
كتبت الشاعرة المغربية ثورية الكور :
أدرك الآن ماذا يعني أن تفتح لك امرأة قلبها
وتكسر خرسها الطويل
وهي قادرة بعد كل هذا الوجع
أن تزرع نبتة الخشخاش على صدرها
وتقطف زهرتها تحيي بها قلبها الميت وتبتسم
تهزم جرح الليل بأغنيه وحلم صغير مخبأ بقلبها
..قلبها الذي يشبه جنديا
انتهت الحرب وظل طلق البنادق
في رأسه عالقًا كلما سمع صوتاً
صرخ بأعلى صمته أنا ميت، لم تُطلقون النار؟
أقف أمام نصكِ كما يقف العاشق أمام شرفة امرأة تنثر الورد من قلبها، ولا يسعه سوى التأمل في سحر الألم حين يصير شعراً.
نصكِ هذا ليس مجرد بوحٍ نسوي، بل هو ملحمة وجدانية تنسج من الوجع أغنية، ومن الانكسار ولادة جديدة. البنية الشعرية تتوسل القصّ، لكنها تنزف على هيئة استعارات حيّة، تجعل من “نبتة الخشخاش” رمزاً مزدوجاً: للجرح من جهة، وللأمل المستحيل من جهة أخرى.
قلب المرأة في النص، يشبه جندياً عاد من الحرب، لم تُرَمَّم ذاكرته بعد. كأنك تقولين لنا إن النساء يخضن معارك صامتة لا تُسمَع، ولا تُوثَّق، لكنهن يبقين شامخات رغم الطلق العالق في الذاكرة.
البلاغة في نصك تنبع من توتر الصورة الشعرية، ومن تواطؤ اللغة مع الإحساس. حين تكتبين: “صرخ بأعلى صمته أنا ميت، لم تطلقون النار؟” فأنتِ لا تصفين الموت، بل تصفين “الخذلان”، وذاك قمة التجلي الفني للمعنى.
1. مفتاح المعنى (الدلالي):
النص يتحدث عن امرأة تنكسر، لكنها لا تسقط. تفتح قلبها، رغم الألم، وتُقاوم باستخدام رموز الحياة (الخشخاش، الزهرة، الأغنية، الحلم). هناك انتقال من الموت المعنوي إلى محاولة استعادة الحياة.
2. مفتاح الصورة الشعرية (البلاغي):
استعارة “نبتة الخشخاش” تحمل دلالتين:
هي زهرة تُستخدم في صناعة الأفيون، ترمز هنا إلى الألم والذهول والتخدير.
لكنكِ تجعلينها رمزا للجمال وللتحدي، فتنبت على صدر امرأة مجروحة.
3. التحول النفسي (المبنى الشعوري):
يبدأ النص باعتراف: “أدرك الآن”،ثم يكسر الصمت، ثم يزرع ويقطف ويبتسم. هناك تصعيد داخلي. هذا يسمى “تصاعد درامي نفسي”، وهو يعطي النص عمقاً إنسانياً.
4. البناء الزمني والسردي:
يبدأ النص في الحاضر (أدرك الآن)، لكنه يعود للوجع، ثم ينتهي بصرخة الجندي. الزمن ليس خطياً، بل دائرياً. هذا يجعل القارئ يشعر بأن الألم لا ينتهي، بل يتحول ويتكرر.