كان أبي
ينحت في الصخر حروف الماء
فتتدفق الينابيع في الصحراء
على إيقاع هسهسة الضياء
فينبت العشب على ضفاف السماء.
******
أبي….
أورثني الشمس والأرض الطيبة
الممزوجة بعرق ودماء الأجداد
كما أورثني المحراث والمنجل
وبضع حبيبات من القمح
وبئر ماء زلال
فصرتُ أهدهد تلك الأرض
وأناغيها
أغني لها أناشيد المطر والضوء
وأتلو على مسامعها مزامير الزرع والحصاد
ونثرت عليها قبيل شروق الشمس
غبار الطلع
فبدأ يسري بأوردتها اليخضور الطازج
وتنضح مساماتها زيتاً وخمرا
وتفوح من أردانها أزهير الفل والأقحوان
ويصعد من أخاديدها أريج الأمومة الإلهية
وحين توهج عرق جبيني في مرايا التراب
تفتقت على شفاهها البراعم
وفاح العطر من أثلام التراب
فتبرّجت كغادة مسكونة بالنار
في انتظار انبعاث السنابل من شرانق الطين
والأشجار من ثنايا الأرض
لتتوافد على أغصانها أسراب الطيور
من قدس أقداس المنافي البعيدة.
******
أمي… المليكة الحسناء
تتلألأ في مرآة التاريخ الأزلي
على ضفاف دجلة والفرات
هي شراعي الوحيد
في بحار المنافي القصية
وهي قطرة الخصب والنماء
في صحرائي الموحشة
كلما تذكرتها
مضغت الحزن
على أمل أن تتوهج الآمال
لنقطف عناقيد الفرح
أماه…
حينما تبتسمين
تترنح الشمس جذلى على رؤوس الجبال
وتتفتق أكمام الزهور على سفوح الهضاب والتلال
وتتهادى نسائم الفجر على ضفاف الأنهار
وتتألق مصابيح القصائد فوق الغمام.
******
وطني أصغر من واحة في الصحراء
وأوسع من وطن الآلهة
الزاخرة بغابات من االأنوار
في الليل
أراه متوهجاً كشظايا الشمس
وفي النهار يتفيأ تحت ظل الشمس.
******
أهز أغصان الغيوم
ألملم أزاهير المروج
لينهمر المطر اللذيذ فوق جذور الأشجار اليابسة
وليبدأ الأموات ترانيم القيامة في القبور المظلمة
لتينع حقولنا بقهقهات الأنسام الجذلى
مبجّلٌ أنليل
القادم على أجنحة العواصف والرياح
حاملا بين أنامله المشرقة
ذخائر قديسي آشور وبابل
المتهللين في وجوه وقلوب أبنائي
الذين يحلقون على أجنحة الحزن
نحو مرافئ الآلام والآمال.
******
فوق ضريح جدي الأول
تنبت سنابل الأنوار.
******
ماسة الليل
على الشاطئ السحري
ينعكس سطوعها في مرآة الشمس.
******
ينتفض قلبي على بطاح نينوى
كعصفور يتلقفه مخلب القط
قبيل أن ينفث أنفاسه
محدقاً في السماء.
******
عشتار
راية تخفق فوق كل جهات الأرض
فراشة ضوء
ترفرف فوق كل بحار ومحيطات العالم
لتستقر في مقلة الشمس.
******
بابل
شجرة مباركة
غرستها يد الله على ضفاف الفرات
باركتها الأمطار القدسية
فتسامقت كعمود نور
وتبلجت بين نجوم السموات
تواكبها عرائس الحمام الزاجل .
******
وطني…. ضوء الحب
ونكهة العشق السماوي الهفهاف
جرح ينزف على نصل السكين
وفي قلبي
النائح في دهاليز الأبدية
يا وطني…
أخشى عليك من إعصار البحر
واشتعال الغابات.
******
قريتنا الثكلى
أبواب بيوتها مفتوحة للريح
وأهلها
ذهبوا مع الرياح
وصلبان كنائسها مخلوعة من أساساتها
ومرماة في القمامات
وصور آبائنا وأجدادنا في مرايا الجدران العتيقة
شوهتها معاول الغرباء
وتنمو على أطلالها الذكريات
قريتي… رعشة عشق
خاتمة نشيد الأنشاد
معطّرة ببخور السماء
وحمامة مهووسة بأوراق الزيتون
وجهها
كوكب من البنفسج والجلنار
ليتني كنت أستطيع أن أحملها على كتف
وترابها على الكتف الآخر
وأهيم بها في متاهات المنافي
أو أتسلل إليها في غسق الدجى
والكلاب نيام
لأشم عبق الحيطان التي بكيت في جنباتها
في أول طلوع شمس.
******
ملعونة أفؤس الشياطين تنهال على تماثيل الآلهة
ملعونة أقدام قطاع الطرق على مقابر الأجداد
ملعونة أفاعي الصحراء
تتربص بالحمام الزاجل في الواحات
ملعونة الرايات السوداء الملطخة بدماء الأطفال الأبرياء
ملعونة جميع كلاب الكهوف والمغارات المظلمة
ملعونة كل الذئاب البشرية
آكلة لحوم البشر
التي تفوق بنجاستها
كل ما في الكون من نجاسة
ملعونون
من هبطوا على التراب المقدس
من أقبية الجحيم
بأقدامهم الملوثة بقاذورات حظائر الخنازير
غداً سيتأججون في النار الأزلية
ملعونون بكل لغات العالم
من حطموا أبواب الكنائس
ليسفكوا دماء المصلين على عتبات المحاريب
ويحولون أجسادهم إلى كتل لحم محترقة
فاجرة الحوريات المنزلقات من السماء
الهاربة من فخاخ الموت
إلى أحضان رمال الصحراء.
******
سقطنا في هوة النسيان
نجوب دهاليز التيه
نحمل رايات الأمل
ننشرها خفاقة على أوتاد الرياح
وننظر إلى وجوهنا في مرايا الأزمنة والعصور
على أمل
أن تزهر الغربة قناديل
تضيء درب العودة لمسقط الرأس
لتعود من المنافي أسراب السنونو
وترى آثار أقدام أجدادها
تتلألأ على أوجه المياه
مجلجلة كناقوس الصباح
وصادحة كأنشودة الفجر فوق التلال.
******
الطفل الآشوري الطازج
متى… وأينما كان
سترى انعكاسات ظلال الحزن والألم
تشع في عينيه
وتشم أريج اللهب من رؤوس أصابعه
وبأن لكلمة الوطن لديه
نكهة نسيم الفجر على ضفاف دجلة والفرات
وطهارة عشتار
وقدسية آشور.
*****
أحسد الغيوم
وهي تعبر الآفاق حرّة طليقة
وأحسد الأمطار وهي تتساقط بدون إرادة الأنظمة الأمنية
وأحسد النجوم وهي تضيء بلا كهرباء
أما أنا
أظل سجيناً في زنزانة المنفى
ولا أنطلق حراً طليقا
إلا في أحلام اليقظة
وسأظل كذلك
حتى تعود إنانا من عالم الأموات.
******
أتسلق جدار الضوء
لأقطف الحروف المتدلية من قصيدة بلا عنوان.