استهل الكاتب بعنوان الرواية (كائن رمادي) عن تمخض الفكرة داخله وسكب كل أبعادها ومايود إيصاله للقارئ من خلال هذا العنوان الغامض كأنه يقول بإختصار مسبق للأحداث التى ستتولد تباعا فى السرد داخل الرواية أنها مطوقة داخل هذه المنطقة الرمادية أى المنطقة التى تتأرجح بين منطقتى الأبيض والأسود أى المنطقة المحيرة التى لا يدعمها العقل والمنطق استمال الكاتب القارئ ناحية هذا اللون فى معظم الأحداث بدء من الإجابات التى طرحها على أسئلته الحائرة فى صوت المزمار فى ليلة عرس إبنه البطل الرئيسى فى الرواية ( وليد ) هذا البطل هو المحرك الرئيسي لأحداث الرواية وهو دائما شديد الحيرة فى أطروحات الأسئلة التى تحاط به نتيجة معايشته لواقع قد يرفضه مرة وقد يتقبله مرات نتيجة لحياته الهلامية التى تشبه راكب القطار الممسك دائما حقيبة سفر رمادية وهنا دلالة واضحة ورمزية لا تغيب عن وعى القارئ أن الكاتب لم يزج بها هباءا فى الرواية ولكن تكملة لصورة تؤرق خيال الكاتب طوال السرد المتواتر فى الرواية نتيجة لهذا اللون الذى يقف كالشبح بين طريقين واضحين طرح الكاتب بأدوااته المباشرة والغير مباشرة قضايا تكاد تكون داخل الرواية حدث عابر ولكن هو على يقين لايود أن تكون كذلك .
رغم مرارة رائحة الذكورية الفجة التى تفرح داخل أروقة الرواية ألا أنه انصاف تام أن من كتب الرواية رجل .
شخصية (وليد ) الذى لا يعرف ماذا يريد ولم تكتفى فطرته الذكورية بزوجة واحدة ربما أراد الكاتب أن يقول بإستحياء أن المنطقة الرمادية داخل الفطرة الذكورية أيضا فى مشاعره اتجاه الأنثى فهو يجدد مبررات طوال الوقت بزواجه من أخرى ولم ينكر أن كل واحدة منهما استمالت قلبه على حده !
سلطت الرواية الضوء على أحداث متشابكة منها قضية العنوسة وتأخر سن الزواج فى مصر وهذه حقيقة لا مفر منها ثم رضوخ المرأة بالزواج برجل فى الستينات من عمره من أجل أن ترضى فطرتها أن تكون أم قبل ضياع فرصة الإنجاب هى الأخرى مثل ( رحمة ) فى الرواية الزوجة الثالثة لوليد كأنه يريد أن يقول رجل مقابل ثلاث زوجات فى المستقبل .
وقف الكاتب بسرده الموجع والرأفة المستترة داخل السرد متعاطفا مع جنسه الذكورى فى قضية تعدد الزواج للرجل بتلميحه من بعيد بنواقص داخل حياته الزوجية ليمنحه بطاقه سفر لمنطقته الرمادية والسفر بلا عائق للتجول داخل عقل البطل وليد ثم مزيداً من المناطق الرمادية اللامعة فى الرواية.
ذكر الكاتب لمحة تكاد تكون سحابة صيف عن عقوق الأبناء فى هذا الزمن فى أول مشهد عن موقف بنت صديق وليد ورفضها أن تفتح الباب لأبيها وقامت بطرده ! ثم اضطر إلى حضور العرس بدون أولاده .
ينتقل الكاتب بين الحدث والآخر ثم فجأة تخرج علينا شخصية الكاتب الأصلية التى تصبغ الحدث بالنزعة الوطنية والسياسية ثم يتصاعد الحدث بتجلى ليعلن الكاتب نفسه عن ر سالته داخل النص شجع الكاتب فكرة إقامة مشروعات خاصة بعيدة عن الروتين الحكومى للشباب التى عجزت الحكومة عن توفير فرص لهم مستقبلاً كما فعلت البطلة ( عائشة ) فى الرواية طغت ثقافته السياسة شارحا صفات أهل المنصورة التى اختلطت بتعاقب الحكام الفرنسيين عليهم وتهجين الجيل وتوارثهم العيون الزرقاء والبشرة شديدة البياض عندما وصف ملامح متناقضة للبطلة ( رحمة) من أهل المنصورة ذات البشرة السمراء .
لم ينأى الكاتب بعيدا عن هوس الناصرية والهالة التى تحولت إلى منطق راسخ فى أذهان الناصريين
فهى ضمن الأسئلة المدرجة فى الحقيبة والحقيقة الرمادية داخل النص عن فكرة الخلود هل الرؤساء رسخوا فكرة الخلود لمجرد نهم ملوك أو رؤساء ثم يعود الكاتب بمرواغة القارئ بلحظة انصاف مباغتة للمرأة بأنها نصف المجتمع والتى ستنهض بالمجتمع مستقبلا مؤكدا على دور المرأة الفعال عندما شرد ذهنه عند تخيل مصير مولودته التى لم تأتى إلى الحياة ( صفاء ) .ثم الحديث عن عائشة وأن المرأة ستكون طليعة المجتمع فى المستقبل.
أنتقل الكاتب فى سرد الأحداث داخل الرواية بخفة لاعبة الباليه تارة ولاعب الكورة تارة أخرى لم نشعر بخفة حدث موت رمزى الذى أوجزه على عجالة سريعا وموته تحت ركام الزلزال ثم مشهد زواجه الثانى من البطلة ( إيمان )
ثم تعمقه فى السرد والغوص داخل تفاصيل التفاصيل لإحراز هدف لصالح النص فى وصفه الدقيق والغير سوى للبطل ( رمزى ) فى جشعه والمتاجرة بقوات الشعب أثناء الأزمات السياسية والاقتصادية كما حدث فى حرب أوكرانيا .
لم ينفض الكاتب عن عاتقه قضية هامة لوح بها وهى قضية الإعلام المتمثلة فى المذيع الذى يطل من خلال الشاشة مؤازرا للفقراء ويطلب منهم ربط البطون وهو غارق فى الثراء وعد الملاين نتيجة أجره على مؤازرة الفقراء !
بدا الكاتب مهموماً بوطنه وقضايا وطنه السابحة داخل الحقيبة الرمادية من خلال روايته كائن رمادى بأن قضية فلسطين لم تسقط بالتقادم لأنها قضية كل العرب ثم وصولا بالأحداث إلى مشروع سد النهضة الكارثى كأنه يود أن يقول فى روايته كائن رمادى نحن فى منطقة حرجة مؤسفة نود الخروج منها سريعا سواء من شخصيات مجتمعية كعلاقة الرجل والمرأة وعلاقة الحاكم والمحكوم وعلاقة الآباء بالأبناء وعلاقة الإنسان نفسه بالكون .وعلاقة الإنسان بنفسه .
صبغ الكاتب الأحداث بين السطور بصبغة فلسفية بحتة بكم الأسئلة الوجودية الذى كان يطرحها على نفسه وعلى القارئ كأنه فى متاهة كونية لاينقذه منها سوى فكرة الموت الملحة عليه طول الوقت لأنها الحقيقة الواحدة التى تخرج عن يقين من دائرة المنطقة الرمادية .
أكد الكاتب أن الإرادة تصنع المستحيل بتحدى البطل وليد مرض السرطان بإرادته القوية وعدم تعاطيه الدواء الكيميائى كأنه رمز لأبعد من فكرة المرض بأن الإنسان يملك أداة تفوق شراسة المرض وشراسة الحياة نفسها .
رفض الكاتب داخل الرواية فكرة التوقف عن العمل بحجة السن وذكر من الأمثلة البطل سائق التاكسى وهو فى سن كبير جدا وأيضاً الكاتب الكبير محمود حسنين هيكل وغيرهم كأنه يرفع شعار أن العمل العطاء لا يقيد بسن مدام الإنسان قادر على العطاء والعمل حتى آخر رمق فيه .
ثم أعاد الكاتب هيكله الرواية فى الختام بحدث عملية المياه لعين البطل ( وليد ) كأنه أعلن تبرأه التام من هذا اللون ليعيده إلى منطقة بعيدة عن اللون الرمادى ويجعل النهاية مفتوحة لرؤية مستقبلية واضحة لعين سليمة بلا علل.