سمع علال بأن الحكومة خصصت دعما للفئات الهشة، يتراوح بين 500 والف درهم. من كثرة تحمسه لهذا الدعم أصبح كثير الكلام مع نفسه.. ينسى أحيانا أنه يتحدث بصوت عال. وعندما يمرّ بجانب شخص يلتفت إليه، يتدارك الأمر، ويخفض صوته:
ـ ستتوصل يا علال بمبلغ قار من المال في نهاية كل شهر من غير أن تعرق فيه. العربي الذي رفض تزويجك ابنته، عندما يعلم بالأمر سيأكل أصابعه. لكن قبل ذلك عليك أن تنجز مهمة التسجيل كما قال عون السلطة، وتنتظر الجواب.
بعد أسبوعين من الأخذ والرد، تمكن من التقييد في السجل الاجتماعي، وأصبح له رقم، وينتظر جواب البرنامج. قيل له بأن الحكومة ستطلب من البرنامج معالجة ملفه، وإذا حالفه الحظ، فإن المؤشر سيتوقف عند عتبة تسمح له بالاستفادة من هذا المبلغ..
مر حوالي شهرين، حتى دخله الشك بأن يقبل البرنامج حالته. في نهاية الشهر الثاني جاءه الجواب اليقين. خمسمائة درهم مبلغ مهم، يمكن أن يقلب حياته رأسا على عقب. لا بد أن يفكر في أحسن طريقة لصرفه. وقبل ذلك عليه فتح حساب بالمجان في أحد الأبناك..
انتظر أكثر من أسبوعين ليسلمه الموظف المسؤول بطاقته البنكية، والقن السري في ظرف مغلق. لم يطلب منه سوى التوقيع. وهو خارج من البنك قال لنفسه:
ـ والله يا علال أصبحت مواطنا مهما، لك حساب في البنك. غدا سيمدّونك بدفتر للشيكات، وتقتني كل ما تشتهي نفسك، وترحل من هذا الحي البئيس.. العربي الذي أغضب والدتك بالأمس وقال لها بأنك عاطل ومفلس لا تصلح زوجا لابنته. اليوم سيبعث لأمك رسائل التودد مع زوجته لإصلاح ما أفسده، لكنها ستذيقه العذاب الأليم.. أمك الضاوية وأجرك على الله!؟
سأل الحارس أمام الباب كيف سيُشغل البطاقة؟ لم يفهم شيئا مما شرح له. ولم يجد بدا من أن يطلب مساعدته.. أخرج ثلاثمائة درهم، واحتفظ بالباقي.. تحسّس الورقات الثلاث في جيبه.. اشتهى تناول خبزة (مجنونة)* بالصلصة الحارة، وتكون ألذّ مع زجاجة مشروب غازي من حجم صغير. لن يخسر أكثر من ثمانية دراهم.. بعد كل هذا العناء فهو يستحق وجبة أفضل. قبل تناول هذه الوجبة، تذكر الوعد الذي قطعه للولي الصالح سيدي عبد العزيز بتقديم علبة شمع كقربان إذا وافق البرنامج على طلبه.
مرّ الشهر الأول والثاني بسلام. في الشهر الثالث توقف الدعم.. سأل في البنك أكثر من مرة دون جدوى. كاد يجن.. قيل له ربما المؤشر طلع..
سأله صاحب دكان الأنترنيت:
ـ هل سجلت شريحة الهاتف، ببطاقة التعريف الوطنية؟ في هذه الحالة سيكتشف البرنامج أنك شبعت، وزاد دخلك عن الحاجيات، وسيوقف عنك الدعم..
رد علال، والحيرة تنهش قلبه:
ـ فكرت في الأمر، وسألت عن ثمن هاتف مستعمل لكن وجدته مرتفع. أحمد الله أني لم أقدم على هذه الخطوة..
سؤال ثان:
ـ هل دخلت أحد المتاجر العصرية الكبرى؟ أو ركبت سيارة تاكسي؟ أو سافرت في القطار؟ أو اشتريت علبة سجائر من النوع الفاخر؟. احذر العيون الجديدة التي تراقب حركة الناس.. أينما ولّيت وجهك تمة كاميرا ترصد حركاتك؟
أجاب وهو يستغرب لهذه الأسئلة:
ـ لم يحدث شيء من ذلك..
سؤال آخر:
ـ لابد أنك أقدمت على فعل أغضب المؤشر! ربما رفع أحد المسؤولين بك تقريرا؟!
وضع علال يده على رأسه وبدأ يفكر، لكنه لم يرس على بر:
ـ عندما توصلت بحصة الدعم الأخيرة، سحبت أربعة أوراق من فئة المائة درهم.. توقفت عند بائع التين الهندي. اشتهيت تناول حبة واحدة.. بمجرد ما وضعتها في فمي، وقف عون السلطة.. نظر إلي بمكر وقال بسخرية:
ـ علال يأكل التين الهندي؟!
أمرت له بحبة تليق بمقام رجل السلطة.. لم يرفض ولد الحرام الهدية.. تناولها بتلذذ وانصرف..
قال صاحب الدكان:
ـ هزك الماء يا علال! لا بد أن عون السلطة كتب تقريرا، ورفعه إلى مرؤوسيه، فألغى البرنامج الالكتروني الدعم المخصص لك.
أحس عبد الله كأن سكّينا حادّة ذبحته من الوريد إلى الوريد.
وردد بصوت مبحوح:
ـ الملعون تناول الحبة بتلذذ، وغدر بي.. لم يسجل في التقرير بأني اقتنيت له الحبة الأجمل والأكبر والأغلى من التي تناولت.. لماذا لا تكتب لي تقريرا كاملا يقطع رزقه هو الآخر؟!
المعجم:
ـ خبزة مجنونة: وصف أطلقه الشباب في مراكش على أرخص وجبة سريعة في الأحياء الشعبية، دخلت في منافسة مع اكلة الماكدو الشهيرة.
مراكش 17 يوليوز 2024