•هناك تجارب مسرحية فقيرة ضمن المرحلة..
•في الفاو تعلمت كيف أكون صادقاً مع نفسي والآخرين..
•لا يكفي أن تكون شاعراً.
•مسرحية كاروك ما زالت تترك تأثيراً في بعض المسرحيين.
حاوره: كاظم الزهيري:
قد يكون من الطبيعي أن تجد مبدعاً في جنس أدبي معين، فهذا أمر يتفق عليه الجميع، لكنك لن تجد الا القليل القليل ممن يمتلكون ابداعاً متنوعاً وفي جميع مجالات الفن والأدب.. وهو ما يطلق عليه بعضهم بالفنان أو الأديب الشامل..
هذه المقدمة البسيطة أسوقها بعد ان التقيت بالشاعر والكاتب المسرحي العراقي والصحفي عبد الكريم العامري.. فهو شاعر له من الإصدارات مجموعتان شعريتان الأولى بعنوان (لا أحد قبل الأوان) وصدرت عن مطبعة جامعة البصرة عام 1998 والثانية بعنوان (مخابئ) صدرت عام 2000 في البصرة.. وهناك عدة مخطوطات شعرية منها (كل جسدي مشاع) و(تعويذة الملح).. وهو روائي أيضاً صدرت له روايتان هما (الطريق الى الملح) عن دار الشؤون الثقافية ببغداد عام 2000 وأعيد نشرها في الدار العربية للموسوعات في بيروت عام 2001 ورواية (عنبر سعيد) وله مخطوطة بعنوان (سدى).. وفي المسرح قدم العامري عدة مسرحيات منها (دم العاشق) عام 1980 و(سالفة عرس) عام 1987 و(قيد دار- مونودراما) عام 1998 ومسرحية (كاروك) عام 2000 ومسرحية في راسي بطل ومكاتيب ودعوة للمحبة وميديا وحفلة سمر من أجل 9 ابريل ويا علي .. ومسرحيات أخرى سنتعرف عليها من خلال اللقاء به.. وفي الصحافة قدم ريبورتاجات كثيرة وله عمود ثابت في جريدة المنارة بعنوان (في الدائرة) يطرح فيه اهم القضايا على الساحة العراقية والعربية والدولية..وله في الشعر الشعبي مخطوط بعنوان (ليل وسوالف عشك) وفي التلفزيون يقدم برنامجاً اسبوعياً بعنوان (نسخة منه الى..) من على شاشة قناة الفيحاء الفضائية كما قدم دراما تلفزيونية قصيرة في رمضان العام الماضي بعنوان (يوميات مواطن).. وهناك الكثير والمزيد سنتعرف عليه من خلال هذه الجلسة التي جمعتنا بالشاعر عبد الكريم العامري..
•هل نبدأ من الطفولة.. والبدايات في تلك الفنون..؟
-حسناً، لنبدأ بها.. طفولتي كانت في مدينة الفاو.. مدينة الحناء والنخيل والملح.. في تلك المدينة تعلمت كيف اخط حروف الحب على صفحات الحياة، وهناك ايضاً تعلمت كيف لعقل البشر ان يستوعب كل شيء فلا حدود له.. ولا يمكن أن يقف عند حد معين.. لهذا فقد كتبت اولى قصائدي هناك.. ونشرتها في جريدة المرفأ البصرية في السبعينيات من القرن الماضي.. وهناك أيضاً أنشأت مسرحاً صغيراً من الطين في باب (الحوش) وجمعت فرقة من الصغار الذين هم بعمري ورحنا نقدم فعاليات تمثيلية.. صحيح لم تكن بالمستوى المطلوب لكنها كونت الفنان الذي في.. وكونت اولى الخطوط للولوج الى عالم المسرح الرحب.. في الفاو أحببت السياب.. كما احببت ادغار الن بو.. وآرثر رامبو.. وجياكوموليوباردي، واحببت ماركيز، وسعدي يوسف، ومظفر النواب، والبياتي وبلند الحيدري ونازك الملائكة.. واحببت ايضاً كتب التراث العربي.. والجواهري، وشعراء المعلقات.. هكذا كما ترى خليط من الثقافات كنت أخوض بها بغية معرفة الذات.. في الفاو أيضاً تعلمت كيف يكون الصبر من خلال والدي الذي كان يعمل بناء لبيوت الطين، كان يبنيها لوحده، ياخذ الطين من النهر ليعلي بها هذا الحائط أو ذاك.. فكان ينجز عمله بصبر غريب جداً.. وفي الفاو تعلمت كيف أكون صادقاً مع نفسي والآخرين الأمر الذي جعلني ادفع ثمنه غالياً لحد هذا اليوم!!
•يعتبرك زملاؤك كاتباً شاملاً فقد كتب القصيدة والرواية والقصة القصيرة والمسرحية والأغنية وأعتليت خشبة المسرح ممثلاً أيضاً اين وجدت نفسك بين تلك الأجناس الأدبية؟
-وجدت نفسي حيث يخط قلمي.. كل تلك الأجناس وجدت نفسي بها.. أحياناً يثيرني امر ما فيخرج بقصيدة، وفي أخرى يخرج بمسرحية أو رواية.. كما قلت لك في البداية لقد علمتني المدينة أن عقل الإنسان لا حدود له.. لا يكفي أن تكون شاعراً.. عليك أن تجرب القصة.. أو المسرحية.. كل تلك الأجناس تفتح أمامك آفاقاً رحبة للتعبير عن الذات.. أحياناً تجدني في واحدة من شخوص مسرحياتي، وأحياناً اخرى تجدني في قصيدة.. المهم أنك تعبر عن ذاتك.. بصدق.. انظر، منذ قصيدتي الأولى التي نشرتها في عام 1975 ولغاية عام 1998 كم مزقت من الأوراق لكي انجز مشروعي الأول وهو ديوان (لا أحد قبل الأوان).. ثلاثة وعشرون عاماً من الكتابة كانت كافية لصدور كتابي الأول.. وفي ذات الوقت كانت تعرض مسرحيتي (قيد دار) في مهرجان المونودراما الثاني ببغداد .. لهذا اقول لك يا صاحبي اني وجدت نفسي في تلك الأجناس الأدبية الراقية والتي عبرت فيها عما يجول في داخل نفسي من مسرات ومآسٍ..
•هناك أدب تسمونه أدب الاستنساخ، ظهر خلال سنوات الحصار .. ما الذي تقصدون به؟
-قي تلك السنوات، كنا نرتاد عدد من المقاهي، وكان الشعراء ينقسمون الى مجموعات ضمن كل مقهى.. المقهى التي اتخذتها مثابة للقاء هي مقهى جاسم وهي سليلة مقهى التجار في البصرة.. هناك كنا نؤسس لمرحلة من الأدب العراقي.. ولأن وزارة الثقافة لا يليق لها منجزنا فقد اتفقنا أن نطبع مجاميعنا على نفقتنا الخاصة.. وهكذا كان الفرد منا يمثل دار نشر كاملة.. فالشاعر يكتب القصيدة، ويذهب لطباعتها بالكومبيوتر ومن ثم يستنسخا وبعد ذلك يتم تقطيعها ويصمم الغلاف الذي يسحب بطريقة تسمى (السكرين) وفي الأخير يوزعها مجاناً على اصدقائه ومتابعيه.. هذا كان أدب الاستنساخ.. عدد محدود من الكتاب يوزع على افراد معينين أو (النخبة) والكتاب لا يتطلب موافقة دائرة الرقابة في وزارة الثقافة لهذا كانت القصائد التي يمكن ان نعتبرها ممنوعة تنشر في مثل هكذا مشروع.. كثير من الاصدارات صدرت خلال الحقبة الماضية وعلى سبيل المثال صدر لي (مخابئ) وصدر للزميل عبد السادة البصري (تضاريس) وصدر للشاعر ثامر سعيد (حدثني الملك الضليل) وصدر للشاعر احمد العاشور (عبر زجاج معتم).. وهناك كثير من الاصدارات لجماعة اواخر القرن العشرين في القصة وجماعة فضاءات التي كونتها بالاضافة الى الشاعر خضر حسن خلف وعبد الرزاق صالح وعبد السادة البصري..كما صدر ايضاً كتاب بويب الشعري.. تلك الأصدارات وغيرها تقع تحت اسم أدب الاستنساخ.
•مسرحية كاروك اعتبرها بعض النقاد انها اضافت شيئاً جديداً للمسرح العراقي.. ماذا تقول في هذا؟
-هذه المسرحية قدمت في مهرجان المسرح العراقي الخامس وللآن ما زالت تترك تأثيراً في بعض المسرحيين حيث شاهدت مسرحية للصديق محمد كريم اعتقد انها اخذت كل ما في كاروك ومسرحيات لي أخرى وهذا التأثير واضح في عدد آخر من مسرحيات الشباب.. لهذا فمن الحق ان اقول انها كانت تجربة قاسية بالنسبة لي في حينه حيث الظرف الذي كنت اعيش فيه.. ورغم ذاك فقد كانت فعلاً مؤثراً في المسرح العراي من خلال رؤيا المخرج الدكتور حميد صابر والممثلين الذين أجادوا ادوارهم وأذكر منهم الفنانة القديرة خلود جبار والفنان بلال منصور والفنان علي عادل ..
•هناك رأي أن الصحافة قد تشغل الشاعر من الإتيان بجديد الشعر.. هل أثرت عليك الصحافة أو التلفزيون..؟
-نعم اثرت كثيراً.. من حيث الوقت، فانت لا تستطيع ان تجعل يومك أكثر من أربعة وعشرين ساعة.. وهو ما أعانيه في الوقت الحاضر فهناك برنامج اسبوعي لي في التلفزيون وهو برنامج خدمي يعين المواطن على طرح قضيته عنوانه (نسخة منه الى..) فضلاً عن الحوارات واللقاءات التلفزيونية.. وهناك ايضاً عمود ثابت لجريدة المنارة بعنوان (في الدائرة).. اضافة الى مواقع الانترنت التي اشرف عليها وهذا يتطلب جهداً كبيراً وهناك رواية لم انجزها منذ ثلاث سنوات وهو ما يؤلمني حقاً.. هل تصدق بأنني أقرأ وأنا أأكل وأكتب أكثر من أن أنام.. كم تمنيت أن يطول اليوم ليصبح ثمانية واربعين ساعة بدلاً عن الساعات القليلة التي نحياها!! الصحافة اخذت مني الكثير والتلفزيون ايضاً.. لكنني احاول ان أوفق بين كل تلك الأمور.
•كيف تنظر الى المسرح العراقي الآن..؟
-لم أكن متشائماً اذا قلت لك لا وجود للمسرح الذي اعرفه الآن.. هناك تجارب مسرحية فقيرة ضمن المرحلة وربما تغازل المرحلة مبتعدة عن المسرح الجاد .. هناك أعمال لم ترتق بمستوى الطموح لكن هناك بالمقابل طاقات كامنة لا أعرف لماذا لم يفسح لها المجال.. اذكر تجربة ورشة تواصل للزملاء الدكتور عبد الكريم عبود والدكتور طارق العذاري والدكتور حازم عبد المجيد.. تجربتهم في مسرح الارتجال رائعة لكنها بحاجة الى رعاية خاصة وهم يتعاملون مع خامات من الشباب نأمل أن يتوصلوا الى ما يطمحون اليه في خلق شباب واعين لدور المسرح.. ثم ان مسألة غياب العنصر النسوي عن المسرح مسألة خطيرة اذا ما علمنا أن المسرح حياة يشترك في صياغتها الرجل والمرأة.. المرأة الآن شبه غائبة عن المسرح باستثناءات بسيطة.. وهذا الحال يجرنا الى ان نحتفظ بنصوصنا المسرحية الى أجل غير مسمى حيث هناك العديد من النصوص التي انجزتها خلال المرحلة الماضية تنتظر أن تجسد على خشبة المسرح.. نأمل أن يكون القادم أفضل.
•كلمة اخيرة..
– شكرا لك ولجريدة البينة التي سبق وان نشرت لي عدد من مقالاتي.. محبتي للعراق وللعراقيين جميعاً.