علوان السلمان:
القصيدة الشعرية بنية اشارية قوامها اللغة التي تنقل متلقيها الى افق تصويري..ايحائي عبر خطاب قوامه المعنى والمبنى..وقد شكلت شعرية النص الحر(الطليق) منعطفا تاريخيا في المسيرة الشعرية بتجاوز المعمار التقليدي الذي انتهى بقصيدة النثر المغامرة بتقديمها بنية شكلية بمجموع دوال اسلوبية مشعة بخطابها الذي يعتمد المقطعية والايجاز والتركيز والتكثيف والصورة المتشكلة من اتساق الالفاظ سياقيا وتركيبيا والباثة لموسيقاها من ثنايا حروفها..والتي تقوم على اساس جمالي قوامه اللمحة الفكرية الكامنة وراء صورها التي تمزج الواقعي بالتخييلي والرؤية بالرؤيا والانا بالانا الجمعي.. و(ظلال الغربة)المجموعة الشعرية التي اتسقت حروفها وانطقت الفاظها انامل مبدعها الشاعر موسى احمد والتي اسهمت دار امل الجديدة /سورية/دمشق/2013 في نشرها بنصوصها التي تمازج بين النثرية والشعرية لاحداث تشكيلات جمالية ترتقي للغة النص الشعري..وهي تخوض في عوالمه المتشكلة من (القصيدة والقصيدة القصيرة والقصيرة جدا(الومضة) ..وهذا يعني ان الشاعر يعطي للمنظور الشعري اهميته من خلال تنقله بين قصائده التي اعتمدت الذاكرة مع استغراق في تصوير الجزئيات اساسا في بنائها الشكلي مع تاكيد على الغربة الذاتية بصورها التي صنعت انزياحاتها عبر التداعي وتقصي الجزئيات كي توصل دلالاتها باعتماد تقنية المزج بين معطيات الواقع والتخييل انطلاقا من العنوان الذي هو نوع من الرؤيا على حد تعبير الدكتور احمد الطريسي..كونه منفتحا على تاويلات بصرية وحدسية ونفسية وحلمية.. يتجاذبه عنصران لغويان(التعريف والاضافة)..وبنيتان نصيتان احدهما مكانية والاخرى زمانية..اضافة الى بنية الحذف بمتخيل شعري يتفاعل والوجود من خلال شحنته المجازية التي منحت الواقع طابعا حركيا وحققت دوره(الاستشاري والايحائي والاختزالي)..
انحني واقفا
وارى رجلا
ينحت في الصخرة
وجه امراة
تشظى جسدها
في هوس الحرب
كان في يده منجل
ترك البيدر
لينحت في الصخر
لعبة الحرب
ويجرب الحب
لعله يكتشف واحة
او فسحة للحرية/ص5
فالنص يكشف عن هواجس الذات بسردية غرضها فني وجمالي بامتلاكها طاقة من تداعي الافكار وما تختزن الذاكرة من معان..فضلا عن اعتماد المتناقضات كحالة وعي واسلوب تفكير..اضافة الى انه يتخذ من الزمكانية حيزا فاعلا كونه يتواشج مع البعد النفسي والذاتي..
كنت قد سلمتك قبلة
عند ترانيم المساء
فاكتشفت عند الشروق
انها مخالفة للدستور/ص35
فالشاعر في نصه يتكيء على حقول دلالية تمثلت في(الثنائيات الضدية/الزمكانية/الحدثية..)مع كثافة العبارة وعمق المعنى..فضلا عن اثارة الدهشة..كونها تنجم عن موقف انفعالي..فهو في ومضاته الشعرية التي هي شكل من اشكال الانزياح والتي تعتمد اللغة المسكونة بابعادها الرمزية التي تشكل فيها الدلالة بؤرة ضوئية تشع في كل اتجاهات النص..يجنح صوب التكثيف والتركيز كونها تشكل تعبيرا عن لحظة انفعالية..بلغة تتسم بالقصدية والايحائية..فضلا عن الاقتصاد اللفظي لتشكيل الجمالية الشعرية التي فيها يجمع الشاعر بين المعنى الحسي والذهني..كونه يشتغل على العمق التصويري..
يكفينا في عتمة الرؤيا
ضوء قنديل
وحضن دافئ/ص64
فالشاعر يستخدم التكنيك الفني في بناء ومضاته الشعرية ابتداء من تشكيل الصورة الشعرية فالرمز والمفارقة التصويرية التي هي مسافة التوتر كما يرى ابو ديب.. فضلا عن تقانة التنقيط النص الصامت الذي يستدعي المستهلك(المتلقي)للاسهام في بناء النص واستنطاقه..اما التكرارالتقانة الفنية والعنصر البنيوي الذي يمتلك دلالته التي تتعمق عبرما تضفيه من صفة بنائية دالة في النص..وهذا اضفى ثراء مضافا على النص الشعري باعتماد محمولات دلالية وعلاماتية اثرت العملية التاويلية..
كانت الارض تحمل
وصيتي..
كانت السماء تحمل وصيتي..
لم افكر بالندم
لان الفراشات نشوى
عند ربيع البنفسج
وشفتي لم تزرق
لانها تبللت بلظاك/ص65
فالنص يستمد تاثيره من خلجات النفس واحلامها السابحة في فضاءات الخيال باعتماد اللغة الشعرية والصورة الفنية مع محاولة الامساك بالنسق الحكائي والتوتر الدرامي.. وبذلك استطاعت(ظلال الغربة) ان تحقق حضورها بتعبيرها عن هموم الذات من خلال تشكيلات حققت امتلاءها الشعري مع بلورة جملة من المهيمنات النصية التي سارت في محوري:النزوع الانساني والبنية الذهنية.