إلى فقيدي الغافي تحت التراب..
بأصابعي التي أغمضت مقلتيك أخط حروفا أغرورقت بالالتياع..
هأنذا بعد رحيلك بأيام عدة أتضور سغبا لسماع صوتك و أتلهف لتقبيل جبينك المجعد المضمخ بعبق الكدِّ و السقم..
أبتاه!!
أتذكر ذلك الفجر العليل الذي قضيته أمام النافذة معك و بجوارك أتشمم شذاك المنبعثة من روحك الفائحة بروائح لقائك بالحق الجليل.. و خلال دقائق معدودة حفرتُ تقاسيم محياك في وجداني؛ لأنني يومها صرت جازمة بأن ناقوس الموت يطرق أبواب خريفك و لحظات وداعك أوشكت على الاقتراب مني بهدوء مميت..
أبي الغالي..
لو تدرك كم كسرني رحيلك الأبدي لديار الآخرة.. ويكأن عمودي الفقري قد تهاوى و خرت أقدامي في قيعان العجز و الانكسار..
أوه يا أبتي نفسي تشظت بعدك و تخبطتُ في دوامة الحزن، و أصبحتُ بلا متن متين، فكيف لابنتك المدللة أن تحيا بلا أنفاسك المطوِّقة أسوار عمرها بالأمان، و كيف لها أن تمضي في الطريق ثابتة الخطى دون أن تتعثر بين تعرجات الحياة..
أبي الحبيب ستظل صورتك دابقة بين غرف ذاكرتي،
و اسمك منحوت بماء الحنين على أعمدة فؤادي، و إلى حين الملتقى في جنات الفردوس، سترافقني في مشواري المبهم، و ستكون مثل فرشاة تلوِّن لي أحلامي، و سراج يضيء لي في دياجي الفقد، و سأستمد من سيرتك العطرة مرشدا يوجهني نحو هدى الله..