“كيف لقلب بحجم قبضة كف، أن يحملَ هذا الكمّ الهائل من الشعور.”
تنهدتُ ثم منحت طرفي جهة النافذة، أحب السفر مساءً، يوافق هذاَ محبتي لرؤية الغروب، وغرامي بالسماء.
القطار يتهادى على الطريق الممتدة، حقول وبسيطة خضراء تريح النفس وتصفي الخاطر، مرت ما يقارب الساعة والنصف، لم أدرك ذلك الا حين نظرت لساعة معصمي.
أغلقت الكتاب ثم جعلته عند بطني، ورميت يميني لكوب قهوة كنت اشتريته من المحطة عندما غادرنا القطار الأول لتغيير السكة، وصعدنا قطارًا آخر. ارتشفت بكسل ظاهر، ثم مررت نظري على الكراسي القابعة أمامي.
النّاس، كل في عالمه!
أم تمسد شعر طفلها، ساهمةٌ بنظرها نحو السهول الخضراء، على وجهها مسحة رضى وابتسامة طفيفة.
ورجل متوسط العمر يرتدي بذلة عسكرية، نائم لكنك تشعر به كأنه متوجس، مستعد لأمر مَا رغم اغراقه في النوم، أظنها من سنين عمره التي طواها في الخدمة، أمر طبيعي..
انزلقت ببصري، فصادفتها تنظر نحوي في شيء من الغرابة والفضول، خجلناَ ثم غضضنا طرفنا معًا، عدتُ أنا -بشجاعة هادئة- نظرت إليها، وجدتها ملتفتةً جهةَ كرسي جنبها، أغلب الظن تسافر مع رفقة، بشرتها بيضاء وشعرها مسترسل بسخاء، أسود ناعم، عيونها كعيون الغزال، تعلوهما حواجب شبه كثة، تعطي الوجه ذاك المعنى الذي تخلص منه أنه جمال شرقي.
نظرت إلي، فجأة! فخفضت بصري لكن لفت انتباهي كتاب بي يديها، بقيت عالقًا بمحاجري نحوه، أحاول معرفة عنوانه، وفكرة تصعد وتنزل في رأسي: ما سر هذه الفاتنة المثقفة؟
فلمعت ببالي أنني قبل هذا اللقاء الجارف، حينما كنتُ دافنًا وجهي في روايتي أقرأ ما يقارب الساعة والنصف، لم أنتبه لمن صعد أو غادر، أظنها.. لا أعرف ..من يدري!
فهمت لغة عيوني وترقبي، فرفعت الكتاب قليلا ثم جعلت غلافه نحوي، قرأت: “سارة”.
آه، رواية سارة لعباس العقاد، لعمري هي! ثم رأيتها تشير باصبعها للعنوان ثم أشارت لنفسها بحرص وهي تسترق النظر لرفقتها بريبة، حتى لا يفتضح أمرها.
اسمها سارة إذن ، هكذا قلت ثم ابتسمت لهَا ورفعت روايتي أيضًا. دققت نظرها.. زينة الدنيَا لحسن أوريد.