الصواريخ التى سقطت فوق المباني الفلسطينية بفعل الكيان الصهيوني؛ ردًا على “طوفان الأقصى” توقفت.
توقفت بعد إعلان هدنة.
فى أمل وتمنِ خرج رجال الإنقاذ الفلسطيني بحثًا عن وجود أحياء أو مصابين.
بعد أيام توقف رجال الإنقاذ عن عملهم الذى واصلوه ليل نهار، فجميع أجهزتهم لم تدلِ بإشارات جديدة تدل على وجود أحياء تحت الأنقاض.
فجأة..
توقفت أمامهم إحدى الأمهات، لتعترض طريق عودتهم.
– إلى أين انتم ذاهبون..؟!
قالتها الأم فى ثورة غضب.
– لقد انتهى عملنا، فلم يعد هناك أي أحياء تحت الأنقاض.
قالها كبير المسعفين.
– من قال ذلك..؟!
قالت الأم فى ثقة شديدة وأمل أشد.
فى تعجب شديد نظر كبير المسعفين إلى رجاله الملتفين من حوله، وسرعان ما راح يقول:
– أجهزتنا الدقيقة تؤكد لنا أنه لم يعد هناك أي أحياء.
– كذبت وكذبت أجهزتكم الدقيقة هذه.
تعجب الرجل الذى عاد ينظر إلى رجاله، عل أحدا منهم يرد عليها، فلم يعد لديه ما يقوله لها.
– وما دليلك يا أمي على وجود أحياء تحت هذه الأنقاض..؟!
فى ثقة وعزيمة أمسكت الأم يد كبير المسعفين وراحت تجره نحو البنايات الكثيرة المتهدمة التى لم يعد لها أي معالم
تذكر.
– تعال معي..
خطوات ثم توقفت وراحت تقول:
– ألن تأمر رجالك أن يأتوا خلفنا..؟!
فى ضيق من أمره أمر كبير المسعفين رجاله أن يتبعوه.
فجأة توقفت الأم.
نظرت إلى كبير المسعفين ثم التفتت إلى رجاله ثم نظرت إلى إحدى البنايات التى تساوت أدوارها بالأرض، وسرعان ما راحت تقول مبتسمة فى ثقة:
– هنا يوجد أحياء.
فى تعجب شديد نظر إليها كبير المسعفين، ثم نظر إلى رجاله الواقفين خلفه، ثم عاد ونظر إليها، وسرعان ما راح يقول فى تعجب واستغراب شديدين:
– هل أنتِ على يقين من وجود أحياء. هنا.؟! ؛ رغم ما ترينه رؤيا العين من دمار شامل.
– نعم رغم الدمار الشامل الواضح لك ولرجالك إلا أنه لم يزل تحت هذه الأنقاض أربعة أحياء.
قالتها فى ثبات ويقين وثقة.
– وما دليك على صحة كلامك..؟!
– قلبي دليلي.
– وما علاقتك بهؤلاء الأربعة..؟!
انتصب جسد الأم من بعد تقوس.
رفعت رأسها عاليًا.
راحت تقول مبتسمة فى كبرياء وثقة:
– إنهم أولادي.
لم يعد لدي كبير المسعفين ما يقوله لهذه الأم الواثقة من قلبها، غير أنه نظر إلى رجاله، وراح يقول:
– هيا.. هيا تقدموا للبحث عن أولادها.
فى أمل قالها كبير المسعفين لرجاله.
ثم عاد والتفت مبتسمًا إلى الأم التى راحت تتنهد فى ثقة، وراح يقول لها:
– تفضلي يا أمي اجلسي ارتاحي، حتى يجدَ رجالي أولادك.
– لن أجلس حتى يخرج أولادي وأراهم رؤيا العين، وحتى تتأكد أنني رغم كبر سني، إلا أنني لم أزل احتفظ بكامل عقلي.
دقائق وراح يصرخ أحد المسعفين على كبيرهم:
– يا ريس.. يا ريس.. تعالِ من فضلك.
نظر كبير المسعفين إلى الأم التى لم يزل يعلو وجهها ابتسامة مشرقة كشروق الشمس، نظر إليها حتى تأتي معه، ولكنه تفاجئ بقولها:
– ااذهب أنت.. إنه يريد أن يخبرك أنه يسمع صوت أولادي تحت الأنقاض.. يسمع صوتهم كما أسمعه أنا.
تركها كبير المسعفين وهو يتمتم بكلمات غير مسموعة.
– من فضلك ضع أذنيك أسفل هذا السقف الذي تساوى بالأرض، وتأكد هل ما سمعناه حقيقة..؟!
وضع كبيرهم أذنه اليمنى كما طلب منه أحد رجاله بذلك.
تعجب عندما سمع أصواتًا تقول:
( اللهم إنا نستودعك فلسطين وأهلها، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم إنا لا نملك لفلسطين إلا الدعاء، يارب لا ترد لنا دعاء ولا تخيب لنا رجاء وأنت أرحم الراحمين)
كبير المسعفين لم يصدق ما يسمعه؛ رغم أنه يتكرر دومًا دون توقف، مما جعله يأمر رجاله بسرعة إخراجهم.
قالها وسرعان ما همس محدثًا نفسه فى ثقة ويقين:
– صدق قلب الأم.
العجيب والغريب أن الأربعة خرجوا من أسفل الأنقاض من دون أن يصاب أيٌّ منهم بأذي.
صافحهم كبير المسعفين الذى هنأهم بسلامة العودة، ومن ثمٍ راح يسألهم تباعًا عن أسمائهم:
هذه الأسماء الغريبة والفريدة التى راحت تخترق أذنيه فى قوة وعزيمة:
– أنا حورية.
– وأنا أمل.
– وأنا عّزه.
– وأنا منتصر.
– من أخبركم أننا لم نزل على قيد الحياة..؟!
قالوها معًا فى صوت قوي ومتوحد لكبير المسعفين، الذى أخرج ابتسامة جميلة، وراح يقول فى ثقة.
– أمكم.
– أُمنا..
قالوها معًا فى تعجب شديد.
– نعم أمكم..
– أٌمنا ماتت منذ سنوات طويلة، فكيف أخبرتكم..؟!
تعجب الرجل من كلامهم.. مما جعله يقول وهو يلتفت خلفه مُشيرًا إلى مكان وقوف الأم:
– هذه هي أمكم. فكيف تقولون أنها ماتت منذ سنوات..؟!
قالها ثم لاذ بالصمت.
قالها ولم تزل عيناه تبحثان عن وجود الأم التى اختفت فجأة.