
حرية سليمان
لم أنظر إليه حين خلع جلبابه وتصنعت الانشغال بالماء حتى لا أسبب له الحرج..فله ثديين كبيرين وبطن ضخم كعجين أمنا المختمر، أشرت له بالمتابعة؛ فتقدم متباطئًا بخطوات حذرة، كادت قدماه تنزلقان للزوجة الطمي على الحافة، ألقى بجسده في الماء وأحدث جلبة ؛ ضحكت، بدا منزعجًا من ردة فعلي، اطمأن حين خلعت ملابسي وتبعته، كانت المياه دافئة لحد كبير، بدا مستمتعًا، بدأ بفرك جسده وإبطيه وأخذ يغني، التصقت قصته بجبهته وتورد مغتبطا، لا أدري سر انجذاب الكلاب لمنطقتنا، بدأت بالتوافد، كلب، إثنان، ثلاثة، خمسة.
اقترب أحدها بحذر من جلبابه وتشممه، أطبق عليه بفكيه وجرى مسرعًا وبداخله سرواله، لم يفطن لما حدث ولم أشأ أن أخبره، عندما انتهينا تسرب للخارج باحثًا عن ملابسه بين الهيش والأحجار، ولما يجد لها أثرًا بدأ بالبكاء، تصنعت الدهشة بينما ألبس الجلباب، قمت بالبحث معه وبداخلي شعور بالمرح لا سبب له، غالبت الضحك كثيرًا راسما الحيرة.
طالبني بالذهاب وإحضار جلباب آخر دون إثارة الانتباه. كانت أمنا قد حذرتنا مرارًا من المجيء هنا، تركته بالماء وارتديت جلبابي مسرعًا، لم تكن المسافة بالطويلة أو القصيرة.
قدرت الوقت بعشر دقائق.. لولا إصرار أحد أبناء عمومتنا على الذهاب معه لساحة بيتهم لنراقب عراك الديكة وتساقط الريش وتطايره.
انتبهت أنني أضعت الكثير من الوقت هناك، ركضت للبيت، كانت أمنا بالباب تتلفت يمينًا ويسارًا بانزعاج شديد.
أخبرتها بما حدث؛ فشهقت عاليًا واصفرّ وجهها، ضربت على صدرها بكفها، أمسكت بأذني تقرصها بلا رحمة، كادت تخلعها من مكانها، اقتادتني غير مهتمة لنهنهات البكاء.
وصلنا حيث كان وقد أظلمت الدنيا، كان قد أصابه الإعياء وهزمه الانتظار، وجدناه بالقرب من الحافة ممسكًا بالنجيلة، عندما لمحها تراجع خطوتين للوراء ونزل بكامل جسده بالماء، أصابته القشعريرة فأغمض عينيه وأجهش بالبكاء، اقتربت أمنا منه بهدوء، بلغ الماء نصف ساقيها ولم تهتم للبلل الذي أصاب ملابسها، ناولته جلبابه الذي التقطه مرتعشًا، لبسه مسرعا وانتصب واقفا، ضمّته لصدرها حتى هدأت أنفاسه وتوقف عن النحيب، نظرت إلي بلوم وضمتني أنا الآخر؛ سرت رائحتها الحميمة بي، دمعت عيناها، حذرتنا من تَكرار ذلك، فالعقاب سيكون عسيرًا لو علم أبي بالأمر، ذكرتنا بالجياد النافقة عند مدخل الهويس وبجسد الغريب الذي وجدوه طافيا عند البوابة .
يومان متتاليان أرى أخي بالحلمِ راحلًا وأحاول اللحاق به بلا فائدة، لا يسمع صوتي ولا أسمع له صوتا. لم يأتني غير صدى خطواته البعيدة على الطريق، وجدته يعبر ممرا ضوئيا يشبه هالة حول القمر، يعبر بهدوء، يمر بلا أدنى مشكلة ولا يعوقه شيء، بعدها انغلقت الطاقة، استحالت حائطًا أصم حتى أنها لم تمرر كفي، اختفى ولم أجد له أثرًا؛ قمت فزعًا من نومي، كانت أمي إلى جواره تضع خرقة مبللة بالماء البارد على جبينه، دعوت الله له باكيًا بالشفاء فاستجاب.