لا تبدو مندهشاً حينما يُقال إنَّ الشعر الوجدانيّ قد افِل نجمه مع القصيدة العموديّةبعدما حلّت القصيدة العاميّة الممثلة بالشعر الشعبي منتشرة في أغلب الصحف الحديثة، وفي المجلة صفحات للشعر الشعبي.
هذا ليس الغاءً لجنس الأدب الشعبي قدر ما يمكن تسميته بالصيد الغثّ. فبين همسات الشعر الوجدانيّ، و المناجاة العذريّةفي الفِراق، و الوجد، و الحبّ، والأماني، والاشواق. كانت ثمراتها من الكتب الادبيّة في دقّة الوصف، وحُسن التعبير، ومنها “” طوق الحمامةفي الأُلفة الآلاف لابن حزم الأندلسي”” “؛ والذي يُعرض بأبوابه
الثلاثين لدقائق حالات الحبّ في الوفاء، والضنى، والموت من الرقيب، والواشي ؛ وغيرها قد هيأت لدراسات منها كتاب”” الْحبُّ في التراث العربي”” تأليف محمّد حسن عبد اللْه، وكتاب”” اشواق العشاق في الأدب العربيّ”” قام بجمعه عبد الأمير حبيب الطائي، والذي يقول في مقدّمته”” لهذا فضّلت انْ اقومَ بنبش ما في هذه المخطوطات التّي تتيسّر لي إضافةإلى ما في هذه المطبوعات القديمة، والحديثةص٥/ط١/سنة١٩٨٥.
ما نشهده اليوم هو سيطرة اللّغة العاميّة في الشعر الشعبي للغرض الإجتماعي وهو يشهد تقدّم الاُمم، وتراثها، ويترك آثاراً سلبيّة في التعامل مع العاطفة، والهمسات باسلوب سريع الحفظ عند ممن لم يحظ بالثقافة، والتواصل في طلب العلم. يتراطنون به في عملهم، ويغلب عليهم إسلوب التكرار..
وهنا يأتي دور الشاعر في المحافظة على اللّغة كأسلوب للتعامل عندما يتناول قضيّة إجتماعيّة من قضايا المجتمع من الفقر، والمرض، والجوع؛ وهذه بحدّ ذاتها سيطرت على شعراء العراق أمثال الرصافي، والزهاوي، و الشبيبي، وكذلك في مصر أمثال الشعراء احمد شوقي، وحافظ إبراهيم، الذين شخّصوا السلبيات، وهي تطفو على سياسة البلاد.
ماذا يضّر لو تناولنا الغاية الإجتماعية بصورها الإيجابيّة؟ كانْ يكون الزواج هذه المناسبة التّي يُكثر فيها التهريج بإسم اللغة، العبارات الفجّة، والكلام الجارح للذّوق. هل يعجز الشاعر أن يُقدّم التهنئة من الشعر
الو جداني تشهد سلامةاللغة، وحُسن الأسلوب مفعمة الاشواق، والأماني، و الحبّ لتصبح بدلاً عن القصيدة العاميّة التي تريد أن تتكئ على الشعر الوجدانيّ، وتخضعها لها قالباًواسلوباَ.
إنَّ طابع الشعر الو جداني مع القصيدة العموديّةقد يشهد إزدهاراً إذا أكثر الشعراء في تناول الغايات الإجتماعيّة لعلّها تدخل البهجة، والسرور لدى شرائح المجتمع، وتبعد شبح القضايا السَّياسية وهي تتفاقم كُلّ يوم دون حلول.
ولنا في النَّصينِ عن الزواج ما يفتح ابواباً للغاية الوجدانيّة ضمن كل قصيدة أراد ان تبٍين الفروقات بين زواج، وآخر. يقول الشاعر:
قبل الزّواج يكون المرء محترقاً. على التي يهواها قلبه علِقا
تراه يُنفق اموالاً قضى زمناً. من الجبين عليها يكسب العرقا
ويهجر الأهل والأصحاب اجمعهم. لكي يكون بها في الحبّ ملتصقا
لو إنّها سألته حاجةً لجرى كالسيل مندفقاً والسَّهم منطلقا
يشري كُلٍ ما تهواه من تُحفٍ. يشري الاساوروالاطواق والحلقا
هذا النص يميز لحظات حصول موافقة الزواج بين الطرفين ،فنجد غرض الوصف للمحب، وما يقدمْه لمحبوبته من أموال، وشراء حاجات لها حتى يصل به الحال ان يهجر اهله وإخوانه، واصحابه وثمة تصوير جميل في بيت الشاعر هو مفارقة بين سؤال حاجتها، وبين انطلاقه كالسيل او السهم.، وما تهواه المرأة من حُلي، وذهب فهو بين يديها.
ونص آخر يتناول زواجا لرجل وما مرَّ عليه من أحداث بوصف جميل يصل حدَّ السَّخرية، والتّندّر يقول:
تزوّجت اثنتين لفرط جهلي بما يشقى به زوج اثنتين
فقلت اصير بينهما خروفاً. انعمْ بين أكرم نعجتين
فصرتُ كنعجة تُمسي وتُضحي. تُداول بين أخبث ذئبتين
رضا هذي يُهيج سخط هذي. فما اعرى من إحدى السخطتين
وقد يبدو التناقض واضحاً بين هذين النَّصين، فهو دليل على إنَّ هذا الغرض قد يعرض إسلوباَ يمزج بين الغاية لذاتها؛ او ما يخرج من تناقض عنها، و للشاعر ما في قلبه حينما يطرق أبواب هذا اللّون الشعري.
ونجد على صفحات التواصل الإجتماعي مؤسسات ثقافيَّة، و ادبيّة تسمح للمتابعين النشر وفق ضوابط اللّغة العربيّة، ونوعية الموضوعات التي ستنشرها ومنها ما يكون شعراً وجدانيّاَ في الوصف، ولكنْ ذلك النشاط ما يلبث ان يختفي لكثرة المنشورات على الجهاز، وليس ما تحتضنه صفحات الكتاب فهي باقية، ويمكن الرجوع إليها من إعتماد الصفحة، وسنة الطبع، وهذه كُلّها من دواعي الإعتزاز بالكتاب الورقي. صفحات منه عن الشعر الوجدانيّ..