محسن الذهبي
انتجت الحركة التشكيلية العراقية تراكما هائلا يصعب تجاهله من الاسماء الفنيه التي اثرت في مسار الحركة الثقافية وحفرت مكانا مميزا في ذاكرتنا ومن هذه الاسماء الفنان العراقي (عبد الرزاق ياسر ) المولود في مدينة اور التاريخية بمحافظة ذي قار عام 1947 والذي استمر في عرض اعماله وتجاربه التشكيلية في الرسم والنحت قرابة ثلاث عقود ونصف ،واخرها معرضه الشخصي السابع الذي اقيم مؤخرا على قاعة مدارات ببغداد و ضم تسعا وعشرون لوحة . اذ اجتهد فيها ابراز التراث التصويري من منظور جديد عبر تكثيف علامات الثقافة المحلية و الذاكرة الشعبية ومعالجة هموم الانسان البسيط في علاقاته بذاته وبمحيطه فهو يحاول ان يسائل مقوماتها الرمزية والفكرية ويعنى بتطورها ، بقلقها وانسجامها . فخطوط الفنان تعتد بمقومات الجمال الطبيعي المنتشر حولنا والذي لا تلتقطه الا عين الفنان المدربه ، لا سيما ذلك التناظر والتناسق في الحركة اللونية والبصرية الموجوده بقوة في اعماله . فالحركة عنده تنطلق من مفردات تشكيلية تتمازج وتتناسق بذات الثراء الموجود في اجوائة.
ان اعتماد الفنان على المنظور الخطي المتميز من ناحية الشكل في تصوير الحياة بجميع نشاطاتها يجعل الامر يبدوا للمتلقي يتعلق بتشكيل ثان لا بتشكيل بصري منطلق من ذلك المنظور الخطي فحسب. فهو يحاول ان يحشد عدد كبير من الثيم في اللوحة الواحدة حتى تبدوا مكتظه بشكل ارادي وكانه ينقل لنا زحمة الحياة او تمسكه بايمانه المطلق بحريته في خلق الشخوص والاماكن بمنظور معرفي وبعد روحي مؤثر ، مستعين بتراكمات تراثية وثقافية للوصول الى ايجاد اضافة جديدة وخصوصية في التشكيل العراقي . اذ يذهب بنا الى المصدر المباشر للفن الى حياة الناس فيصور افراحهم واحزانهم وتفاصيل الحياة اليومية في اجواء متعددة الوجوه ، فان عملية الابداع عنده تدور حول ادخال تلك العناصر التراثية المغرقة في محليتها بعد ان يهظمها بشكل جيد لكي يصوغها – في عين المتلقي – بشكل ابداعي كي يصل الى ذلك الحوار والتفاعل الروحي والحسي الذي يحصل بالتواصل مع اللوحة فتضيف اليه عناصر جديدة ومبتكرة الى معرفة البصرية .
فبتقديرنا ان الفنان (عبد الرزاق ياسر ) قد وصل الى مرحلة الاقتناع الذاتي باسلوبيته وبابتعاده عن الحرفية المباشرة والتقنية السطحية ، فهو يجرب مجموعة من الاتجاهات داخل ممارسته كفنان له خصوصية معينة وكمبدع يقدر ما يتجذر في ثقافته المحلية وتطلعه الى تجاوز حدود تلك المحلية الى نزوع انساني واسع المدار ، مستمدا مقومات عمله من هذا الخزان الرمزي والثقافي الذي لا ينضب الملتصق بذاكرتنا الجمعية.
ان الفنان يظهر صلابه بناءه المعماري في تجسيد مظاهر البيئة الشعبية بمنظور يجمع بين عالم الواقع وما فوق الواقع متجها نحو آفاق الغموض الشعري والصراع الدرامي باستلهام متجدد للتراث الفولكلوري بنزعه تبسيطية للشكل وغنائية في اللون وميتافيزيقية في الفكر على خلفية روح فطريه لاتخلو من مرح مستفيدا من تعبيرية روح الحياة الشعبية في استخلاص جمالية الواقع المستتر في بعده التراثي . ولابراز جوهر رؤية الفنان من استخدام اسلوب فني يتناسب معها ، اتخذ اسلوبا قوامه الاعتماد على عناصر واقعية ، اسلوب يتيح للخيال اقصى درجة من الحرية والجموح في تصوير الاشياء واعدة تشكيلها وفق منطق العقل الباطن ، ومن هنا كانت البساطه المعتمدة في الاشكال هو السمة الغالبة وعدم وضوح الملامح ونسب الاجسام وابراز مظاهر الحياة المستلبه للانسان الشعبي ،حيث يطلق الفنان العنان لمخزون الطاقة الذاتية الكامنه في ذاكرة التعبير التلقائي عن رؤيته لاشكال وصور فيسقطها على قماش اللوحة لتتخلق دون قصد على الواقع الخارجي بنزعة احتجاجية واضحة ، فكان موضوع معاناة الانسان واستلابه هو المحور لاغلب اعماله . ان الحياة لدى الفنان تحتاج الى الفن اكثر من حاجتها الى الحقيقة فهو يلوذ بالفن للاحتماء من قسوتها مع انه لا يقبل بغير ميتافيزيقية هذا الوجود ، فهو حين يغلب الفن على الحقيقة يتبع اسلوبا يفصل بين الحقيقة التراجيدية وعالم المعرفة ، فالحقيقة عنده شعاعا فوق الحسي بالاشياء وما العالم الا متصورا يشكله كما يشاء . فعلى الفن ان ينفذ الى جوهر الاشياء بادراك الرموزالاسطورية وفقا لقيمتها الرمزية لذا فهو يتوارى على شكل دراما يومية تعكس حياتنا .
———————————–
* محسن الذهبي كاتب عراقي مقيم في بريطانيا
ان اعتماد الفنان على المنظور الخطي المتميز من ناحية الشكل في تصوير الحياة بجميع نشاطاتها يجعل الامر يبدوا للمتلقي يتعلق بتشكيل ثان لا بتشكيل بصري منطلق من ذلك المنظور الخطي فحسب. فهو يحاول ان يحشد عدد كبير من الثيم في اللوحة الواحدة حتى تبدوا مكتظه بشكل ارادي وكانه ينقل لنا زحمة الحياة او تمسكه بايمانه المطلق بحريته في خلق الشخوص والاماكن بمنظور معرفي وبعد روحي مؤثر ، مستعين بتراكمات تراثية وثقافية للوصول الى ايجاد اضافة جديدة وخصوصية في التشكيل العراقي . اذ يذهب بنا الى المصدر المباشر للفن الى حياة الناس فيصور افراحهم واحزانهم وتفاصيل الحياة اليومية في اجواء متعددة الوجوه ، فان عملية الابداع عنده تدور حول ادخال تلك العناصر التراثية المغرقة في محليتها بعد ان يهظمها بشكل جيد لكي يصوغها – في عين المتلقي – بشكل ابداعي كي يصل الى ذلك الحوار والتفاعل الروحي والحسي الذي يحصل بالتواصل مع اللوحة فتضيف اليه عناصر جديدة ومبتكرة الى معرفة البصرية .
فبتقديرنا ان الفنان (عبد الرزاق ياسر ) قد وصل الى مرحلة الاقتناع الذاتي باسلوبيته وبابتعاده عن الحرفية المباشرة والتقنية السطحية ، فهو يجرب مجموعة من الاتجاهات داخل ممارسته كفنان له خصوصية معينة وكمبدع يقدر ما يتجذر في ثقافته المحلية وتطلعه الى تجاوز حدود تلك المحلية الى نزوع انساني واسع المدار ، مستمدا مقومات عمله من هذا الخزان الرمزي والثقافي الذي لا ينضب الملتصق بذاكرتنا الجمعية.
ان الفنان يظهر صلابه بناءه المعماري في تجسيد مظاهر البيئة الشعبية بمنظور يجمع بين عالم الواقع وما فوق الواقع متجها نحو آفاق الغموض الشعري والصراع الدرامي باستلهام متجدد للتراث الفولكلوري بنزعه تبسيطية للشكل وغنائية في اللون وميتافيزيقية في الفكر على خلفية روح فطريه لاتخلو من مرح مستفيدا من تعبيرية روح الحياة الشعبية في استخلاص جمالية الواقع المستتر في بعده التراثي . ولابراز جوهر رؤية الفنان من استخدام اسلوب فني يتناسب معها ، اتخذ اسلوبا قوامه الاعتماد على عناصر واقعية ، اسلوب يتيح للخيال اقصى درجة من الحرية والجموح في تصوير الاشياء واعدة تشكيلها وفق منطق العقل الباطن ، ومن هنا كانت البساطه المعتمدة في الاشكال هو السمة الغالبة وعدم وضوح الملامح ونسب الاجسام وابراز مظاهر الحياة المستلبه للانسان الشعبي ،حيث يطلق الفنان العنان لمخزون الطاقة الذاتية الكامنه في ذاكرة التعبير التلقائي عن رؤيته لاشكال وصور فيسقطها على قماش اللوحة لتتخلق دون قصد على الواقع الخارجي بنزعة احتجاجية واضحة ، فكان موضوع معاناة الانسان واستلابه هو المحور لاغلب اعماله . ان الحياة لدى الفنان تحتاج الى الفن اكثر من حاجتها الى الحقيقة فهو يلوذ بالفن للاحتماء من قسوتها مع انه لا يقبل بغير ميتافيزيقية هذا الوجود ، فهو حين يغلب الفن على الحقيقة يتبع اسلوبا يفصل بين الحقيقة التراجيدية وعالم المعرفة ، فالحقيقة عنده شعاعا فوق الحسي بالاشياء وما العالم الا متصورا يشكله كما يشاء . فعلى الفن ان ينفذ الى جوهر الاشياء بادراك الرموزالاسطورية وفقا لقيمتها الرمزية لذا فهو يتوارى على شكل دراما يومية تعكس حياتنا .
———————————–
* محسن الذهبي كاتب عراقي مقيم في بريطانيا