المسار غير مجد لمؤشر تقدم 2ملحوظ، تقريبا عمرك خمسة وستون سنة …..ولديك عشرون سنا في فمك الأدرم ،بدلة واحدة سوداء ، أربعة معاطف شتوية، عشرون قميصا، تسعة سراويل و ستة جوارب في خزانة ملابسك ،أربعة أحذية ونعلين وحذاء رياضي، معاش جد هزيل ……لعيش غير كريم،لتحيا مكتفيا بالضروريات فقط،لا إمتياز لترف ،بعض الكتب علاها الغبار لم تعد تقرأها، بعض الصحف قديمة جدا، ذكريات قابعة في تلافيف ذاكرتك، لا ترغب أن تذكر أي شيء(أنت جالس هنا لا ترغب بشيء سوى الانتظار، مجرد الانتظار، إلى أن لا يبقى هنالك من شيء ينتظرك، لا تعاود رؤية أصدقائك، لا تفتح بابك إلا نادرا في وجه بعض ضيوفك، لاتلقي نظرة في بريدك إلكتروني ولا في بعض مواقع التواصل .. ….. البوهيمية اكتسحت حياتك،فوضى عارمة خيمت على نمط عيشك،عدت لا تخرج إلا حين يجن الليل مثل الجرذان ،القطط، الأشباح،تجر قدميك على الأرصفة ، تتسلل لبعض المقاهي …..أحيانا تمشي طيلة ليلة بأكملها، أحيانا تنام طيلة نهار كله، أنت مهمل ،أنت مسرنم ،تشعر أنك غير معد قليلا للحياة،لا للتأثر كل المؤثرات فقدت بريقها لا تريد أن تستمر ،لا تريد الإنتظار والنسيان، لا ترد شيئا،لا ترفض شيئا، لقد توقفت عن التقدم بل أنك ما كنت تتقدم للأمام ولو بخطوة ، لا تعاود الإنطلاق من جديد ، لقد وقفت، لا ترى أي سبب للتقدم ،الترابط غير موفق، كنت أضعت خيط المعنى فيه، قدح الشاي المنعنع أصبح مرا أكثر مما يجب، حتى الخبز الخارج توا من الفرن لم يعد يثير شهيتك كمامن قبل،لم يعد يستهويك مشاهدة برامج التلفاز، بعض عاداتك القديمة، تصرفاتك المعتادة، كل رونق فقد بريقه،خبى توهجه،تداخلت خيوطه ولم يعد يظهر إلا قبح كريه على حقيقته،تطاول خرابه والمشاهد المضحكة غدت سمجة،لا تبعث عن الضحك، طوال ساعات النهار ترغب أن تستمر مسترخيا على سريرك في حجرتك، دائم الحضور في جحرك الأسمنتي، ممدود دائما،فقدت كل حيوية ونشاط،وجمود طاغ هو الآن ينسج خيوطه البئيسة بعمرك الكئيب ،الإطار الخاوي لحياتك المهجورة، ذكريات تعاود الإنبثاق من ثقب ذاكرتك المتعبة وصور تشف من هذه الحقيقة التي أميط لثامها عن رتابة مقيتة التي طالت إقامتها ،صور جامدة تكاد تكون ظلالا باهتة، تكاد أن تغدو غير مريحة للنظر،مبان عشوائية،وجوه بلا قسمات، هياكل عظمية تتحرك،مصاريع مغلقة،ذباب محموم، قاعة عسكرية، صالة تختفي تحت أغطية رمادية، طبقات غبار محمولة في شعاع الشمس ،حقول جرداء،نباتات ملوية الأعناق، رجلا جالسا على أريكة متهالكة، لهاث كلب، كتاب مفتوح،زائغ النظرات ، لست إلا ظلا غائم الملامح، نواة صلبة من اللامبالاة، غدوت ذلك المنفلت من تلصص النظرات، اخرس الشفتين،مطفأ العينين يمكنك رؤية إنعكاس صورتك على زجاج أمامي البراق للسيارات، لتحديد معالم إنعكاسات هاربة لحياتك المتباطئة، الماء يسقط من صنبورقطرة تلو الأخرى، مصطبةفي الفناء الخارجي لمسكن جيرانك، جارك الغارق في رقاده يسمع من بعيد شخيره الهادر، أبواق السيارات ،زعيق فرامل سيارة تاكسي وهي تتوقف، يتغلغل النسيان في ذاكرتك، تشققات السقف ترسم رسومات سريالية غير متوقعة، الحرارة في حجرتك مرتفعةكما لو أنك في مرجل الفران، ساعة المنبه التي لم تعد ترن عند ميقات يقظتك، تتمدد وتستسلم منزلقا في سبات عميق، حجرتك مركز الكون هذا المخبأ الآمن من حشرية الفضوليين ، هذه الحجرة الصغيرة تحت السقف الذي يحتفظ برائحتك للأبد، هذا الوكر الذي تندس فيه بمفردك، هذا السقف الذي عددت تشققاته مائة ألف مرة وبالاخص في مواسم الشتوية، تقشراته، لطخاته من رطوبة مفسدة،الورق الجداري الذي تعرف منه كل زهرة، هذه الصحف التي قرأتها المرة بعد المرة والتي سوف تعيد قراءتها مرات عديدة،مرآتك المكسورة التي تقوم بانعكاس وجهك المتشظي لثلاثة قطع غير متساوية،كتبك المتربة هكذا تبدو أبعاد مملكتك المصغرة من بدايتها ونهايتها،أصوات المارة، صراخ لعب الأطفال،الجلبة الحاضرة تربطك وحدهابالعالم الخارجي، بعيدا عن حدودك، خارج تضاريس خريطتك، قطرات متساقطة على الدرج من منزل جارتك، نوبات من سعال حادالذي يصدر من حلق جارك المسن وهو ينظف حلقه،غمغمات متواصلة لأفواه عديدة، ضجيج غير منتظم لضربات الكوابح عند الوقفات، معاودة الإنطلاق يوقع الزمن تقريبا بدقة بيقين القطرة التي لا تمل في صمت حجرتك، لم يعد الزمن يتغلغل بداخلك، أنه يتذبذب من حولك، يتحرك بديناميكية و مشبوه إلى حد ما، الزمن يصغي لتيارات الكون لكنك لا تعرف أن ألم الساعة يدفع الزمن تقريبا بدقة متناهية السرعة، القطرة التي لا تمل، إنتظار إلى أن يعود ما ينتظر، تسير الهوينا بمحاذاة أسوار مجمع سكني ،الوقت لقد خلص من الرغبة إلى الإمتعاض والتمرد سوف يكون أمامك على مر الزمن جاء ساكنه دون اضطراب شيء ما على وشك أن يبرز ولن يكون له نهاية أبدا، حياتك الملغاة أحيانا من صيرورة الوقت، أنت سيد الزمن، سيد العالم رغم أنك تبدو قزما صغيرا بالنسبة لحجم الأمكنة والأشياء، العزلة ،اللامبالاة ولأنك وحيدا لا يجب أن تنظر للعالم بنظرة سوداوية، لا تستسلم للتيار الجارف للتشاؤم، عليك أن تدع النسيان يمحو من ذاكرتك بعض الوجوه التي ضاعت بعض تقاسيمها ، بعض أرقام الهواتف ، بعض العناوين، ظلال الإبتسامات ،أنماط الأصوات،لا تنسى أنك تعلمت فن النسيان ،أنك أكرمت نفسك ذات يوم بالنسيان، أن تخدع ذاتك بالنسيان،ماعدت تدخل المقاهي المألوفة، ماعدت تطوف بالشوارع والأزقة كما تعودت أن نفعل، ماعدت تبتسم في وجوه معارفك كما في الأيام الخوالي.