![](https://i0.wp.com/basrayatha.com/wp-content/uploads/2024/01/almotanaby-street.jpg?fit=450%2C300&ssl=1)
كتبت العديد من المقالات والدراسات الأدبية والصحفية والنقدية حول ظاهرة الغموض في
الشعر الحديث ، وبعيداً عن الدخول في معنى الغموض وأسبابه الرئيسية والثانوية فإن هذه
الظاهرة يمكن أن نحددها في إطار العملية الإبداعية والعملية التذوقية أي ( الإبداع والتلقي )
أي ما يمكن التعبير عنه بـ علاقة المبدع بالمتلقي فكل من المبدع والمتلقي يتحمل مسؤولية الغموض في الشعر ، إذا كان المبدع يكتب لنفسه فقط تحت ضغط الحالة الشعرية دونما التفكير ولو قليلاً بقارئ قبلي في ذهنه فيمكن أن ينتج نصاً لا يستسيغه القارئ ، وإذ كان الشاعر ينتج النص وهو يحسب للقارئ ألف حساب ، ويضع في ذهنه قارئاً قبلياً فإن إمكانية حدوث الغموض قليلة بل قليلة جداً يقول في هذا الصدد تولستوي ” أنا أعرف من تجربتي في الكتابة أن توتر النص الذي أكتبه ونوعيته يتوقفان على تصوري القبلي للقارئ الذي اكتبه له ” إن ظاهرة الغموض في الشعر الحديث تتأتى من الهوة الفاصلة بين الشاعر والمتلقي فالشاعر عندما يقترب قليلاً من مستوى القارئ / عبر قصيدته / يستطيع إيصال قصيدته إليه دونما صعوبة تذكر ، ولا يعني هذا أن ينحدر الشاعر إلى المباشرة والتقريرية ، وإنما أن يستطيع فنيتاً إيصال محتويات وتوترات قصيدته إلى المتلقي دونما غموض كبير ، فالقصيدة لا يمكن أن تتحول إلى قطعة نثرٍ واضحة وغير غامضة ، ولكن لا أن تتحول ـ بالمقابل ـ إلى طلسمٍ أو أحجيةٍ أو لغزٍ عسير على الفهم أو التذوق ، إن الغموض الفني ينمي لدى القارئ حس التذوق الشعري ، ويطور لديه إمكانية التلقي الشعري ويحلق به إلى سماء الإبداع والشفافية والمتعة والسمو الأدبي الرفيع ، إن العلاقة بين الكاتب ( المبدع ) والمتلقي ( القارئ ) تأخذ طبيعة التبادل والمثاقفة والتفاعل فهي معادلة متشابكة متداخلة متجادلة ليست أحادية الطرف أو الرجحان وإنما ثنائية التداخل والتجادل والتبادل ، واستناداً إلى ذلك وتساوقاً مع فحوى ذلك يقول الدكتور وهب رومية :” إن مفهوم القراءة المعاصر مقترن بالاكتشاف وإعادة إنتاج المعرفة ، وهو لذلك مفهوم خصب يمتد من التفسير إلى التأويل ، ويؤكد أن الذات القارئة فيه لا تقل أهمية عن الموضوع المقروء ، ويكشف بوضوح باهر عن أهمية طبيعة المعرفة التي تصل القارئ بالنص و في ضوء هذا المفهوم يكون كل فهم للنص هو التقاء بين خطابين خطاب الذات القارئة المضمر وخطاب الموضوع المقروء أي هو حوار بينهما ” ولذلك فإن القارئ يتطلب منه الاهتمام بالمزيد من القراءات الشعرية ، والتمييز بين الغموض الفني والغموض غير الفني ، ويمتلك القدرة على مواصلة التلقي الشعري و فك رموز و إيحاءات و فهم معنى القصائد الشعرية ، و الغموض ضرورة شعرية بشرط أن تصل القصيدة إلى المتلقي دونما إغراق في الشكلانية واللعب اللفظية ودونما إغراق في الرموز والابتعاد عن مقاربة الواقع .
—–
كاتب وباحث سوري مقيم في النرويج