كان صباحاً هادئًا دافئاً من صباحات تلك الشمس الغاربة، وقد تناثر عليه وقع صمتها الأخير:
– تمنيتُ لو كانت لدي الشجاعة لأعترف بحماقتي وأنا أودع صوت أنيس كغفوةِ الحلم..
قالت له، واردفت في هدوءٍ أقرب إلى البكاء:
– لكنني هكذا وجدتني وحيدة..
أضاءت تلك الخطى مثل ورد الليل، مدّ يديه الدافئتين لإحتضانها.. وسؤال عالق هناك:
– لماذا ابتعدنا، وذهب كُلُّ مِنّا في طريق شائك وبعيد!
أقترب منها أكثر من ذي قبل، ازدان بها لمعان ذلك البريق في عينيه كان يستطيب لها المقام هناك مثل غيمة هاربة من كل الفصول.. وحده كان يعرف ذلك.
ارتعشت رنة صوتها من جديد، في محاولة يائسة لإخفاء كل ما كان يراقص مواجدها، غلالة عطرها، همسه الساكن دمها، وكعادتها.. تستفيقُ المسافات الشائكة بينهما.. ولا سبيل.
لم يكن يخشى الدروب المزدحمة، أو غمام المطر.. إنما هي تلويحة شدوها الهائم، يتصاعد بها كلما اعترته الدهشة، عشق تسربل تلك القصائد، نمى في قلبها يمام لاذت به التراتيل.. هكذا كان يراها بألف طريقة وهي ترفل في محرابه، يضمّد أسرارها الصغيرة دون أن يدري، يراقص انثناءات الحزن في نزق فاضح يشئ بهما.. وصوتٌ آخر يرفرف بعيدا، مثل روليت اللهفة الأولى وآخر الإنتظار، وفي القلب شئ لا يُحكى، يتشابك من حولهما الصمت.. طازجا ووحيدا في مكانه هناك.. ولا أحد يدركه.
أطبق عينيه بهدوء قبل أن يقفز خارجا من انثناءات الجرح.. كان كل ما يرغب فيه.. أن ترتعش أوردة التراتيل بينهما، ويراقص خاصرة تلك الأسرار للأبد.
برمنجهام 18 مايو 2023