إن النسق الحياتي المتنامي في زمن العولمة والاجتياح الرهيب لشبح التكنولوجيات الحديثة في عصر الروبوتيك، والشبكات العنكبوتية، ومواقع الانترنيت، قد فرضت على المبدع العربي في مختلف المجالات الثقافية اتباع المسار وتتبع تياراته، وهو نسق فيه من التّحديات ما يقف أمامه عاجزا لفقده آليات فعلية تساير التطوّر الحاصل في العالم الذي أضحى افتراضيا صرفا في أذهان باتت مسلّمة بأن الواقع البديل مصدره التكنولوجيا دون سواها. ومن هنا قد يعاندنا السؤال ليفصح ويعبر عن قلق أصاب فكر المثقّف الذي يقف عند باب الموارد المعلوماتية والمعرفية والثقافية والفنية ذات الأنماط التّقليديّة القديمة، إذ كيف له أن يتكيّف وواقع الطوفان الجديد للتقدم التكنولوجي الذي فرض اعتماده باعتباره بديلا ووسيطا جديدا للمعرفة وللإبداع الثقافي؟ وبكيفية أدق كيف ينظر الكاتب والروائي اليوم إلى مؤلفاته ضمن هذا الفلك المختلف؟ وكيف يراه الجمهور المهتم بالشأن الابداعي المتأثّر بعوامل الإقلاع الرقمي؟ وأي منزلة يرى فيها الكتاب الورقي في ظلّ غزو المنظومة الرقمية والتسويق والنشر الإلكتروني؟
أسئلة ملحّة أطرحها ليس بصفتي دارسا لظاهرة أو باحثا في مشكلة من زاوية نظر اعلامية تختزلها مقالات مكتوبة بل أطرحها بصفتي داخل جوهر الإشكال، وأصل المشكل. إذ تناولي للمسألة المطروحة سيكون من منظور تجربة ذاتية باعتباري كاتبا وروائيا اخترت الطريق التّقليديّ الذي يمجّد الكتابة الورقية، ويعلي كلمة الكتاب في بعده المادي الملموس، وما يضفيه من سحر يسحب القارئ ويغريه ليمسك به ويتذوّق طعمه، ويتحسس عبق ريحه، ويتلذّذ بأحرفه المرقونة، وكيفية إخراجه وتنظيم صفحاته وتصميمه، ليدخل أغواره باحثا عن صدى معانيه بين يديه، يمسكه حينا ويدعه أحايين أخرى ليعيد التجربة عند إصابته بشغف القراءة. هكذا يبدو سحر الكتاب حين يكون في الرّفّ يشغل حيّزا مكانيا ويفتك منك زمنا تراه وتغازله وتصافحه دون وسائط جامدة.
قد نرى في ذلك نشازا زمن الرّقمنة والوسائط المستحدثة، وقد تصيبنا الخيبة عند النّظر إلى اهتمام الآخر المستهدف، والذي أوغل في التمرّس واكتساب مهارة الوسائط التكنولوجية الحديثة التي بدأت تسرق من الكاتب والروائي جمهوره إن هو سلك طريقه في اتجاه سحر الورقي حسب منظوره.
وأظنّ أن المشغل مشتركا بين الكتّاب والروائيين المعاصرين لهذه الطفرة العلمية. وبأكثر تخصيص أسمح لنفسي بتسليط الضوء على تجربتي في الكتابة والتي رأت النور حديثا في أربعة مؤلفات بدايتها كتاب مختص في الفنون التشكيلية تحت عنوان “في الصورة مقال مستتر -استنطاق المعنى من خلال تجارب في الفن التشكيلي” لتليها ثلاثة روايات عناوينها ” صوت الكادحات، وتخاريف، وإساف ونائلة لم يمسخا صنمين وهي مجموعة من المؤلفات التي وجدت ملاذها في دور نشر مصرية حرّرها كاتبا تونسيا مولعا ومحبا للغة العروبة والإسلام، ذهنه يتبنّى رؤية وفلسفيّة وخطّا يطوّع على إثره كلماته لتغطّي مشاغل الإنسان في المطلق فراوحت الروايات بين الأسلوب الذهني الرمزي، والأسلوب الواقعي المضايف للخيال المعبّر عن قضايا حقيقية معيشة. أما الكتاب فقد استنطق المعنى واجتثّه من عمق العمل الفني الذي رسمه الفنان وحاك تفاصيله بفرشاته، وسرد دلالاته من خلال مؤشرات صورية مختلفة فبدت اللّوحات المرسومة بمثابة النص البصري على إثرها نبحث ونحن في ثوب الجمع على تأويلات عدّة وتعابير كثيرة تبدو مستترة.
هي تجربة قادني إليها حماس، وساقني نحوها حبّ النّجاح ورغبة في التمرّد على الركود والاستكانة، والاكتفاء بالمنزلة المحصّلة. ولكن تظلّ المعيقات تتردّد وتعلن عن صداها وتتجدّد في كل محطّة ترتبط أساسا بسبل انتشار المؤلفات وبلوغها النقطة المرسومة، فهل تكفي معارض الكتاب المحليّة والدوليّة لتكون مطيّة الكاتب ليكتسح أراض جديدة، ويعانق عقولا لفت انتباهها عنوان الكتاب أو الرواية أو شدّه صفر الغلاف والرّسم الذي يزيّنه؟ أو قد لفت انتباهه اسم مؤلف مجهول ليس له انتشارا إعلاميا، ولا منصّة رقمية تسوّق له منتجه الإبداعي لتدخله باب “السلعنة” ومنطق التجارة في علاقة بالرّبح وهامشه، وآليات التسويق ضمن دائرة التّعاطي مع الإنتاج الفني على أنه قطعة للبيع.
تبدو المسألة بذلك معقّدة فهدفي منذ البداية لم يكن ربحي، بل يدخل في خانة تقدير الذات، وقد تطابقت الرّغبة مع اختيار المادّة الورقيّة باعتبارها الأكثر سخاء، والأصلح تعبيرا عن طموحات الكاتب المشدود إلى الوراء قليلا. غير أن الواقع مختلفا، ففي جعبة المنصّات الرّقميّة الكثير مما يصلح للاستهلاك الحيني دون عناء، إذ يكفيك أن تُبحر داخل مواقع المكتبات الافتراضية لتسطو على المسرّب سهوا من الروايات، أو الموضوع عمدا ليكون على ذمة القارئ، أو المنزّل وفق شروط البيع والشراء في جانبيه الورقي والالكتروني، وكذلك الالكتروني في وجهيه المرقون والصوتي. وهي الطريقة الأيسر للمولعين باقتناص الوضع المريح الذي لا يثقل كاهله.
إن التجربة ولو اعتبرها تخطو خطواتها الأولى، لكنها تفتح أمامي التفكير في واقع الصّراع الفعلي بين الكتاب الورقي والكتاب الرقمي، في زمن تسود فيه أجهزة متطوّرة تضع المعلومة في كل ركن، وتتسلّل إليها لتجلبها لك دون مشقّة، وقد طغى عليها واقعا أملى شروطه على العقل البشري وطوّعه، ليدكّ حصونه بحركة تعبّر عن ادمان حقيقي في استعمال التكنولوجيات الحديثة في شتى المجالات الحياتية، لتفتك من الكاتب مساحة كان يملكها ينهيها بأثر مادي ملموس، فالقراءة اليوم، وعلى ندرة القرّاء، استحوذ عليها الذّكاء الإلكتروني ليعطيها شرعية سحب البساط تدريجيا من الكتاب الورقي ليحوّله إلى تمظهرات عديدة استهلاكية من شأنها أن تساهم في انتشارها بشكل أكبر وأكثر فاعلية، وبالتالي تكون المراهنة مستقبلا على الكتاب البديل التي تتوفر فيه مقتضيات العصر، وتتناسب وميولات الجيل الذي يبحث عن سرعة التقاط المعنى، واختزال المعلومة، وتدبّر الدّلالة، وتوفّر المورد المرئي والمعالجة الصوتية التي تسرد الأحداث، وتقرأ الصفحات ليكتفي المتابع بالاستماع، فينتقل بذلك من مرتبة القارئ إلى مرتبة المصغي أو المنصت أو الملقّن.
– كيف أسوّق لكتابي ضمن لعبة التحدي الرقمي؟
إلزام علينا ندخل في لعبة الإشهار والدعاية، ويبدو أن الأساليب التي اتّبعتها من خلال تجربتي الخاصة لا تعدو أن تكون سوى ملاطفة لمواقع التواصل، إذ المادة الإعلانية والملصق الإشهاري خاصتي لا يتجاوز قشور الكتب دون اللّب الذي يستهوي القارئ. فكيف لكاتب تعوزه الإمكانيات المادّية واللّوجستية أن يرسم استراتيجية متقدّمة في الدعاية وهو يمتلك آليات بدائية صارت في نظر الجيل الصاعد ضرب من الجذب إلى النقطة الصفر؟ وكيف له أن يساير الواقع وهو يراه منشودا لأنه مكبّل بضوابط تمنعه من التّصرّف في مؤلفاته بما يساهم في سرعة انتشاره؟ وأي مغامرة لا يعلم مداها ولا محصّلتها حين يرمي يثقلها لتعانق المجهول إن هو لم يُحسن إدارة المهمّة التسويقية؟
من هنا ظلت تجربتي لا تتجاوز تقديم الأثر وفي بعضها تقديم الكتاب من خلال قراءة لوحة الغلاف التي رسمتها بفرشاتي ووسائطي، أو التي أثثتها أياد مختصة ترى فيها الصورة الأقرب تعبيرا والأكثر تمثيلا. ففي كتاب في الصورة مقال مستتر تخيّرت اللوحة سلاحي الدعائي خلالها يمتزج فيها الفني بالمختص والرسم خاصتي بما أنتجته من معان دونتها في نصوص احتواها الكتاب.
هكذا قدمت الكتاب للقارئ من خلال الصورة التي رأيتها مطية لمادة دعاية، فأرفقتها بقراءة تفكّ مقاصدها وتحيل إلى غزارة المعنى فقدمتها على هذه الشاكلة:
ماذا تقول الصّورة؟
“في الصورة مقال مستتر”
‘نعم قد تبدو ولادة جديدة من رحم جماد، كيان يخرج من صلب كيان ضديد لم يستنكر حضانته، فأمسى جزءا من تفاصيله. يسقط عند منحدر مائل فيشدّه الأعلى ليثبّت حركته دون أن يعي بتلك الأشكال التي كانت تطبق على ذاته حتى اللّحظة التي لفظته خارج مكامنها وأغوارها الخفيّة. حركته تبدو آمنة خلالها يتقلّص الجسد دون تمدّد، ويلتزم صمته فلا يفصح عن مقاله، ولا يسرد حكاية المكان، ولا يصف إحالات الزمن في جوف ما يخيّل لك أنه جماد.
قد تذهب للاعتقاد أنّ به صوت صدى يعزف لحنا غرائبيا، وقد ترى أنّ الصورة الباطنة هي رديفة الظاهرة ونسختها، أو قد تتغير وتنزاح عنها فتخالها مناقضة لها، متجردة من يبسها، متشبّثة بسطحها الأملس، لكن أيّ علاقة قد تبدو بين ذاك الوليد متناهي الصّغر، وتلك الكيانات النابضة الجامدة؟ وكيف لها أن تضايف طيفا قد يفصح حين ينطق بما حملت سجيته فيصف عمق الفضاء وسرّ تكويناته؟ وقد يفنّد قولا يصرّح أن ما تراه العين المبصرة مجرد أشياء ثابتة محنّطة لا روح فيها؟ وأنّ خشونتها لا تعكس وجدانها النابض حياة مثل نطفة آخذة في التعاظم حتى كسى عظمها جلدا رقيقا، فأستحال خفقة نابضة، وفي علو رأسها تقبع صور مستترة يقلّبها ويعبث بمعانيها بين دوال ودلالات شتّى، فيترك السؤال مفتوحا إن كان في الريشة حين تخطّ على الورق مقصدا ثابتا أم بين المقصد مقاصد تتخفّى؟’
“رواية صوت الكادحات”
‘صورة وإن بدت مقسّمة، فهي تحاكي الإنسان في المطلق وجه حزين يقتفي أثر السعادة وسط فضاء يتألّم بشدة، وأياد تنتشر في حركة لذوات مخفية، تبدو مخيفة وأخرى تحتضن جماجم عصفت بها رحلة توقفت عند أرض لا أفق فيها. وفي آخر المشهد ذات أصابتها الوحدة. لم يعد في الفضاء مساحة صغيرة للحلم فكل تفاصيل المكان متشابهة وكل الألوان لا توحي سوى بحجم المعاناة والمكابدة. هي صورة بها عناصر مجمّعة ثمّ مشتّتة، تحاكي وجع الإنسانية، وتُخرج من بين علاماتها كثيرا من الأصوات الساخطة الرافضة المتمرّدة، وكثيرا من الأصوات المحشورة غصبا بعد أن سُقِيت بشراب يحمل في طعمه مظلمة، وكثيرا من الأصوات ستصنع أحلاما متحررة.’
“رواية تخاريف “
‘تخاريف، هي تعبير عن ذات تحمل في جوفها فكرة مجنونة، وخيال جامح وهواجس مثقلة، فتمحو داخلها كلّ انتماء للواقع، وتفتكّ من بين قسوة الأيام ذكرى فيها سطور معلومة، وسطور متخفّية، وسطور مجهولة. ومن السّطور ترتسم الصورة تراوح بين الوضوح والعتمة، فتخال نصفها مرئي ونصفها الآخر مستتر، في حين أن الصورة كلّها تختفي في دخيلاء ملكة الذات الهائمة بين حلم ويقظة، وبين متناقضات عدة، وبين ذات مفردة وذوات مجمّعة تبدو متحركة تنبض حياة وتبدو محنّطة تغادرها النفس لبرهة.’
رواية إساف ونائلة لم يمسخا صنمين
‘يدان بشريتان تتشابكا في وسط عالم تتخفّى تفاصيله في جوف تلك الظّلمة لتخرج من باطنها ذوات. عاشقيْنِ وأطياف سابحة تحلّق حولهما كأنها تتعبّد وفي المحيط ما يشبه العاصفة، تبرق وترعد وتنزل سخط القيود القاتلة لعشق أخذ يتعاظم فيزيد من شحنه لتنفلت تعابير الوجد تطلب عناقا مع ذات الحبيب، وعناقا مع ذات مفارقة تناجيها إشارة أصابع تأبى أن تنكسر وتخضع’.
– حكواتي الزمن الحديث: وجه بديل للتّسويق والدّعاية الرّقميّة.
لم يعد خافيا على أحد أن جمهور القرّاء في تضاؤل وبنسق متواصل، وسبب ذلك ليس في غلاء أسعار الكتاب أو في عدم توفّره. بل لأن نسق العيش الجديد قد غير اهتمام القارئ ووجّه اهتمامه نحو تبنّي الرؤية البديلة للمطالعة والقراءة، ففي الماضي كان هناك شخصية تسمى الحكواتي، وهو شخص يضطلع بمهمة قراءة القصّة وسرد أحداثها عبر الكتاب مثلما كُتبت لكنه يضيف عليها أسلوبه وطريقة عرض النّص، والإشارات التي يوظفها لتتساوق والمعنى المقروء، فتضفي مسحة جمالية ممتعة على شاكلة ممسرحة ترسخ في ذهن المتلقّي دون أن يكلّف نفسه عناء القراءة وتقصي الأحداث، وتتبع نسق الحكاية وذروتها، وتنامي أحداثها وشخصياتها المعقّدةن وكثرة صفحاتها. ولعلّ ما يُميّز الحكواتي سابقا إلمامه العميق بتفاصيل الرواية ليجسّدها ويلعب خلالها أدوارا مختلفة يلبس على إثرها شخصيات متنوعة. وهي فكرة سجّلت حضورها مجددا لكن بشكل أكثر تطوّرا، حيث سعت المنصّات الإلكترونية وكذلك دور النشر الإلكترونية إلى الاستحواذ على نسب محترمة من كتب مختصة وروايات مختلفة الأجناس وإعادة صوغها وتطويعها صمن تطبيقة صوتية آلياتها الروبوتيك وما يوفّره من أساليب تساعد على نقل محتوى الكتاب من مكتوب إلى مسموع مصحوب بإيقاع موسيقي يتسلل في قلب المعنى، ليشغل حيّزا مؤثّرا ومعبّرا. وقد تطرح السؤال عن مدى نجاح هذا التمشي في استمالة شريحة القراء لتدرك أن سرعة انتشار الكتب الرقمية باتت الأكثر رواجا مقابل تراجع الورقي.
صرت على بقين بأن أزمة الكاتب والروائي في عصرنا هو انسداد الأفق أمام تواجد مشروع ثقافي محفّز سواء محليا أو عربيا أو عالميا، وأسباب ذلك كثيرة أولها تراجع دور المؤسسات الثقافية الراعية للإبداع والمحتضنة له، وثانيها أزمة دور النشر ومحدودية بعضها في التعاطي مع إصداراتها التي أخذت تراكمها دون خطة فعلية تدفع في اتجاه السير بها نحو الجمهور، وايجاد السّبل الكفيلة لجذبه إلى ملعبها وفق منهجية مدروسة تراعي فيها تحديات اليوم، وتتشبّث بمكتسباتها المحصّلة، فلا تكتفي بذلك بأسلوب واحد في الطباعة والنشر ولا تركن للطرائق المألوفة في الدعاية والتسويق، وثالها سد المنافذ أمام فصيل شبابي يحمل مشروعه في الكتابة ويعبّر عن شواغل جيله، ورابعها وهو الأكثر تأثيرا اكتساح التكنولوجيات الحديثة لمجال الابداع وافتكاكه لحيز كبير من ذهن الشباب ومستعمليه، وسلاسة التعاطي معه من قبل الجمهور الذي بات يميل إلى الجاهز من الأشياء دون تكبّد عناء البحث والتنقّل. بذلك يصبح النشر في زمننا رهين استعدادات الجماهير المثقفة والالحاح عليها بالسؤال إن كانت لا تزال تُسلّم بجاذبية الكتاب الورقي أم أنها جاذبية مغلوطة تقادمت وتآكلت وتراجعت لتفسح المجال أمام غزو إلكتروني يراهن عليه البعض ويراه أنه الأوفر حظا والأكثر فاعلية والأفضل في انتشار المؤلفات والتعريف بالكاتب وأسلوب كتابته.
أنساير أم نعاند؟
هو مفترق طرق يعيشه الكاتب والروائي، ليتصارع مع ذاك الجدل المحتدم بين ضريبة الواقع، والعيش على أطلال العودة إلى منزلة الكتاب التي طحنته عجلة الزمن ولا زالت إن حافظ على صورته القديمة. فبديهي أن يلتفت الجمهور القارئ إلى اهتماماته المعاصرة التي ترسم شغفه الشّديد بمواكبة التكنولوجيا، ورغبة الجامحة في اختيار السبل الأكثر رفاهية للذّهن البشري في تركيبته المعاصرة المتأثرة بعالم الرقمنة والافتراضي. فالكتاب هنا سيحافظ على تواجده حتما باعتباره كيان والروح مبثوثة داخله، وفكرة لا تتغيّر ومواقف تعبّر عن صاحبها لا تقبل التحريف، وبذلك ما سيتغيّر ليس جوهر الرواية ولا جملها ونصوصها التي تنسج معانيها، بل أساليب بثّها للمتقبّل وطرائق إيصالها له على الهيئة التي تتماشى ومقتضيات الحاضر، وتتناسب وظروفه الحياتية، وتواكب المسار الرقمي في مختلف تجلياته. وبهذا لا أرى في مستقبل الكتابة بمختلف مجالاتها سوى في المخطوط المعالج تكنولوجيا سواء رقنا محمّلا على منصّات التواصل والمكتبات الافتراضية، أو من خلال الكتاب الصوتي المنقول بحرفية من خلال تلك المحسّنات الصوتية والاختيارات الصورية التي ترافق النص المقروء.