نزفت عيون السماء في نشيج على ضريح الوجع، رعود تدمدم وصخب جارف يهز الكيان، ارتجت الأرض وانشقت، ورسمت على خريطة جروحي أخاديد دامية أوغلت في كبدي، ما بين أوجاع البلاد مسافر قلبي، لم أكن أعلم أن الصخر يهد وأن السيل يعلو دون حد… وحيد أنا كأني برحلة الموت، تائه أغدو وأروح، تلدغني عقارب ساعة الانتظار، بداخلي صرخة خرس حرفها، مصلوبة في عمق الوجع، قلبي هناك لم يبرح مراتعه، فلم يبق منا سوى أصوات الحزن والألم، صور الموتى والجرحى مازالت عالقة في عقلي، قلوب تقطعت، وأصوات انقطعت، وبين صرخات وآهات، قلب موجوع وعين تبكي، الخراب يعم المكان، ضاع الأهل والأحباب، قطعت حبال الوصل، وصاروا في خبر كان .. ورغم ذلك تستمر الحياة، بابتسامة تعلو وجوها بريئة، وفرحة نابعة من قلوب صادقة، قنوعة…يعلوصوتها : “أنقذوا أبي، أمي، أخوتي، والجيران… في مأمن لاقت الأرواح باريها من غير وعد، تنهيدات بزفرات السكون، وأنين القلوب بات مسموعا، وحنين الاشتياق لا يرحم… كانت الأصوات تنوح، تتعثر خطاها تحت الأنقاض بأكوام الزفرات، من قلب الدمار يصرخ صبية ولدهم الموت من رحم الفناء، وعيد ميلادهم زلزال، غيوم الحزن تحوم على أرضهم التي ارتوت بدماء الشهداء، كل من عليها أشلاء، تكالى، يتامى، مفقودون، ومشاهد تكوي الفؤاد بجمرة الأشجان، ودموع شعب وحده الألم، ضاقت بها العيون، استقت من رميم الغيمات، فأنبتت شجرة للكلام، بهمسة، انتشر الخبر في كل مكان، فتجند الوطن بملامح ترتدي كفن الحداد. مدت أيادي الإخاء، جاؤوا سعيا بالمدد، أكرموا الموتى بدفنهم، واحتضنوا الأرامل والصغار، فحق لهم مسابقة المعالي، ووصفهم بأسود الجبال… إليك يا من مررت بين سطوري تمهل، فالجرح غائر والآه سكناه، والنفس في سكون الليل تبتهل، تشكو وجع شوق من رحلوا، وإن كان قدرنا أن نجونا، فإن الأثر لازال يذكرنا بما صار وكان … فاطمة الزهراء دحماني