نبذة مختصرة من حياة الشاعر:
ولد بلعيد أيت حساين 1968 في قرية أيت لغمور، جماعة أيت سمكان سيروا، إقليم ورزازات، وقد نشأ في وسط فني مهتم بالقصيدة، أمه وأعمامه وأخواله الهاوين لأحواش، وهكذا تأثر بهذا الوسط الفني الذي جسده كبار الشعراء بورزازات، وتازناخت…
كان يكتب اشعاره حتى سنحت له الظروف لاصدار ديوانه “هدير المطر”2020م ..أ بدأ قصائده من 1986م. وهو يرى أن التوثيق للشعر الامازيغي ضرورة ثقافية وفنية من أجل المحافظة على الأدب الأمازيغي “برنامج تيفراس”.
غلاف الديوان :
يعتبر غلاف الديوان بما يحمله من معطيات من أهم وأول العتبات التي تغري للقراءة والاطلاع على المتضمن في الديوان.
وغلاف الديوان المستهدف بالقراءة غلاف يحمل صورة مفرداتها يدان ينسجان، وزبية في طور الإنجاز، يعلوها سحاب شبيه بالثلج.
غلاف له علاقة بملمح من ملامح التراث الأمازيغي، وكثير من أغلفة الاعمال السردية والشعرية وغيرها نجدها تمتح من التراث الأمازيغي ما تتعزز بها أغلفتها باعتبار التراث الأمازيغي يفرض نفسه في عصر أخذ المبدعون والنقاد يدونون ما كان شفويا قديما، ويدونون ما تجود به قرائح المحدثين من نصوص في السرد والشعر .
لوحة الغلاف رمزية تحمل انزياحا يتشكل عبر المفردات التي تتوزعها، فكأن السحاب تنزل منه خيوط المطر وهي في ذات الوقت خيوط زربية بدئ في نسجها. وهي بهذه الوضعية تثير الفضول لمعرفة علاقة النسج بسقوط المطر، ويدفع ذلك إلى طرح أسئلة من قبيل:
ـ هل المطر وهو السبب في سقوط المطر يفعل ما يشبه النسج وهو يساعد على تغطية الأرض بالقشيب الأخضر الناضر الجميل؟
ـ اليس بسقوط المطر تزدهر تربية المواشي وهي مصدر الصوف الذي به يتم النسج؟
ـ ما علاقة قطر المطر بالنسيج؟
ـ هل النسج والمطر سيان من حيث النفع والفائدة؟
بهكذا أسئلة نحكم بجودة الصورة المختارة لغلاف الكتاب، من حيث كونها باعثة على التساؤل المساهمة في الشويق والإقبال على قراءة محتوى الديوان.
توصيف عام للديوان :
جاء الديوان في طبعة مستحسنة، في 144صفحة من الحجم المتوسط، تتوزعها مقدمة بقلم الشاعر والباحث الاستاذ الطيب أمكرود.
وشهادات في حق الشاعر لكل من عبدالرحمان واد الرحمة، وإبراهيم باوش، سعيد بشنة، تليها قصائد الديوان الثامنة والأربعين وهي:إمِّي إيجّا، أمور، أكال،تادارت، تازويت، أمكسا، مان سول أتيك، إيرافان، أسدود، أكليف، أحندور، أغرش ن وورغ، أيسف إنكي، كار أكليف، تاكرزاوت، إيرزا واييس، أمدَّا، كار إيسمخ، أفكان، تيكروت، إزورفان ن أوفكان، تاسمي، تازويت تاضرضورت، آح آنكّي، أيّور، أسيف، تايري إجلان، تاربيعت، إيزم، أسافو، أماكوس، كارامود، أرَّتْن، تيريكت، أسافار، أجديك، إيسكيرن، أساواض،أخلال، أسمامي، تاودا، أمزيل، أمعييور، بوتايري، أورتي، أنواش، أمسافار، إيمي حنا.
قصائد تتوزعها الحقول المعجمية المتعلقة بالطبيعة، بالإنسان، بالمشاعر. وهي الحقول التي لا تخلو منها الدواوين الشعرية الأمازيغية وغيرها.
عنوان الديوان :
“لا شك أن العنوان له أهميته في الأعمال الأدبية و الدرامية بتنوعها ، فلا قصيدة ولا رواية ولا فيلم ولا مسرحية بلا عنوان ، فأين تتجلى أهمية العنوان بالنسبة للعمل الإبداعي ؟ وكيف نستقبل إبداعات بلا عنوان ؟ وهل يمكن التمييز بين الإبداعات بلا استناد إلى عناوين تفصل بينها ؟ أسئلة كثير ة تُطرح بصدد العنوان والغاية منه . وحين يتعلق الأمر باللوحة التشكيلية فإننا نكون أمام استثناء وخصوصية ، فكثير من الأعمال التشكيلية تواجهها وتواجهك بمفرداتها بعيدا عن عناوين تقاسمك وتقاسمها بعضا من مفاتيح مغاليقها. وقبل الخوض في الحديث عن اللوحة بعنوان أو بدونه ، نرى من الأجدر ذكر بعض من فوائد العنوان للأعمال الإبداعية :
ـ علامة تمييزية لعمل أدبي عن غيره.
ـ إنه بمثابة البوابة المشرعة للتواصل مع التركيبة الإبداعية ، يواجهك في الكتاب والجريدة والمجلة والفيلم ،وغيرها ، وكأنه يأخذ بيدك للتجول في رحاب هذا العمل الإبداعي أو ذاك …
ـ نص موازعمل وبوابة أساسة للانخراط في عوالم العمل الأدبي سرديا كان أو شعريا.
ـ يجذب المستهلك كي يقبل على المنتج الإبداعي برغبة وبفضول الباحث عن حقيقة فحوى هذا العنوان ، وبذلك يصير مصيدة أحيانا خاصة حين يكون لماعا دافعا بنا للغوص في إبداعات دون مستوى وقدر دلالته ، فيبقى إشهاريا كاذبا فحسب.
ـ إنه في الغالب عنصر ملخص لمعطيات المنتج الإبداعي ، فهو معين على التلقي ، ومعين على سبر أغوار التركيب الإبداعي .
ـ يلفت إلى جوهر العمل الإبداعي ومحوره الأساسي ، وفي ذات الوقت يدعو إلى الرؤية والتمحيص لمحتوى ما وضع له نصا ـأو لوحة أو فيلما أو قصيدة إلخ..
ـ يدفعك للانخراط في صراع مع معطيات وأفكار العمل الإبداعي.” انظر مقالي بالقدس العربي، “هل تحتاج اللوحة التشكيلية إلى عنوان”بتاريخ 10 – سبتمبر – 2016م.
عنوان الديوان “تاندرا ني كوسيفن”:الهدير الذي تتبعه زخات المطر العابرة. فهو مركب إضافي، يحيل على الارتباط بين السبب والنتيجة، بين المؤشر وما يتبعه، بين العلامة والانتظار ….عنوان جاذب، مناسب للديوان الشعري باعتباره عملا أدبيا يحمل مشاعر الانتظار والانتصار، والعوامل المثيرة والنابضة التي تستحيل حدائق كلام مرصوف بقريحة الشاعر وتجربته في مجال نسج الجمال بالكلمات.
و”تاندرا” لها أكثر من معنى في اللغة الأمازيغية، فقد نقصد بها الأنين، أو الهدير، أو زئير كائن أسطوري كما يرد في الحكاية الأمازيغية.
و”أكوسيف” تعني زخات مطر تفاجئ الناس، وكثيرا ما تحدث في فصل الصيف، وقد تحدث في منطقة دون أخرى حتى ولوكانتا متقاربين.
هكذا يأتي العنوان معبرا عن وضعية إنسانية محاطة بالاندهاش والإثارة المباغثة، سواء من “تاندرا” الهدير، أو من ” أكوسيفن” الزخات، ما يحعلك تعيش حالة خاصة تستدعي الشعور بالكائن والمنتظر، فالهدير ليس دائما على الإمطار الحتمي، فقد يكون هديرا بلا مطر.
واللافت أن عنوان الديوان، عنوان مختار مستقل عن عناوين القصائد، عكس ما يقوم به كثير من الشعراء، حين يعنونون دواوينهم بعنوان لقصيدة من قصائد الديوان.
قراءة عابرة لقصائد الديوان:
وللإشارة فقصائد الديوان كتبت بحروف تيفيناغ ، وبالحروف الحروف اللاتينية تسهيلا لقراءته لكون الحرف الأمازيغي، حديثا من حيث التداول والاستعمال في الكتابة والقراءة.
وهي قصائد تتناول نفس التيمات المعروفة في الشعر الأمازيغي، من حيث التعبير عن المشاعر إزاء الأم والوطن والطبيعة، والحقوق وغيرها من الموضوعات التي نجدها في دواوين الشعراء في هذا العصر، والقارئ لأشعار عبد السلاام نصيف، وصفية عز الدين، وسعيد أيت كوكو ومحمد زوطي ومحمد ملال وغيرهم سيجد ذات التيمات بأساليب مختلفة باختلاف خبرات وتجارب أصحابها إبداعيا.
ـ قصيدة “إيمي إجّا” ص14:
تعتبر الأم من الموضوعات الرئيسة في الشعر الأمازيغي، فقد اهتم بها الشعراء حية ومفارقة للحياة، ولعل ذلك راجع إلى الخدمات الإنسانية المتعددة التي تؤديها في التربية والرعاية وغيرها من الأعمال التي تمارسها يوميا بلا انقطاع.. وإذا كان الأدب بصفة عامة والشعر خاصة غايته توصيف الواقع وانتقاده بغية تغييره للأفضل والأجمل، فإن ما تعانيه الأم من إهمال وتطويق من قبل الرجل، يعد من الأسباب الدافعة للشعراء قصد التعبير عنه بأشعار تبرز أهميتها ومعاناتها وطموحاتها. يقول الشاعر في قصيدة “إمي جا”
انكسر حامل جدران بيتنا
لا بديل له
بمجرد موتك، انكسر قلبي وكبدي
صارت حياتي حياة معتوه
هائم تائه، لا سكون ولا سكينة له
مشعث الشعر، ملوث الأسمال
شريدا أجوب الدواوير
ليس فيها مجالستي
أين التي كانت تقول ببصرنا تضاء الطرقات…
أين تلك التي تنتظرني حتى أعود في كبد الليل…
أين التي احتضنت أبنائي بلا مقابل
تحملتْ أعباءنا
حمتنا من البرد…
وبموتها غرقت في المعاناة
أرجو خالق السماوات، أن يجعل لك أُنسا في قبرك.
قصيدة عميقة التعبير عن الأم وهي تفارق الحياة، فهي عمدة المنزل، حسب الشاعر، وبدونها يهوي كل شيء ويضيع، وقد صور نفسه بعيدا عنها معتوها، يسير في الطرقات بلا وجهة ولا قصد، وهو يتذكر ما كانت تقوم به من أجله ليلا ونهارا…
قدم الشاعر ذلك في صورة حية أقرب من السرد، فهو فيها بطل يعبر عن معاناته التي لا حدود لها، وفي ذلك تعبير عن حبه العميق لها.
ـ قصيدة ” أمي الحنونه” ص 73، يقول فيها الشاعر:
نقدرك، أنتِ في القلب
أنت والدتي
من أجلنا حزنت وسهرت حتى قوي عودي
كم من خوف زرعناه في في قلبك
هيهات أن أرد جميلك
الشوك في قدمي يثير أدمعك
سعادتك في أن نرتوي ونشبع
عملت دائبة من أجلي ومن أجل أطفالي
تحملت الأهوال والخطوب من أجلنا
بأفولك أفل نصف قلبي
رحمك الله يا أمي رحمة واسعة.
وتعتبر هذه القصيدة تتمة للقصيدة السابقة من حيث رسم الأجواء التي تتحرك فيها الأم محاولة تأدية واجباتها الإنسانية المختلفة، والقصيدة اعتراف وإقرار بذلك…فالأم حسب القصيدة هي الركيز، الحضن، الاهتمام، الحب بمعانيه العميقة، وهي الموطن الحصين الحامي الذي بدونه يعيش الإنسان الفراغ القاتل حيث تفقد الحياة معناها.
ولعل الكثيرين منا يتذكرون أغنية” إمي حنا” التي تغنت بها مجموعة “إزنزارن” والتي تغنى بها المغاربة المتحدثون بالأمازيغية كبارا وصغارا بل قلدها الكثيرون من الشباب هواة الموسيقى والغناء.
ـ قصيدة “اللسان” ص 15
من يصدق الأحلام والأوهام سيعاني
كم هو جارح كلام الغير لدواخلنا
لكن الزمن كفيل بإنسائنا نذوب الأحزان
ليس الهجاء ما ينقصنا
نريد فقط أن يطيب كلامنا
أستفيد وأفيد غيري
فيا لساني احذر ذكر عيوب الآخرين
وإلا قطعت جذورك
فمن الأحسن أن يطيب كلامي
من أن أهدم أسرا
وأرجوك ربي أن تجنبني كل المخاوف.
قصيدة ذات بعد تربوي خلقي، يحاول فيها الشاعر الدعوة إلى الحذر من مزالق اللسان، فالهجاء سهل، والطيبوبة في الكلام محمودة مطلوبة، وكثير من الشعراء تغنوا بالسان وضرورة منعه من الانخراط في المذموم من الكلام. وللإشارة فالشعر الأمازيغي فيه جانب وعظي واسع، تاثرا بتعاليم القرآن والسنة النبوية، وجل الشعراء والمغنين الأمازيغ كانت إبداعاتهم مفعمة بالوعظ والحكمة والتوجيهات الدينية بصفة عامة.
ـ قصيدة “الوطن” ص 16، يقول الشاعر في
حتى لو هاجرنا إلى بلدان الآخرين
وفيها الزهر والجمال والعطر
لن أنسى وطني بهجرتي
بجانبي أمي وأبي بعيدا عن الشوق والشجون
….
وطني هو وطني
أبعد عني الجوع والظمأ
فيه أكلنا الجراد، واستعضنا بها عن لذة لحم الغزلان
لنا الجبال والبساتين والسهول
لا نخاف البرق ولا المطر
ان سحبنا النهر الجارف موقفنا السد نقتات على نصيبنا من الأسماك
كل ما أفعله أعتز به في وطني.
لقد خلق الله تعالى الإنسان مفطورا على حبه لوطنه، وتعلقه به آت من كونه حضنه وحضن آبائه وأجداده وأصدقائه ليصير جزءا من كيانه، ولأنه كذلك فقد وجد في الشعر سعة، فعبر عليه الكثير من الشعراء تعابير مفعمة بتبجيله واحترامه ورفعة قدره، والشوق إليه في حالة الاضطرار لهجرته، مع العزم الصادق للدفاع عنه إن اصابه مكروه.
وفي الشعر الأمازيغي صياغات شعرية جميلة تتضمن هذا العشق والعلاقة الحميمية الفريدة التي تربطهم بوطنهم، فالوطن بما يحمله من مقومات تشكل هوية الشعب بكل عناصرها الثقافية والحضارية والفنية…
فهو في القصيدة يعبر عن مكان ليس ككل الأمثلة، فما فيه له خصوصيات تشده إليه، ليصير المكان الذي لا بديل له وهو نفس ما عبر عنه شعراء كثيرون منهم: سعدي يوسف الذي يقول:
وطني ! خضبنا الأرض بإسمك حين نادتنا السماء
فعلى جباه الثائرين نجوم صوتك والفداء
إنا سنبقى واللواء الطلق يقدمه اللواء
فلتزدهر أبدا نجومك…أيها الأرض-السماء!
ويقول ابن الرومي:
ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ وألا أرى غيري له الدهرَ مالكاً
عهدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً كنعمةِ قومٍ أصبحُوا في ظلالِكا
وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إِليهمُ مآربُ قضاها الشبابُ هنالكا
إِذا ذَكَروا أوطانهم ذكرَّتهمُ عهودَ الصِّبا فيها فَحنُّوا لذاكا
ـ في قصيدة “النحلة”ص20، يقول الشاعر:
النحلة في سفر بعيد
تجذبها زهرة إلى زهرة
كم هي صعبة عودتها وقد حل الليل
ولا تعرف الطريق
تسير على شط النهر
وليس امامها سوى رحيق زهور الدفلى
المُرّة
رحب بها الحطب
في الظهيرة ترمق الزهر الأبيض والأصفر
تأتي به إلى ملكتها كي ينتقي أغلاه..
إنها رحلة وكأنها كتبت سرديا تقدم أحداثا وأزمنة وأمكنة تفعل فيها النحلة ما يدل على معاناتها وشقائها من أجل إفراز عسل يقتضي الكثير من المتاعب والمواجهات لعراقيل المكان …
والقصيدة بصورة غير مباشرة تحيل على الخيرين من البشر الذين يشقون بالليل والنهار من أجل تقديم المفيد للغير.
وهذه الصيغة الكتابية كثيرة الورود في الديوان على غرار كثير من الشعراء الأمازيغ. صيغة ترسم الشخصية بطلا للأحداث بهدف خلق مشهد بإمكانه أن يوصل المقصود في القصيدة بشيئ مؤثر، فالشعر في حقيقته اشتغال دقيق على جمالية الأسلوب ضمن صور شعرية ماتعة تعبر عما يعتمل في الوجدان بالصيغة التي تجعل القارئ والمستمع يعيش ذات التجربة بشكل أو بآخر.