من حسن حظه أن راتبه الشهري وصل جيبه في ذلك اليوم، حتى يستطيع أن يشتري سحور أول ليلة من رمضان، فهو موظف بسيط ولا يملك إلا هذا الراتب! لكن فرحته لم تدم طويلا ، فقد اصطدم بطفلة تحمل فانوسا، فسقط من يدها، وتفككت بعض أجزائه، وقبل أن تنخرط في البكاء، انحنى ليلتقط أجزاء الفانوس، ويحاول إعادة تجميعها، لكنه فوجىء بأن بعض الأجزاء كُسرت، وأنه بعد تركيبه لم يعد ينطق ويردد ( حلو يا حلو رمضان كريم يا حلو) فانطلقت الطفلة في البكاء؛ لذلك أدخل يده في جيبه، وأخرج ورقة نقدية من فئة الخمسين جنيها، وأعطاها لها، فوجيء بها ترتمي في أحضانه وتعانقه وتقبل جبينه، ثم انصرفت بعد أن أخذت الفلوس، وتركت له الفانوس!
حمل الفانوس، ومشى، ولكنه عندما همَّ بشراء طعام السحور؛ فوجيء بأن الراتب غير موجود في جيبه، وفوجيء أيضا بأن جيبه مقطوع وكأنه مقصوص بمقص، لا يدري كيف حدث هذا! شعر أن الأرض تميد به فهو حتى لا يعرف من هذا اللص الذي سرقه! وحتى لو عرفه، كيف سيعثر عليه في هذا الزحام!
في النهاية عاد إلى بيته محزونا، ورغم الحزن الذي كان ينضح به، فرح أولاده عندما رأوا الفانوس وأخذوا يغنون ( وحوي يا وحوي رمضان كريم يا وحوي )
لكنهم بعدما سمعوا الكلام الذي يدور بين أمهم وأبيهم، عن سرقة فلوس الراتب؛ تجمعوا حول والدهم المسكين يواسونه، قال أصغرهم:
– يا أبي لا تحزن، فربما يكون هذا هو الفانوس السحري، وعندما ندعكه، يخرج العفريت، ويلبي طلباتك، ويحضر لنا أموالا كثيرة! أكثر من الراتب الذي سرقه اللص .
ضحك أخوه الأكبر، وقال:
– عفريت في رمضان! حتى لو كان هذا هو الفانوس السحري فلن يخرج العفريت لأننا في رمضان، والعفاريت فيه تقيد بالسلاسل .
سمع الرجل صوت تاجر الروبابيكيا يصيح وينادي كعادته؛ فقام من مكانه، وانطلق نحو غرفة النوم، وأخرج جهاز تليفزيون من تحت السرير، عاتبته زوجته قائلة:
– هل ستبيع تليفزيون أبيك، لقد أوصاك قبل موته بألا تفرط فيه!
– ليس أمامي حل آخر، إنها أول ليلة في رمضان، ويجب أن أشتري سحورا لنا وللأولاد.
حمل جهاز التليفزيون، وانطلق نحو بائع الروبابيكيا، قال له بتوسل:
– أعطني مائة جنيه، وحلال عليك هذا التليفزيون الأثري، ولا يغرك أنه قديم، صدقني هو شغال !
– ياه .. مائة جنيه، يا أستاذ إنه قديم جدا، ولا يساوي حتى عشرة جنيهات !
– عشرة جنيهات فقط! يا أخي صدقني هو شغال، جربه إن كنت لا تصدقني !
أخرج بائع الروبابيكيا مفكا من طيات ملابسه، وبدأ يفك ظهر الجهاز، ليتأكد من محتوياته الداخلية، وبمجرد أن خلع الظهر؛ ظهرت لهما حزما كبيرة من المال من فئة الخمسين والمائة والمائتين جنيه! صرخ الرجل بأعلى صوته، واحتضن التليفزيون، وحمله وعاد مسرعا إلى بيته، وهو يهتف بفرح كالمجنون:
– تليفزيون أبي حبيبي، وفلوس أبي، لا لن أفرط في تليفزيون أبي .