
لا أحد يعرف أصلها أو فصلها.. ألف الناس أن يروها تمرّ بين الأزقة والأحياء، ويتبعها عشرات الكلاب. تتوقف سيارة حتى تقطع الطريق بحذر. تمشي حافية القدمين. شعرها منفوش. وسّعت فتحة القميص حتى تتمكن من حكّ صدرها بكل حرية. يقول الناس بأنها مجنونة. يتصدق عليها باعة اللحوم والدجاج ببعض البقايا التي تُقدمها للكلاب.
البعض يُخمّن بأنها تجرُّ خلفها قصة مؤلمة. أغلب النساء المتشردات قد يكون وراء جنونهن قصة حب تنتهي بمأساة. ربما ضحك عليها عاشق أخلف بوعده، ولم يتقدم لطلب يدها في الوقت المناسب، أو أرغمها الأهل على الزواج من شخص لا تحبه، فهربت من البيت، ووجدت نفسها في الشارع عرضة للوحوش البشرية. وإذا كانت تنحدر من أسرة محافظة، عليها أن تسافر، وتعرض جسدها للبيع في مكان بعيد، وإلا تعرضت للقتل بدافع حماية شرف العائلة.
مع الوقت تحولت المرأة إلى كلبة ضالّة لفظها المجتمع. تنام في الشارع العام رفقة الكلاب. فالسفينة غرقت منذ زمن بعيد، وتفتت خشبها، وطفا فوق الماء.
لم يعد الناس يتعاطفون مع المجانين، كما كان يفعل أجدادهم في الماضي. لذلك قرر السكان رفع شكاية. قالوا بأنها تبيت قرب باب العمارة، وأن كلابها يزعجونهم بكثرة النباح في الليل، ويوقظون الأطفال من النوم مرتعبين. وذهبوا إلى أبعد من ذلك، واتهموها بتهديد حياة المارة.
بعد يومين أو ثلاثة ستبحث عنها الجهات المختصة، وتقودها إما إلى دار العجزة أو إلى مستشفى المجانين، أو تطلب من حافلة لنقل المسافرين أن تُقلها بعيدا عن المدينة، وتتخلص منها في الطريق. أما الكلاب فسوف يتفرقون وينتشرون في أرض الله الواسعة.
استغربت المرأة من تصرف الناس.. فهي لا تتحدث مع أحد منذ زمن بعيد حتى كادت تنسى اللهجة التي يتخاطبون بها. عاشرت الكلاب، واقتسمت معهم الملح والطعام. ومع الوقت أصبحت ضليعة بلغتهم. تتحدث وتتواصل معهم بكل يُسر. والغريب في الأمر أنهم يفهمون ما تقول، ويستجيبون لأوامرها بسرعة.
قالت للكلب الأرقط:
ـ تعال أنت هنا!
وأتبعت ذلك بإشارة من يدها. حرّك الكلب ذيله، وبدأ يقترب منها ببطء. وضعت يدها على رأسه. حكّت قفاه. فرح الكلب، وجلس بجانبها. بدا مثل طفل وديع ينام في حضن أمه. وعدته بأن تخطب له الجروة الحمراء عندما تكبر ويشتدّ عودها. وأقسمت أن تقيم له عرسا لم ير معشر الكلاب مثله في حياتهم.
قالت لنفسها:
ـ هذه الكلاب أرحم وألطف من البشر. فهي على الأقل تؤنس وحشتك، وتنسيك هموم الحياة، ولا توجع رأسك بنصائح لم يعد لها جدوى. تدافع عنك في الليل عندما يحاول أحد الوحوش اغتصابك بالقوة..
في اليوم الموالي جاءت عربة البلدية، اصطادت كلبين أو ثلاثة، وهرب الباقي.. صرخت المرأة، وجرت خلف السيارة، تبعها ما تبقى من كلاب.. عثرت في حفرة وسقطت.
في الجانب الآخر من الشارع، علا صوت مذيع الأخبار بأن الورش الاصلاحي للحماية الاجتماعية ساهم في تحسين الظروف المعيشية للفئات الهشة من المواطنين..
مراكش 17 فبراير 2025