بائع الجاز يقود حمارًا هزيلاً مُعلقًا في عربة فنطاس، مضيتُ إليه، وقد وضعتْ أمي في يدي قرشًا؛ لأملأ عبوة زجاجية صغيرة.
كـان بائع الجاز يستمرئ الكلام مع النسوان، نظر شذرًا إلى القرش، الذي أعضُ عليه بأناملي الصغيرة، وواصل ثرثرته معهن.
– شوفوا الناس اللي بتحوش علشان تبني عمارات.
لساني تلعثم، ولم أفلح في الرد عليه. عدتُ أدراجي إلى البيت، وأنا أكلم نفسي.
– عمارات إيه يا عم، إحنا لا قيين ناكل.
ثمة تشابه يجمع بين العم يونس وبينه: وجهه، وصوته؛ ربما يكمن الاختلاف فقط في أن يونس يتسم بطول قامته.
أثناء عودتي من القاهرة بعد انتصاف الليل، أجد يونس يجلس إلى بناية، تحت الإنشاء في الشارع الجديد، العامر بالمتاجر. النار دائمًا مشتعلة أمامه، تُنبئ بأنه يمتلك مخزونًا وافرًا من الأخشاب. الوقت ينقضي باصطفاف الأخشاب، وإضرام النيران فيها، وتتبع حركة ألسنتها، واقتباس دفئها.
كان لوهج النار بريق يؤنس وحدته مع كوب الشاي؛ يشاركه أحيانًا واحد أو اثنان من أصحاب المحال، الذين يبيتون فيها أو ممن ينامون بجوار بضاعتهم، التي تفترش الشارع.
عندما ألقي السلام عليه يرد:
– عليكم السلام سيدي، ورحمة الله وبركاته، اتفضل.
صوته يكاد يخترق الشراعات المغلقة لعمارات الشارع. المدهش أنني عندما ألقي السلام عليه نهارًا، حال مروري بهِ في المكان عينه؛ فإنه لا يلقي لي بالاً، وفي أفضل الأحوال:
– وعليكم.