يهيمن على مجموعة “الخارج من ظله”, للقاص كامل فرعون, مركز إنساني واحد, اتجاه قضايا متغيرة, على الرغم من تعدد الأطر الحكائية في القصص, إلا أننا أمام سلوك إنساني واحد، قلما يتغير, لكنه يقوم بأدوار متعددة, يعتمد فيها الراوي المشارك أو العليم في هذه المجموعة على إحساس ذاتي متفرد اتجاه ما يدور حول أبطال كل قصة من المجموعة, وغالبا ما تمنح الطبيعة أثرا كبيرا في التعبير عن شعور البطل, وانقباضاته الدائمة اتجاه ما يحصل, فتظهر لنا جمل غير ودودة اتجاه ما يجري من أحداث, يتم اختزالها عن طريق إحساس يهيمن على مفاصله الإحباط والتواطؤ مع الذات, اتجا? مجموعة العناصر والبنى المكونة للنص, فيعاني أبطال هذه المجموعة من ألم نفسي حاد, ومن مزاج متعكر دائما, ورفض للانسلاخ مع المجتمع يتم التعبير عنه من خلال دائرة مغلقة من هواجس استبعادية للآخر, وقد تتحول في أحيان كثيرة الى الشعور بعدوانية كل شيء, فيتكرر حضور “الباب والشباك” في أغلب قصص المجموعة, وهي دلالة على الانفصال عن المشهد والمراقبة الحذرة المشوبة بالكدر والبؤس النفسي, ويحتل الباب او الولوج منه انتهاكا متكررا, في حين يعبر الشباك عن نوع من أنواع الحصار الذاتي اتجاه المتغير الخطير في المحيط, وتشغل عناصر الطب?عة بشكلها المعادي, استغراقا كبيرا في نكوص شخصيات المجموعة.
ان الشعور بالغربة او الاغتراب, سواء الفعلي منه, حيث يكون أبطال المجموعة مسافرين دائما الى مدن و قرى, غرباء عنها تماماً, او عائدين اليها ولم يتعرف اليهم احد, تقابل هذه الغربة شعوراً آخر بالاغتراب, وهو شعور بعدم القابلية على التعاطي أو التعامل مع الوجود البشري أو الطبيعي. يهيمن هذا الاحساس على أغلب أبطال المجموعة, حتى يظهرون بلا أسماء, ودون ملامح واضحة, سوى تعبير بإحساس منفعل ورافض لما يجري, ويتم تسويف المكان او تسميته, ويستعاض عن ذلك بحشد وصفي منطلق من الإحساس اتجاهه. ويختفي الحوار ويتم استبداله بالاثر ال?فسي المنقبض دائما, والمتحول الى غضب او اشمئزاز او خوف, فالحوار مرعب لهذه الذوات المنغلقة, فيكون الهرب القسري او الاختياري هو سمة النهاية للسرد, ولكن الإحساس بالاغتراب والأسى يبقى ملازما لأبطال المجموعة, وان غادروا المكان.
ان الشعور بتشابه الأشياء لدى ابطال المجموعة, يقابله مشهد تصويري مقرب جدا, فهم حين يجمعون بين الناس والطبيعة والأثاث والأوامر الرسمية, بتكثيف تعبيري موحد, يتقدم المشهد السردي بعين راصدة دقيقة جدا, تركز على فاعلية وحركات بسيطة, وتهمل بقية المشهد, فيسيطر الـ (zoom) على كافة مفاصل الحركة التصويرية في المجموعة, في حين يعبر عن بقية الأجزاء, المكملة, باستخدام أسلوب الرص الوصفي للجمل, وهو يتكرر بغزارة في المجموعة, متخذا من التراكم التعبيري, في جمل تلتقي دون حروف عطف, وبحشد من الأوصاف المكثفة جدا, تجمع كافة العناصر?المحيطة بالبطل, وتقدم نتائج استباقي للمتلقي, يشعر من خلالها بعدوانية الأشياء, وربما تضيع في هذا الحشد عتبة اللقاء مع القارئ, الذي يتسرب اليه اليأس والتعكير من هذا الرص التعبيري غير الودود.
على الرغم من ان أبطال المجموعة يعبرون مرارا وتكرارا عن رفضهم لكل ما يدور, لكنهم لا يقومون باي عمل فاعل لتغيير واقعهم للأفضل, حيث لا أصدقاء أوفياء, أو أقارب مؤثرين, أو اسراً تشغل أفكارهم, حتى تملك منهم الشعور بالاندماج مع الذات, التي تتحول في بعض الأحيان إلى أنا متورمة, تحتقر كل السلوكيات الأخرى, بدا بسلوك الطبيعة والأفراد والاثاث, والسلطة, وهنا تبرز الشخصية السلبية التي لا تملك الحلم بالتغيير ولا تستطيع الانخراط مع المجتمع, مما يسبب لها نوعا من التفرد, وشعورا دائما بالاستلاب, حتى ان جذوة المغامرة لإثبات ا?وجود منعدمة, فضلا عن انطفاء تام ورتيب في الشعور. فتغيب المراة عن هذه المجموعة تماما, ويخلو الابطال من اي شبق او حضور انثوي هام في حياتهم, فيظهرون دون فعل خارج حدود الذات, حتى ان التجاوز الذي يقوم به بعض ابطال المجموعة, لا يتعدى عن القيام بممارسة حق طبيعي, الا ان الخوف والقلق يسيطر عليهم حتى في هذه الأعمال.
ان مجموعة الخارج من ظله للمؤلف كامل فرعون, استطاعت ان تنقل لنا تجارب الذات المهشمة في ازمان واحداث متغيرة, ومن خلال اسلوب قصصي غير تقليدي, مفعم بالتكثيف والاختصار, متنقلا بين عوالم مختلفة, فمن ساحات الحرب الصاخبة, الى بنايات الأرشيف الساكنة, الى الهجرة والاغتراب, وتتعدد هذه العوالم. يعبر النص فيها عن تجربة إنسانية مهدمة ومسحوقة, تمارس الرفض الداخلي ولا تعلنه, وقد ابدع المؤلف في رصد هذا الانسحاق الذاتي.