في قلب صحراءٍ بلا نهاية تعلوها أبراج الرمال، وتحت سماءٍ شاحبة تلتهب بنار الصحراء، كان هناك مخيمٌ مظلم ومرعب لجبهة البوليساريو يتواجد فيه جنودهم وأسرى مغاربة متحجرين بالكراهية والحقد. وكان من بينهم جندي شاب يُدعى يوسف. كان يوسف قد وقع في أيدي جبهة البوليساريو بعد معارك شرسة أبى فيها أن ينكسر، فتم احتجازه في هذا المكان المظلم والمرعب حيث كانت تجارب عناصر البوليساريو العسكرية المتوحشة تزيد من حماسهم لإرهاب المحتجزين.
كان يوسف يواجه يوميًا ظروفًا قاسية ومحنًا لا تحصى. تعذبه الحرارة الشديدة في النهار، والبرودة القارسة في الليل، وكان يضطر للعيش على ما يقدر عليه من الماء والطعام المحدودين. كما كان محاطًا بأعداء لا يعرفون رحمة، وقلوبهم مليئة بالحقد. في ظل هاته الأوضاع القاسية، كانت هناك لحظات تائهة لروح يوسف، حيث تجول خياله وتاهت أفكاره بين أماكنٍ أخرى بعيدة. كان يحلم بالحرية والعودة إلى وطنه، حيث يمكنه السير في شوارعه الضيقة والتجول بين أهله وأحبابه. كان الحنين لوطنه وأحلامه الجميلة هي ما جعله يصمد في وجه كل هذه الجحيمية المطلقة من هذه العصابة الإجرامية.
كانت الليالي المظلمة تضفي على المكان أجواءً مُخيفة. وفي إحدى تلك الليالي، جلس القائد العسكري القاسي، الذي كان يُلقب بـ “الظلام الأعظم”، على كرسيه العريش بين أعمدة الخيام المتيبسة. وقد اجتمع مع قادة آخرين ليناقشوا أوضاع المحتجزين وسُبُل تكثيف الحراسة حولهم. تحدث القادة العسكريون بأصواتهم المرتفعة، يناقشون خططاً لمنع أي محاولة هروب.
– “يجب أن نجعلهم يشعرون باليأس والضعف، وإلا سنفقد قبضتنا عليهم”، قال أحد القادة بجلادية ووحشية.
– “نحتاج إلى زيادة عدد الحراس وتكثيف الدوريات حول المخيم”، أضاف آخر.
في نفس الوقت، كان يوسف يجلس في خيمته المتهالكة، وعلى وجهه ابتسامة واثقة، يفكر في الهروب مجددًا. بالرغم من المحن والظروف الصعبة، إلا أن روحه القوية كانت تبعث الأمل في قلوب أصدقائه الذين يشاركونه نفس المصير.
– “يجب أن نفكر في خطة هروب جديدة”، قال يوسف بحماس وهو يجتمع مع أصدقائه المحتجزين في زاوية من خيمتهم.
– “إننا بحاجة إلى تنظيم وتنسيق أكثر هذه المرة”، أضاف أحد الأصدقاء بعقلانية.
كانت الأفكار تتدافع في عقولهم، وهم يتبادلون الخطط والأفكار بحماس. وكان الهدف واحدًا، وهو الحرية. قرروا أن يجدوا طريقة لهروب جماعي يعيد الحرية لهم ولغيرهم من المحتجزين، ولكنهم ارتأوا أن الهروب بشكل فردي هو الصائب. استمر التخطيط والتجهيز للهروب على مدى أيام. تكتموا على خططهم وأخفوها بحذر عن أعين الحراس. كان لديهم العزم والإصرار على النجاح وتحقيق الحلم بالعودة إلى الحرية، بعد أن تيقنوا أن الأمل والصمود يمكن أن يكونا سلاحًا قويًا للتغلب على الظروف الصعبة.
في إحدى الليالي الباردة، وهو نائم تحت سماء تزينت بالنجوم، شعر يوسف بشيء غريب يتمدد من داخل صدره. لم يكن يفهم ما يحدث، لكنه شعر بالسكينة التي لم يشعر بها منذ زمن بعيد. وبينما كان يفكر في ذلك، بدأ جسده يرتفع عن الأرض ويطفو في الهواء. فوجئ يوسف بأنه يحلق فوق الصحراء، يطير بلا أجنحة كالطائر. كان هذا حلمًا غريبًا وخارقًا، فعقله لم يستوعب ما كان يحدث له. رأى الصحراء الشاسعة من الأعلى، وكأنه يتسلق السحاب ويعانق الفضاء. حلق يوسف بين النجوم والكواكب، وشعر بأنه ذو قوة لم يكن يعلم بها من قبل. أصبح جنديًا من النجوم، يحمل قوة الكون في داخله، ويشعر بأنه يمكنه التحكم في مصيره وقدره. ومن هذا الحلم الغريب، استعاد يوسف طاقته وعزيمته. تغيرت نظرته للحياة وللأشياء من حوله. لم يعد يشعر بالأسر والعذاب، بل بالحرية والقوة. أصبحت لديه ثقةٌ بأن الحلم يمكن أن يصبح حقيقة.
صار يوسف كل ليلة يعاود النظر إلى الصحراء من الأعلى، ولكن جاءت الليلة التي كانت نظرته فيها مختلفة تمامًا. لم يعد يرى أحلامه بعيدة المنال، بل رآها بالقرب منه، وكأنها تنتظره لتمتد إليها يده فيحققها.
وبهذا الاكتشاف، قرر يوسف أن يكون الجندي الأسير المنعتق، الذي يسعى لحريته بكل قوة وصمود. فبدأ يترقب للهروب الذي قد وضع له تكتيكا محكما منذ أيام، حيث على الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهته كلما فكر في الشروع بالهروب وسببه التريث، إلا أنه كان واثقًا أنه سيتمكن من تحقيق ذلك في القريب من الأيام.
وبعد أن استعد لكل شيء بدقة، قرر يوسف تنفيذ خطته للهرب من المخيمات فانطلق نحو الحرية متفاديا الأضواء الكاشفة والتسلل بين الخيام دون أن يُشعَر بوجوده. تحرك بصمت وسرعة، لكن قبل الخروج من المخيم بأمان، اكتشفته كاميرات المراقبة. بدأت الجبهة بالبحث عنه ومطاردته في الصحراء. كان يوسف يجري بسرعة خارقة وهو يتجنب الأبراج الرملية ويعبر الكثبان الشاهقة، وهو يحاول ألا يقع في حقول ألغام كان على دراية بمكانها.
وفي أثناء الهروب، وقع يوسف في مواجهة مباشرة مع جندي من جبهة البوليساريو أعزلا مثله. كانت المواجهة بدنية قوية وملحمية، ولكن يوسف بمهارته وقوته الغريبة من الحلم، تمكن من تجاوز خصمه وتجنب أي إصابة من شأنها أن تعيق تنقله. ثم واصل مسيرته لكن جنديا مسلحا آخر تعقبه. عندما اقترب منه، تفاجأ يوسف بكونه زميله السابق في الجيش الذي انضم إلى جبهة البوليساريو بالقوة. كان صديقه يبدو أنه قد فقد نفسه وأصبح مرتعبًا للمعسكر. كانت المواجهة مع صديقه القديم محطة مؤثرة، حيث حاول يوسف إقناعه بترك الجبهة والانضمام إليه في العودة إلى الوطن. لكن الجندي الشاب كان متشبثًا بالمعتقدات الخاطئة التي تروجها العصابة ومن يرعاها فرفض الرجوع، ولكنه أخلى سبيله بعدما كان قد أشهر بندقيته في وجهه.
استأنف يوسف رحلة الانعتاق بمفرده، فواجه العديد من التحديات في طريقه وسط الصحراء القاحلة والمترامية الأطراف. ولكن قوة حلمه وإصراره وتجلده كانت كافية لتخطي كل شيء والتغلب على كل المصاعب التي اعترضته.
استطاع يوسف أن يصل إلى حدود الصحراء والعودة إلى وطنه. شعر بالسعادة عندما رأى أهله وأحبابه يستقبلونه بفرح وابتهاج. كانت تلك اللحظة التي رسم فيها حلمه وأحلامه على الواقع، وصار هو الجندي المحرر الذي كان يحلم به.
عاش يوسف بعد هروبه حياةً جديدة، حيث تحققت له أمنياته وأحلامه. صارت صحراء بلا نهاية تحت قدميه ليست فقط مكانًا للحرية، بل مكانًا لتحقيق كل الأحلام والأمنيات التي يحملها قلبه.
غير أنه سرعان ما واجهته تحديات جديدة ومثيرة للاهتمام. فقد وجد نفسه مُطارَدًا من قِبَل عناصر انفصاليي الداخل الذين كانوا يتربصون به للانتقام منه على هروبه الجريء. لكنه بفطنته وإيمانه بقضيته الوطنية والعادلة، قرر مواجهة الأعداء بالإصرار والصبر. قابل أول الأمر مجموعة من المساعدين الجدد، كانوا أشخاصًا شجعانًا يشاركونه نفس الهدف، وهو حماية الأبرياء ومساعدة الضعفاء على الهروب من الأسر. انضمّوا إليه ليكوّنوا فريقًا متكاملًا يعمل معًا للدفاع عن الحرية وتحقيق العدالة. لكن هذه المرة كانت المواجهة في ميدان آخر. فقد انخرط الفريق في جمعيات عالمية من مبادئها رفع الظلم عن المظلومين ورفع الحيف عن المقهورين وإنصافهم، وكيف لا والمحتجزون في مخيمات تيندوف أحوج للعدالة والانصاف. استطاع الفريق أن يوصلوا أصواتهم ويكسبوا دعما سياسيا لنصرة وتحرير هؤلاء الأبرياء. وهكذا تقاطر الدعم الديبلوماسي للطرح المغربي من أجل تصفية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ورفع المظلومية على الأبرياء المحتجزين.
فاس، في: 22/07/2023