الروائية والقاصة المغربية أمنة برواضي ماضية في نسج أعمالها السردية راسمة أمامهاـ ربما ـ مشروعا يتقاطع فيها عرض المنغصات الحياتية لأفراد معينين في أزمنة وأمكنة معينة. والقارئ لشتى أعمالها يجد هذا الهاجس الذي يقود مسيرتها الإبداعية بدءا من رواية “أبواب موصدة”،و”أحلام مجهضة” و”شظايا حارقة” و”على ذمة التحقيق” و”منعرجات ضيقة” و”عندما تقرع الطبول” وهي منجز روائي يحيل على المعاناة والمضايقات المعيشية التي تصادف الشخصيات المحركة لأحداث هاته الروايات.
في رواية “عندما تقرع الطبول “تبسط الروائية مأساة يتوزعها الشخصيات بدون استثناء،المأساة في الرواية هي البؤرة الباعثة على البحث ،وعلى الصراع مع الذات ومع الآخر من أجل التهدئة المعيدة للتوازن النفسي والعاطفي المفقود.ونعتقد أن الرواية أولا وأخيرا هي مجال إبداعي يتيح لنا التفاعل مع شخصياتها باعتبارها شخصيات لها تتماثل مصائرها ومنطلقاتها وعلاقاتها بالواقع بمرارته وحلاوته.
محور الرواية بإيجاز
تبدأ الرواية بتوقف نزار عن فتح المحل الذي يعيل منه عائلته (في سوريا) بعد سحبه مدخراته من البنوك خشية فقدانها في حال اندلاع الحرب، وانتهى به الأمر إلى توجيه امرأته بسحب أبنائه بعيد عن ويلات التي ستسببها الحرب ..وتفر المرأة لتستقر بالمغرب ،ليجد عصام نفسه أمام واقع يفرض عليه التسول من أجل لقمة العيش،وسيكون رفيقا لمالي هو مامادو الذي دفعه الفقر المدقع للهجرة ،وبصابر المغربي ،وكل منهم يعيش حاملا في ذاكرته قصصا غريبة مفعمة بالمعاناة الإنسانية التي تستدعي الرضوخ لكل التوقعات من أجل العيش.
وسيعيش عصام مع صديقيه ،ليجد نفسه ولحسن الصدف مشتغلا لدى مسؤول على مطعم كبير ،وهو الذي سيجعله يتعرف على أبيه.
البناء السردي في الرواية
شخصيات متشابهة الماضي والحاضر والطموحات
في الرواية سنجد كل الشخصيات بلا استثناء محكوم عليها بالتشرد والبحث عن الدفء هنا أو هناك،لذا تجدها تعيش حاضرا مرا يتوزع بين ماض مؤسف ، وبين مستقبل مجهول التوقعات.
فعصام غارق في بحر الغربة لتتلاعب به أمواجه بمدها وجزرها بلارحمة ولا شفقة ،فالغربة اجتاحت قلبه وعاد به الحنين إلى أيام كان ينعم فيها بدفء المشاعر وسط أفراد عائلته بين وعلى أرض بلده الذي أحبه ويتكلم لهجته مع أناس يحترمونه ويقدرونه ويخافون عليه من أي شيء يؤذيه.. يعيش حاليا وضعا مزريا جعله عويز قوم ذل .
أما مامادو المالي فلم يكن أمام والدته إلا أن تبعث به في رحلة التيه والضياع بعدما باعت ما تملكه حتى لا يلقى هو وإخوته نفس مصير والدهم المغتال.
أما سليم فرغم سوء حاله فهو مقارنة بالاثنين حسن الحال رغم الفقر والهشاشة التي يعيش فيها،فهو حر في وطنه بالرغم من تحمله المسؤولية منذ سن مبكرة ،ويكفيه أن ينام مطمئنا بين أربعة جدران نوما عميقا.
أما أم عصام فهي المطوقة بأحداث تضطرب في ذاكرتها اضطراب الأمواج في البحر،تتذكر يوم تركها زوجها بعد أن قدمها وصايا بصدد أبنائه.
وصاحب المطعم بدوره لم يفلت من معاناة جعلت منه إنسانا محترما لكن بعد أن ذاق المرارة بشتى أصنافها.
بهاته الصيغة قدمت الروائية شخصياتها مطوقة بمآىسي تمتد من الماضي إلى الحاضر..مما يجعل القارئ يعيش في أجواء الرواية مستشعرا فظاعة الحروب وفظاعة هضم الحقوق وتلويث الكرامة باسم الأنانية وسياسة الغاب.
وكأن الروائية أمنة برواضة تلازمها الرؤية المأساوية للعالم و”هي الرؤية المهيمنة على اغلب الروايات العربية التي رات النور بعد نكسة 1967م( إلى اليوم ) والتي تاثر معظمها بحركة المراجعة الشاملة التي عرفتها الحياة العربية في مستوياتها السياسية والاجتماعية والفكرية ..” 1.
ولقد اشتغلت الكاتبة على جعل شخصياتها محملة بثلاثة أدوار أعطت للأحداث دفئها ودرامتيكيتها ،وهي الأدوار العاملية والأدوار التيماتيكية والأدوار الانفعالية.
المكان والزمان في الرواية
في الرواية تجاوزت الكاتبة تعيين الأسماء وجعلت الشخصيات تعيش في أماكن معتادة في كل المدن العربية وغير العربية ، شوارع ،وساحات عمومية ، ومقاهي..كما أنها وهي تتحدث عن ماضي ممادو وعصام لا تعين الأماكن بأسمائها مكتفية بالتلميح إلى طبيعتها فقط. ويعتبر ذلك أسلوبا يختاره بعض الروائيين معللين ذلك بتشابه الأماكن وتشابه أحوال ومصائر الذين يعيشون فيها.
تقول الكاتبة السورية مها حسن ” كتابة الرواية عن مكان لا نعرفه،تشبه كتابة رسالة حب لامرأة نصف غرامنا بجمال عينيها،اللتين سمعنا عن جمالها ممن حولنا،لكن لم نحس بهذا الجمال بأنفسنا،ولم نختبره،هكذا هو فضاء الرواية مجمل معاد التشكيل ،مخترع ،مكذوب فيه ،ولكنه يشبه دائما مكانا تعرفنا عليه واختبرناه،بذائقتنا الكتابية وحواسنا الروائية الشخصية جدا،الفردية حتى أسفل درجات السلم،حيث تعيش الشخصيات هناك ،تنتظر يد الروائي ،لتجلس في فضاء حقيقي،فضاء الرواية ” 2..
أما الأزمنة في الرواية فقد جاءت مختلفة تنتقل بالشخصيات والحوارات من الحاضر إلى الماضي وومن الماضي إلى الحاضر علاوة على الزمن المستقبلي الحامل للهدنة والانعتاق. هذا التداخل بين الأزمنة تفرضه القصة التي تمحورت حولها احداث الرواية من بدايتها حتى النهاية “فضمن الحاضر،هذا الزمن الناظم يمكن الحديث عن التجليات الزمنية الأخرى (استرجاعات أو استباقات)باعتبارها تنويعا في إطار الوحدة ،وتشويشا ضمن انسجام أكبر”3
حوارات واصفة لأجواء مأساوية
يعد الحوار في الرواية كما في المسرحية الحامل للمواقف ووجهات النظر ، والتعبير عن المشاعر ،والحال أن الحوار في هذه الرواية حوار أضفى على مسار أحداثها واقعية نفخت التشويق في مجرياتها مما يجعلها سهلة الاستيعاب والتفاعل مع ما يعتمل ضمن أحداثها.
على سبيل الختم
إن رواية “عندما تقرع الطبول ” لأمنة برواضي ،عمل أدبي ينضاف إلى أعمالها الروائية والقصصية ليشكل مشروعا أدبيا يحيل على ما يجري في مجتمعات من أحداث تعكر صفو حياة البعض فتجعله متعطشا كي يستعيد مقوماته الإنسانية . وبذلك تكون هاته الرواية مفسرة لواقع مرير ،وفي ذات الوقت تلمح إلى بديل جميل جمال الحياة في صفائها وهدوئها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
+ رواية “عندما تقرع الطبول” أمنة برواضي دار ديوان العرب للنشر والتوزيع ـ مصر ـبورسعيد ،الطبعة الأولى 2019م.
1ـ عبد اللطيف البازي ،مجلة العربي العدد 732،نونبر 2019م. ص 77 .
2 ـ الفضاء الروائي …معضلة الكاتب العربي في الغرب مها حسن،مجلة العربي العدد 672نوفمبر 2014 م ص107.
3 ـ الرواية العربية ..من تأسيس الهوية إلى رهانات الحداثة ،أ.خليفة غليوفي ،عالم الفكر العدد171 ـ 2017م،ص 65.
+ اعتذار للأستاذة نجمة التي وردت صورتها مع المقال خطأ في النشر السابق.