هدوء الليل، كأنه الصمت صامتٌ مرتين، نهضتُ للمطبخ بتؤدة، فركت شعري وحركتُ يديّ في الهواء، عتمة الهزيع الأخير من الليل وهذا الوجوم العجيب، يجعل من دقات عقارب الساعة كأنها في حوار سرمدي.. وأنا أصيخ سمعي لها كأني جالس بين اثنين يناقشان موضوعًا أحبّه.
صمدتُ بخطاي نحو “ماكينة القهوة” القابعة عند زاوية المطبخ، فتحتُ رفًا فأخرجتُ علبة تعبق برائحة البنّ، بعد برهة كنت أحمل كوبًا يتضوع منه ريحها، ويتعالى منه بخارها، خمرة الصالحين كما قال أيمن العتوم.
وضعتُ الكوب بسكينة على الطاولة الصغيرة جانب المنضدة، الكتاب موضوع على رأسه حين توقفتُ عن القراءة قبل لحظات، كتفي مازال يؤلمنِي من حادثة السّير، مسدته بلطف وهمستُ بدعاء نحو ربّي..
حملتُ الكتاب وملأت رئتي بالهواء ومددتُ يديّ كعاشق متيم للكوب جنبي، ارتشفت ثم كرة أخرىٰ، ابتسمتُ..
ثم دفنت وجهي في الكتاب..
الساعة لا تهمّ.. مادام أنه الليل.
فحين ترمي الشمس بخيوطها على البسيطة، أقوم للسرير، عساني أنام ساعتين لأقوم بعدهَا للشغل..
قال لي أحدهم مرّة ساخرًا: ستصاب بالجنون هكذَا أو أنك كذلك يا صاحبي.
وما الجنون، وما العقل ؟
وما أدراني أيهما أنا؟
جلّ همي عالمي الصغير الذي أحبّ أن أعيشه كما يطيب لي خاطري..
وجل غايتي أن أموت وأنا راضٍ عن حياتي التي عشت وطويت أيامهَا..
فما همك أنت؟ وغايتك؟
..
نفضت رأسي من هذا كلّه، التفت حولي ؟ أحدثُ نفسي؟
وأنا وحيدٌ في البيت فلم ألتفت أرآني أحدهم؟ فطرة الإنسان غريبة..
ضحكتُ، ضحكتُ حتى دمعت محاجري. أغلقت الكتاب و كرعت من الكوب حتى آخره، ثمّ قمت للسرير عساني أجد ساعتين من الكرى، لأني بعدهَا قائم للدوام.