سوق العطارين من أشهر أسواق المدينة القديمة بمراكش، يقع بالقرب من الطالعة. له مدخل من هذه الناحية يشبه ساحة صغيرة تقام بها الدلالة بعد صلاة العصر. يعرض الناس فيها العديد من المنتجات القديمة والتحف النادرة. ويعرف اكتظاظا كبيرا قبل عيد الأضحى. بعض الدكاكين تعرض أجهزة الراديو وتقوم بإصلاحها، وحوانيت تختص ببيع وإصلاح الساعات، وفي الجزء الأطول والأخير تقع المحلات التي تبيع الأواني التقليدية المصنوعة من النحاس أو الفضة مثل البراد والمقراج والصينية والطست والمجمر.
عُمَر طفل نحيف الجسم، يطوي رجلي سرواله حتى الركبتين. ضَعْهُ على الجرح يبرأ. يشتغل بمتجر لبيع الأواني الفضية والنحاسية. اشترى ساعة يدوية من الدلالة بسعر معقول. منذ سنتين اتفق مع والدته على أن تتنازل له عن اثنين في المائة من أجرته الأسبوعية لتحقيق هذا الحلم. حين اقترب وقت إغلاق السوق جمع الأطفال السلع المعروضة في الواجهة، وصففوها في الداخل حتى يسهل على المعلمين إغلاق الحوانيت، وتجمعوا أمام الدكان الذي يعمل به عمر على يسار السوق حيث يتواجد باعة الأواني النحاسية والفضية، وهو يعرض عليهم الساعة لمعاينتها، وأخذ رأيهم فيها .
تطور الحوار بين الجد والهزل إلى أن قفز عبد السلام الطفل المشاكس الذي يعمل بالدكان المجاور، وهو مثل السمكة التي تطير من المقلاة. قال مركزا نظراته على عمر :
ـ أستطيع أن أبلع هذه الساعة إذا قبلت التنازل عنها! هل تراهن على ذلك؟
حمل السؤال تحديا غريبا. لم ينتظر عمر كثيرا حتى أجابه بشكل تلقائي :
ـ إذا بلعتها أتنازل لك عنها.
وهو يقدم له الساعة معتقدا بأنه يمزح، وسيتراجع في النهاية، غير أن الولد وأمام دهشة الجميع أخذ الساعة، وجردها من الحزام الجلدي الذي تُعقد به على معصم اليد، ووضعه في جيبه، ثم قال: باسم الله، وأدخلها في فمه، وبدأ يبلعها بصعوبة. اعتقد مع نفسه أنه عندما يعود إلى البيت، سيذهب إلى المرحاض، ويضعها كما تفعل الدجاجة مع البيضة .
فتح الأطفال أفواههم من الدهشة. ارتبك عمر، لم يصدق ما فعله عبد السلام. ندم على مجاراته في تهوره، وكيف حرمه من ساعة يدوية، انتظر سنتين لشرائها، ولم يفرح بها إلا دقائق معدودة .
عندما عاد عبد السلام في المساء إلى البيت، دخل مباشرة إلى المرحاض، وتَعَصّر وقتا طويلا، ولم تخرج الساعة. لم ينم جيدا. خشي أن تبقى في بطنه لفترة معينة، ويقتله صدؤها. في كل مرة يضع يده على بطنه، ويحاول أن يتحسس مكانها .
بمجرد ما استيقظ في صباح اليوم الموالي توجه إلى المرحاض. لم تنزل البيضة. غادر إلى الدكان حزينا، وخائفا من سخرية جيرانه. انتشر الخبر بسرعة بين أطفال السوق، وللانتقام منه سأله عمر أمام الجيران:
ـ صباح الخير يا جميل. كم الساعة الآن؟
تعالت الضحكات من الدكاكين المجاورة. احمر وجه الفتى، فتيقنوا بأنه لا زال في ورطة.
في اليوم الثالث حصل نفس الشيء، مع فارق أن وجهه بدا نحيلا وشاحبا، يميل إلى الاصفرار، ومتوترا لا يتحمل البسط والهزل بلهجة أهل مراكش .
بعد ذلك ازداد حاله سوءا، فغاب عن السوق. اعترف لأمه بان سبب اكتئابه ساعة حصلت في أمعائه. أخذته إلى المستشفى العمومي، وأجروا له عملية جراحية.
بعد شفائه عاد إلى السوق. لم يأخذ معه الساعة الملعونة. في كل مرة يطل عليه أحد الأولاد ويسأله كم الساعة الآن ثم يختفي. تتعالى الضحكات بأصوات صاخبة من الدكاكين المجاورة، مثل سكاكين حادة تكاد تمزق صدره.
عندما عاد في المساء إلى البيت أخذ الساعة، ووضعها في (المهراز)، وبقي ينزل عليها بعموده حتى سحقها، وتفتت إلى أجزاء صغيرة.