نعيد نشر الحوار الذي أجرته الصحفية الجزائرية تركية لوصيف مع رئيس تحرير مجلة بصرياثا الثقافية الأدبية ونشر في جريدة المسار.
(المحرر)
يحتفي طاقم مجلة بصرياثا الأدبية العراقية بالذكرى التاسعة عشر وبصدور العدد رقم247.
هذا العنوان الإعلامي استقطب الأدباء والصحافيين من الجيلين وقدم على صفحاته أطباقا ثقافية من البلاد العربية ،فالكاتب وحتى الصحفي على حد السواء سفراء بلدانهم ولهذا نرى مؤسسها الأستاذ عبد الكريم العامري ينتقي من الأقلام الإعلامية أقواها ومن النتاج الأدبي ما حقق المتعة ،تعود ذكرى التأسيس وتطفىء بصرياثا وهج الشموع التى انطفأت في سماء الإعلام منهم رفاق الدرب يتذكر فيهم ضيفنا العطاء والسند
حاورته :تركية لوصيف /الجزائر
=====
المسار العربي: وأنتم تحتفون بوهج الشمعة العشرين للعنوان الإعلامي المعمر والذي استقطب المجتمع الأدبي العربي ..فتحتم المجال لاستعادة الذكرى لرفقاء مهنة المتاعب الراحلين <هذا الخلط اللذيذ في الكفاح والصبر والتألق كيف تحقق مع مجلة بصرياثا الأدبية ؟
عبدالكريم العامري:- في كل مناسبة نحن نستذكر زملاءنا الراحلين، فهم لهم الفضل الكبير في استمرارية عملنا ومنهم نستمد قوتنا واصرارنا على الاستمرار في تقديم كل ما يخدم الثقافة والإعلام، والمتابع لأعداد مجلة بصرياثا يجد أن هناك ملفات كثيرة قدمناها وهي بمثابة أرشيف لنتاجاتهم وسيرهم الشخصية والأدبية الإبداعية، ومن الذين قدمنا لهم ملفات في المجلة وفي الموقع الإلكتروني ممن لا يعرفهم القارئ العربي بسبب ظروفهم الخاصة، وبسبب تهميشهم من قبل المؤسسات الثقافية لمواقفهم الايديولوجية للأنظمة، نحن لا ننظر الى انتماء الكاتب أو حياته الخاصة قدر اهتمامنا بمنجزه الادبي الابداعي. من جانب آخر استذكرنا وفي كل مناسبة الزملاء الصحفيين الذين قضوا خلال عملهم الصحفي وقدموا أرواحهم من أجل الكلمة الحرة والخبر الحقيقي.
المسار العربي: بلاد المغرب أوطاني من الشام لبغداني ،هذه اللحمة ترجمتها رحلتكم في مجال أبي الفنون حتى رص الرف بمسرحيات منها ماشاهدها الجمهور المغاربي ،تحويل أرض المسرحية من العراق إلى اراضي المغرب العربي الكبير واللقاء بالجماهير يعد نجاحا للنص والإنتاج المشترك ماهي البهارات التى جعلت الأطباق المسرحية منكهة وطيبة؟
عبد الكريم العامري:- المسرح هو عالمي الذي يحتويني والذي أجد فيه نفسي، وأعبر فيه عن أفكاري وفلسفتي اتجاه ما يحدث ومن كل الجوانب، وخلال أكثر من ثلاثة عقود قدمت لي والحمد لله أعمالا مسرحية في بلدان عربية مختلفة، فيما ترجم لي كتاب مسرحي إلى الانجليزية، ومن البلدان التي قدمت فيها بعض مسرحياتي بلاد المغرب العربي، الجزائر وتونس والمغرب وفي مصر أيضا فضلا عن مسرحياتي في بعض دول الخليج العربي والعراق، رحلة المسرحيات تلك أنظر لها من جانب مختلف فهي ألغت كل الحدود المصطنعة، وحطمت قيود المواطن العربي وكسرت القوالب التي أريد منها أن تكبلنا.. الوحدة العربية التي يرنو إليها كل عربي شريف حققتها في مسرحياتي والحمد لله ومن خلالها امتدت أواصر الأخوة مع زملاء من مختلف البلاد العربية. لا أنظر للمسرح كونه عمل يعرض على خشبة صماء، بل أنه حياة بكل ما فيها من رفض وتمرد على السائد المقيت، هي ثورة عارمة تؤثر في النفوس..
المسار العربي: وضعنا اليد على حرصكم الشديد في تحضير جيل جديد من المواهب في كتابة السيناريو وحتى مجال الرسوم المتحركة ،ونحن نعلم أن افلام الكرتون كانت بأصوات عراقية أشهرها سلسلة سنان ..
هل يتوارث الجيل الذي يتم تحضيره روح القتال في هذه المعركة التى ربحها الجيل الأول من فناني العراق؟
عبد الكريم العامري:- من ضمن اهتماماتي الأخرى هو صناعة الرسوم المتحركة العربية 2D و 3D وفتحت من أجل تحقيق حلمي في إيجاد قاعدة عربية شبابية في هذه الصناعة المهمة فتحت قناة في منصة اليوتيوب أقدم من خلالها محاضرات مجانية لكل شبابنا منذ عام 2015 والحمد لله كان التفاعل جيدا، ووجدت من شبابنا العربي اهتماماً في التعرف على هذا الجانب. لقد انتفع كثير منهم وبدأت أنوار هذا الحلم (المشروع) تشع وتتحقق بفضل الإرادة والتصميم والمثابرة والتواصل مع الشباب. حين نتحدث عن صناعة الرسوم المتحركة لا نحصرها بانتاج مسلسلات أو أفلام إنما يمكن الإستفادة منها في الإعلانات التلفزيونية وفي البرامج التعليمية الأخرى مثل الأنفوجراف او التايبوجراف وهي فرصة للتأهيل بعمل يمكّن الشباب من الحصول على وظيفة في حياتهم المهنية.
المسار العربي: نأتي لتشريح مصطلحكم النقدي والذي سمي بالزحف النقدي وهنا يكون الناقد الشهواني حاضرا في النص ..قد ترفع شبه موهبة وتسقط الموهبة الواعدة..كيف تصديتم لهذا الزحف؟ وكيف أنصفتم المواهب العربية؟
عبد الكريم العامري:- ما يؤلم حقّاً أن نجد نقّاداً يميلون إلى جمال الكاتبة/ المؤلفة دون جمالية النص، وهذا واضح عند بعض من يسمّون أنفسهم نقاداً.. والمصطلح الذي أطلقناه لا يحتاج الى تعريف فهو يًعرّف نفسه بنفسه، وهو جرس تحذير وتنبيه لنا جميعاً في أن نهتم بالنص الجيد، والكتاب المهم الذي يقدم معرفة وجمالا، وأن نبتعد عن الخوض بتفاصيل الكاتب وحياته وشكله وهذا للأسف ما هو معمول في كثير من المنصات وأعتقد جازماً أن سهولة النشر هذه الأيام وسرعته جعل هذه الظاهرة، وأقول ظاهرة وليست حالة، واضحة جداً، وفي بصرياثا تصلنا بعض تلك القراءات النقدية أو الدراسات وهي خالية من أي محتوى مهم، فالناقد يسرد لنا تفاصيل الأنثى بكل ما فيها من جمال لكنه يبتعد عن النص الذي هو متن القراءات وقد رفضنا كثيرا من هذا.. هناك كثير من الكتب وفي مختلف الأجناس الأدبية بحاجة إلى دراسات ونقد وهي مهمة جداً، لكن لم يلتفت لها احد للأسف الشديد، فيما نجد كتبا لا ترتقي للأدب قد أخذت حيزاً كبيرا من الزاحفين من خلال النقد وهذا ما يؤلم.. وبحسبة بسيطة جداً نجد أن نصوص الكاتبات لها اليد الطولى في النقد فيما الكتّاب لا يحظون بذلك، ونحن لا ننكر أن هناك كاتبات في مختلف الأجناس الأدبية (شعر وقصة ورواية) يستحقن دراسة كتاباتهمن فهن متميزات ومبدعات إلا أن ما هو موجود اليوم لا يسر وقد قرات ذات يوم نقداً في كتاب كاتبة عربية واستغربت أن العزيز الناقد لم يأخذ من كتابها ما يمكن اظهار جوانبه الإبداعية وجماليته قدر اهتمامه بتفاصيل جسدها وجرأتها كونها أنثى وهذا لعمري بعيد عن النقد ولا يمت له بصلة.
وهناك جانب آخر للزحف النقدي، وهو زحف من يمارس النقد لسماء معروفة في المشهد الثقافي والأدبي العربي، أقصد الأسماء الكبيرة والمعروفة، ويستثني من أعماله الكتّاب من الأجيال اللاحقة، فهو يتعكز على الإسم المعروف لكي يًعرف هو وهذه ظاهرة أيضاً لمسناها من خلال عملنا وقد ظهرت في السنوات الأخيرة.
المسار العربي: حبل الوصال مشدود بينكم وبين القراء بتفعيل المكتبة الإلكترونية ..نريد منكم جولة في رفوف مكتبة بصرياثا..
عبد الكريم العامري:- مكتبة مجلة بصرياثا عامرة بكتب الأدباء والأديبات الذين نعتز بهم، ونحترمهم، ونهتم بهم، والمكتبة متاحة لجميع القرّاء والمتابعين ومن كل دول العالم وباستطاعة أي قارئ تنزيل أي كتاب بصيغة PDF ومنذ انطلاقتها في آب/ أغسطس 2004 دأبت مجلة بصرياثا على نشر كتب الأدباء العرب ومنهم الشباب أيضا والذين هم في أول الطريق، ومن مختلف الأجناس الأدبية لتكون مرجعاً للباحثين والدارسين وقد وجهنا كتب شكر وتقدير وعرفان لكل أديب قدم لنا كتابا للمكتبة وهذا جزء من واجبنا اتجاهه، ومن خلالكم ندعو جميع الأدباء ومن يرغب منهم في وضع كتابه أو كتبه في المكتبة ارسالها لنا مع صورة غلاف الكتاب.
المسار العربي: أن تلتحق أيها الصحفي برفاق مجلة بصرياثا متأخرا خير من ألا تلتحق أبدا هو تشجيع وغربلة للأقلام العربية التى يسمح لها بسيلان الحبر على صفحاتها من من الأقلام ترونها تستحق الإلتحاق بطاقم المجلة؟
عبد الكريم العامري:- مجلة بصرياثا لا تضع شروطاً للنشر سواء في الموقع أو في الأعداد التي تصدر ما دام النص يراعي الجانب الجمالي والادإبداعي المعرفي، وما دام يبتعد عن الترويج للعنصرية أو الطائفية أو الكراهية، فضلا عن أننا لا ننظر الى الأسماء، مع إعتزازنا بكل الأسماء، بقدر ما يهمنا هو النص نفسه، ننشر لكل كاتب، معروفاً أو مغموراً أو مهمّشاً، كما فتحنا الباب على مصراعيه للأدباء والكتّاب الشباب وخصصنا لهم صفحات تشجيعا منا لهم وفي كل عام نقدم مسابقة أدبية في أحد الأجناس يشترك فيها جميع الكتّاب من دول العالم، وفي هذا العام (2023) خصصنا المسابقة للقصة القصيرة جدا للشباب وكانت المشاركات جيدة جداً ونحن نعتز بكل أبنائنا الذين شاركوا بها.
المجلة عربية، لا تنتمي الى أي بلد بعينه، صحيح أنها تصدر من الجنوب العراقي، الا أننا لا ننظر إلى الجغرافيا بهذا المنظار، فهي لكل الكتّاب، سواء كانوا عرباً أو أجانب، ولدينا مشاركات من دول أخرى، أوزبكستان مثلاً فقد استقطبنا عدداً من الكتاب فيه.
المسار العربي: النسخة الورقية للمجلة وتوزيعها حلم مشروع ..لم تأخر؟ وماهي رسالتكم في هذا الصدد؟
عبد الكريم العامري:- منذ البدء بمشروع مجلة بصرياثا الثقافية الأدبية كانت النية في أن تكون مطبوعة ورقية، وبالفعل أصدرنا عدداً، لكن ما واجهناه هو سوء التوزيع، فلا نجد هنا في العراق شركات توزيع المطبوع مثلما موجود في دول العالم وهي شركات متخصصة توزع بحسب بيانات معروفة، الأمر الذي كلّفنا كثيراً، من المال والجهد، دفعنا مبالغ طائلة لمطبوع لم يصل لجميع القرّاء.. لهذا ارتأينا أن تكون المجلة الكترونية، والمطبوع رقمي، وهو الأفضل، حيث يصل الى كل العالم من خلال شبكة الانترنت. ونأمل أن يستجد الحال واذا ما حصلنا على شركة توزيع محترمة وجيدة فنحن على استعداد لإعادة تجربة المطبوع الورقي.
المسار العربي: لكل مجهود تكريم وعرفان وأنتم تستحقون كيف ينظر للتكريم في المحافل الثقافية العراقية؟
عبد الكريم العامري:- في جانب التكريمات لنا رأي قد يختلف عن الكثيرين، وكذلك فيما يخص المسابقات، للأسف التكريمات في المحافل الثقافية العراقية ليست بالمستوى المطلوب حيث تغيّر العلاقات والأخوانيات وظروف أخرى في معادلة تكريم الشخصيات.. ثم أن هناك منظمات مجتمع مدني تقوم بين فترة وأخرى بنشر أسماء لشخصيات يتم تكريمها دون أن يعرفهم القارئ او يقرأ لهم كتاباً أو نصاً ولم يكن لهم أي دور أدبي أو ثقافي.. ومؤخراً رأينا ظاهرة غريبة وهي منح شهادات الدكتوراه الفخرية لكثيرين من قبل منظمات لا علاقة لها بالمعرفة والتعليم وهذا يفسد قيمة تلك الشهادات الفخرية.
أرى ان التكريم المهم هو تكريم القارئ للكتاب وهذا هو الصدق بعينه اما تلك التكريمات فهي كالزبد سرعان ما يذهب جفاء!
المسار العربي: عندما نقول أقلام جزائرية متألقة ،من تستحضرونه في الحال في مجال الرواية ؟
عبد الكريم العامري:- الجزائر البلد الذي أحبه والذي كانت لي تجربة فيه عامرة بالأسماء الكبيرة في مجال الرواية، ولست في موقف لأقيّم الرواية الجزائرية فيكفينا أن نذكر الراحلين مالك حداد ووكاتب ياسين رحمهما الله، واذا ما استعرضنا تلك الأسماء فلا بد أن نذكر أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج ورشيد بوجدرة وغيرهم من الأسماء الكبيرة التي شكلت وجه الرواية الجزائرية بالرغم من أن هناك كتّاباً وصلتنا روايتهم مترجمة من الفرنسية لأنهم يكتبون بها. وفي زمن الحصار الجائر على العراق كنا نحن الأدباء نستعين بالزملاء في المغرب العربي للحصول على بعض تلك الروايات وبعض من النتاج الأدبي، واتذكر لليوم الصديق القاص المغربي نقوس المهدي والذي كنت على إتصال مستمر معه عبر صندوق البريد العادي ويزودني بتلك الكتب.
الجزائر بلد المليون شهيد، بلد المعرفة، نفخر يوم كنا شبابا بنضال شعبه والذي جسد ذاك النضال في عديد من الكتابات الروائية والقصصية.
المسار العربي: في ختام حوارنا ،كلمتكم في مد الجسور الثقافية في التنقيب عن الدرر المهمشة.
عبد الكريم العامري:- شكرا لك سيدتي الفاضلة، صاحبة الحرف الأنيق، الصحفية المتألقة تركية لوصيف على هذه المساحة لإيصال صوتنا إلى القارئ العربي من المحيط إلى الخليج، والشكر موصول الى إدارة جريدة المسار العربي وكل العاملين فيها من مدير ورئيس تحرير وصحفيين وتقنيين.
..شكرا جزيلا للهيئة المشرفة في ” بصرياثا” على هذا البسط المعرفي الراقي الذي ترفع لواءه..تناسقا وانسجاما وروح التواصل الحديث والمعاصر الذي يسعى الى تسهيل تقديم المعرفة بكل حقولها واجناسها لكل نفس/ روح تواقة اليها..وشكرا جزيلا للإعلامية الاديبة تركية لوصيف التي وجدتها ذات خصال فنية متميزة في حقلي الإعلام والسرد حيث اعتقد بأنها تمثل مرحلة جوهرية في التأسيس لسرديات جزائرية تنبع اصلا من رؤية شابة تتوافق مع مقتضيات الحال…وفقكم الله وسدد خطاكم…