كان المجتمعون مشغولين بحواراتهم الثنائية الحميمية، ونقاشاتهم الممتدة، وتوزيع ابتسماتهم ذات اليمين وذات الشمال ولكنهم كلهم احتواهم السكون والصمت حين سمعوا صوتها المغناج المنسوج من موسيقا سحرية، ووقفوا كلهم على رجل واحدة لالتقاط كلماتها كلمة كلمة، سألتني تلك الآنسة الرقراقة السمراء البهية البهكنة الغراء الفرعاء الحوراء الناهدة الندية الهَيْفَاء الخُمْصَانَة النورية: أسد؟ “كلهم ينظرون إلي كلهم يتمنون أن يكونوا المسؤولين
فكيف لا أكون أسدا وهذا الجسد البض الندي الشفاف أمامي ينتظر زئيري”.
فلم اتردد في الإجابة عن سؤالها، فقد نفخت لحظتئذ صدري، ورفعت رأسي، واستعرضت عضلاتي ، وشددت صوتي وفخمته، ثم قلت لها بصوت أجش عال: نعم أنا أسد !
فانهالت علي بلسان صارم بتار، وفتحت علي من فمها اللظى والنار ، فتوثبت عيون المجتمعين إلى حيث تقف قدماي، وحبست الأنفاس، وارتفع صوت الاستغراب والتعجب في القاعة حادا عاليا جافا جارحا …
فقلت لها: رفقا رفقا ومهلا مهلا، لم صببت علي من الحميم، وأسقيتني من هذا الجحيم؟
فقالت لي بغضب: ألم تقل لي إنك أسد؟
فأجبتها بلا تردد وبإصرار: بلى، أسد ونصف!
فانهالت علي مرة أخرى باللطم الشديد، والشتم واللكم.
فقلت لها متعجبا مستغربا والألم يعتصرني: ما جنيت، وما فعلت، فلست أذكر أن لي عملا قبيحا؟
فقالت بغضب: كعادتكم، انتم الرجال،اسمع يا أستاذ أسد، يا ابن أبي خالد لا تنكر ولا تكذب؟!
فقلت لها بتودد: لكنني لست ابن أبي خالد أنا محمد ابن أبي جمال!
فقالت غاضبة: فلم قلت لي إنك أسد؟
فقلت ببراءة وحب: وهل أنا غبي لأقول لجميلة مثلك أمام هذا الجمع إنني لست أسدا!
فانهالت علي تلك الرداح باللطم والشتم واللكم وهي تقول:” طيب، خليك أسد يا أسد”