيف كما في الشتاء..
البؤساء غرقى في الحاويات ،الأيادي تتسابق لفضلات طعام ليلة صاخبة في الضفة الأخرى ، تركن هناك سيارات فاخرة أمام قصر الشهوات بما لذ وطاب من الأطعمة وأنواع المشروبات ،والحور العين من الحسنوات ،فلامتعة ولانشوة ،من غير حسنوات ،وكيف يطيب السهر ويحلو السمر ،وتكتمل الشهوة إلى حد الشبق بدونهن.لم يقذف بهن القدر الأرضي في بئر القذارة والرؤوس تغرق داخل الحاويات ،هن بين مثالب ذئاب بشرية ٱعتادت نهش لحوم طرية ناعمة ،وعيون تنبعث منها رماح الحزن والألم ،وشفاه تبين على أنهن في عمر الزهور التي أينعت في صحراء قلوب الزبناء ،لم تتعود النطق بكلمة “لا ” الرافضة المتمردة.هن في حضرة الذئاب مجرد خادمات عند ذوي الحل والعقد والأمر والنهي.. في ذلك المجتمع الشبيه بالغاب..
من خلف زجاج النافذة تلقيت إشارة المرور لأقيم مقارنة بين الضفتين ؛لكن فارقا حده البحر والسماء يقبل بوجه جهوم أرخى بظلاله الدهماء ،فأضرم بين أقفاص أضلعي حقولا من فلول الكلمات تبعث أحزانا وآهات ملؤها شكاوى الجياع والبؤساء،ومعول الرفض لهذا الفارق الغارق في الفوارق…
البؤساء في وطني يتخبطون كالعميان ،فهو ضائعون وسط ريح هوجاء…!!