ترشح أحد الأثرياء من أبناء القرية المقيمين بالمدينة للانتخابات. قبل بداية الحملة زار مواطنا عجوزا يقود أسرة كثيرة العدد. استقبله العجوز في البيت، وأعد له الشاي والخبز وزيت الزيتون والزبدة البلدية على عادة أهل البادية.
عندما شربا الشاي، وانتهيا من المجاملات. دخل المرشح مباشرة في الموضوع الذي جاء من أجله فسأل لعجوز :
ـ هل تعرف لماذا زرتك في البيت على خلاف باقي الناس؟
رد العجوز بذكاء :
ـ أعتقد أن الأمر له علاقة بالانتخابات، لأني لم أرك تتردد على المنطقة إلا منذ فترة قصيرة .
قال المرشح :
ـ أصبت. ولكن بالإضافة إلى ذلك، فأنا أرغب أن أتشرف بالحصول على صوتك وأصوات العائلة المباركة.
لم يرفض العجوز، ولم يقبل، فرد بدبلوماسية:
ـ يكون خيرا إنشاء الله.
وقبل أن ينهض المرشح مد يده إلى جيبه، وأخرج ورقة نقدية زرقاء من فئة مائتي درهم ، ومدها للعجوز، وهمس في أذنه:
ـ مصروف السوق!
تراجع العجوز إلى الخلف، ووضع يديه خلف ظهره، وقال للمرشح وهو يبتسم بمكر:
ـ لا أريد مالا. أحتاج فقط إلى حمار أركب عليه، وأتنقل به إلى السوق، أو إلى مقر الجماعة لقضاء بعض الأغراض الإدارية.
في نهاية الأسبوع ذهب المرشح إلى السوق، يسأل عن ثمن الحمير، فوجد سعرها مرتفعا. أصغر وأضعف حمار يتجاوز ثمنه ألف درهم. فعاد بعد أيام، وأخبر العجوز بأنه لا يستطيع أن يُلبي طلبه، لأن ثمن الحمير جد مرتفع في السوق .
فقال العجوز مستنكرا :
ـ إذا كان ثمن الحمار يفوق ألف درهم، فهل تراني أقل قيمة منه.. (تفو) عليك! إذا رأيتك مرة أخرى تطوف بالقرب من بيتي أقسم بهذا الشيب في لحيتي لأطلقت عليك هذه الكلاب لتنهش لحمك.
ثم استدار إلى ركن الفناء مشيرا بيده حيث تربض أربعة كلاب شرسة، يربطها كلما استقبل غرباء في البيت، وأضاف
ـ اغرب عن وجهي لعنة الله عليك!؟
بعد انتهاء الانتخابات بشهرين، وفي عز موسم الحصاد استيقظ أهل القرية على حريق أكل الأخضر واليابس في حقل القمح الذي كان يعول عليه الشيخ لمواجهة مصاريف الموسم المقبل.
مراكش 18 غشت 2021